المبعوث الأممي للسودان: القادة العسكريون يجب ألا يلعبوا أدوارا سياسية

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي»: في وقت تُطرح فيه مبادرات لحل الأزمة السياسية الراهنة في السودان، وسط ترحيب أممي، تسعى شخصيات سياسية، لتقريب وجهات النظر بين أطراف المعارضة والقوى المناهضة لانقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفي الموازاة، أكد رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي، فولكر بيرتس، أن «القادة العسكريين يجب ألا يلعبوا أدوارا سياسية».
وبالتزامن مع مبادرة أطلقها رئيس حزب «الأمة» القومي المكلف، فضل الله برمة ناصر، لتوحيد المعارضة، أطلق رجل الدين الصوفي، محمد الجعلي، في منطقة كدباس، شمالي السودان، مبادرة مشابهة، قبل حوالي أسبوع.
وعقد اجتماع للتداول حول مبادرة الجعلي، شارك فيه 15 جسما معارضا، أبرزها المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» وعدد من تنسيقيات لجان المقاومة، وتجمع المهنيين السودانيين، بينما رفض الحزب الشيوعي، المشاركة.
وقالت سكرتارية المبادرة، في بيان، الجمعة، إن المبادرة تهدف لتوحيد القوى التي ساهمت في ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018، وظلت تناهض انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مبينة أن القوى المدعوة تداولت، أول أمس الخميس، تحديات توحيد قوى الثورة من أجل إسقاط الانقلاب وتأسيس السلطة المدنية الديمقراطية.
وأشارت إلى أن النقاشات اتسمت بالشفافية، وأكدت الأطراف على ضرورة المضي بخطوات جادة نحو الوحدة وتوسيع القاعدة الجماهيرية المُقاوِمة للانقلاب. وأكدت أن توحيد قوى الثورة، هو عبارة عن عملية مستمرة تختلف آلياتها في كل مرحلة، وصولا للأهداف المرجوة، كما وعدت لجان المقاومة بالاستمرار في عملية التشاور بعد الرجوع لقواعدها.
وتعهدت، بمواصلة العمل مع قوى الثورة من أجل إسقاط الانقلاب وتأسيس السلطة المدنية الديمقراطية، مشيرة إلى أن اللقاء الأول بين أطراف المعارضة اتسم بالإيجابية.
وبينما ترى قوى «الحرية والتغيير»، أن إنهاء الانقلاب قد يتطلب بالإضافة للمقاومة السلمية والانخراط في عملية سياسية، تتمسك «لجان المقاومة» بشعار اللاءات الثلاثة «لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية»، للعسكر.
وكان الحزب الشيوعي، امتنع عن المشاركة في المبادرة، مشيرا إلى قرار اللجنة المركزية للحزب المتعلق برفضه الجلوس مع الكتل السياسية التي شاركت المكون العسكري في حكم البلاد قبل وبعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وقال، في بيان، إن ذلك يأتي في إطار موقف الحزب القاطع من الانقلاب ورؤيته للمعطيات والمواقف السياسية التي مهدت الطريق لقيامه، وأنه متمسك بموقفه بهذا الخصوص.
في الأثناء، أعلن برمة، تأجيل دعوة كان قد أطلقها لجمع أطراف المعارضة، تزامنت مع لقاء مبادرة الجعلي، دعما لجهود الأخيرة. وقال حزبه (الأمة القومي) في بيان، إن «برمة قدم دعوة للمعارضة لعقد لقاء في منزل قائد الحزب الراحل الصادق المهدي للتباحث حول قضايا الراهن السياسي وكيفية تسريع وتيرة العمل لإنهاء الأزمة الوطنية الراهنة واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي في البلاد».
وأشار إلى أن «الدعوة وجدت قبولا من كل القوى السياسية في المجلس المركزي للحرية والتغيير، وأنه نسبة لارتباط عدد من رؤساء أحزاب الحرية والتغيير بالدعوة المسبقة المتعلقة بمبادرة الجعلي والتي جاءت في إطار توحيد القوى المدنية، طلب عدد من القوى السياسية تأجيل لقاء حزب الأمة القومي». وأضاف: «حرصا على أن تمضي المسيرة الوطنية بكل أطرافها بصورة موحدة، أعلن تأجيل اللقاء لوقت لاحق بأعضاء المجلس المركزي». ووفق، بيرتس، تعدد المبادرات الوطنية، مع نقاط التقارب المتعددة بينها، دليل على أن هناك العديد من بوادر الأمل في التوصل إلى حل، في وقت يستمر الاستقطاب السياسي في التزايد.
وفي خضم دعوات الموالين للانقلاب للإسراع في تكوين حكومة، قال بيرتس في مقال نشره، أمس، إن أي «إجراء أحادي الجانب من قبل أي جهة سيتم اعتباره مخالفا لتطلعات جميع السودانيين في العودة إلى المسار الانتقالي نحو الديمقراطية». ودعا إلى الاستفادة من الفرصة التاريخية التي أتاحتها ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018، مشيرا إلى أنها تمكنت من جمع ثقل مجموعات قاعدية واسعة للتأثير على النخب السياسية. وقال إن الأمم المتحدة، يمكن أن تقدم الخبرة الفنية وكافة أشكال الدعم الأخرى للمقترحات حول كيفية معالجة هذه الأسئلة المتعلقة بحل الأزمة السودانية، بينما تستمر في البقاء غير منحازة لأي طرف.
وأشار إلى أن الأمم المتحدة على الرغم من عدم انحيازها لأي طرف، إلا أنها لن تكون محايدة فيما يتعلق بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي، أو فيما يتعلق بالهدف الاستراتيجي المحدد في التفويض الممنوح للبعثة الأممية من قبل مجلس الأمن، المتعلق بمساعدة السودان في انتقال بقيادة مدنية نحو الديمقراطية والسلام.

حل سياسي

ولفت إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعاناة الناجمة عن الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، مؤكدا تطلعه إلى التوصل إلى حل سياسي يسمح باستعادة الدعم والمساعدات الاقتصادية للسودان وحشد المزيد من الموارد من أجل تحقيق هذا الغرض، الأمر الذي رأى أنه أصبح أكثر إلحاحا الآن مقارنة بأي وقت مضى. وأكد على ضرورة انخراط السودانيين في نقاش عميق حول قضايا رئيسية تتجاوز الجدل الحالي حول الترتيبات الدستورية الانتقالية، مشيرا إلى أن بعض هذه القضايا موجودة منذ استقلال البلاد في عام 1956 وكانت أسباب جذرية لعدم الاستقرار في السودان.
ولفت إلى ضرورة الإجابة على أسئلة تتعلق بتقاسم الموارد والثروات، بما في ذلك الأراضي بما يشمل القضايا المتعلقة بدمج مختلف الأقاليم والمواطنين والمجتمعات، مؤكدا أن الأمر لا يقتصر فقط على دارفور والشرق وكردفان والنيل الأزرق.

15 جسما معارضا اجتمعت لبحث مبادرة لتوحيد المعارضة

وأشار كذلك، إلى ضرورة مناقشة رؤية الأطراف السودانية لهيكل وطبيعة الدولة التي يريدها السودانيون، والمسار الانتقالي المطلوب لتحقيق ذلك.
ولفت إلى أن العودة إلى المسار الانتقالي تتطلب اتفاقا واضحا على مهام المرحلة الانتقالية وتوزيعا واضحا للأدوار والمسؤوليات بين مختلف الجهات الفاعلة، مؤكدا على ضرورة وضع خطة واضحة لتضميد جراح الماضي، وأن المساءلة وتحقيق العدالة الانتقالية هما مفتاح مستقبل الاستقرار في السودان. وأضاف أن «الحاجة إلى المساواة بمعناها الأوسع، ورفض أي نوع من التمييز بين السودانيين، هو أمر جوهري». وشدد على أن «لا ينبغي أن يكون هناك مكان لانقلابات عسكرية مستقبلية في السودان وأن طريق الديمقراطية والمشاركة هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والسلام الدائم في السودان».

الحاجة لجيش قوي

وجدد ترحيبه، بإعلان القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي»، انسحاب العسكر من السياسة، مشيرا إلى أن السودان يحتاج إلى جيش قوي وموحد ومهني. وأكد على ضرورة أن تبدأ عملية دمج جميع القوات والحركات المسلحة في فترة انتقالية جديدة، أكثر استدامة. وتابع: «لقد كررت أكثر من مرة منذ وصولي إلى السودان في بداية عام 2021 أنه لن يكون البلد، الذي يضم خمسة، أو ستة أو سبعة جيوش مختلفة أو أكثر، مستقرا أبدا»، مؤكدا على أن «القادة العسكريين يجب ألا يلعبوا أدوارا سياسية، وأنه يجب ألا تكون للقادة السياسيين جيوش خاصة».
وأكد أن «البعثة الأممية ستواصل العمل ضمن الآلية الثلاثية وبقية المجتمع الدولي للتوصل إلى اتفاق سياسي مقبول للأغلبية، يهدف إلى تحقيق أوسع توافق ممكن في الآراء بين المعنيين السودانيين». واعتبر التفاف القوى المدنية حول وثائق مشتركة خطوة ايجابية، مشيرا إلى أن التجمع الواسع للقوى السياسية حول مسودة الإعلان الدستوري الذي ابتدرته اللجنة التسيرية للمحامين خطوة هامة.
وأشار إلى أن «المدنيين لا يحتاجون لوساطة الآلية الثلاثية المكونة من البعثة الأممية والاتحاد الافريقي وإيغاد، لكنها مستعدة تماما للعب الدور الذي يتوقعه منا الكثير من القادة المدنيين والعسكريين، وهو دور الوساطة أو التيسير من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي بين المؤسسة العسكرية وأوسع كتلة ممكنة من المدنيين».
وقال إن «أي حل قابل للتطبيق لن يكون ممكنا إلا إذا كان من صنيعة السودانيين وملكهم، مؤكدا أن أي إجراء أحادي الجانب من قبل أي جهة سيتم اعتباره مخالفا لتطلعات جميع السودانيين في العودة إلى المسار الانتقالي نحو الديمقراطية».
وأضاف أن الشهر الماضي، عند تقديمه إحاطة أمام مجلس الأمن عن الوضع في السودان، «كانت في ذهنه صور الشابات والشبان السودانيين الذين ناضلوا وما زالوا يناضلون من أجل مستقبل أفضل رغم كل الصعاب»، مشيرا إلى أنهم «يمثلون مستقبل السودان، وأنهم يستحقون بذل كل جهد ممكن لترجمة آمالهم وتطلعاتهم في الحرية والسلام والعدالة وآمالهم في المستقبل إلى واقع ملموس».
وأشار إلى أن «الوضع العام في البلاد، سيستمر في التدهور ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي لاستعادة حكومة بقيادة مدنية، ذات مصداقية وقادرة على الاضطلاع بجميع وظائفها».
وكان البرهان، قد تعهد بخروج العسكر من العملية السياسية في البلاد، منذ ثلاثة أشهر، بينما لم يعلن عن خطوات عملية لتسليم السلطة للمدنيين حتى الآن.
في وقت أعلنت فيه، مجموعة من الأطراف المقربة من العسكر، مبادرات لحل الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، ترى المعارضة أنها محاولة لإعادة إنتاج الشراكة بين المدنيين والعسكريين التي قوضها انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأول أمس الخميس، شارك آلاف السودانيين في تظاهرات نددت بالحكم العسكري والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضرب البلاد، حيث سقط عشرات المصابين خلال قمع الأجهزة الأمنية للمحتجين الذين وصلوا إلى منطقة قريبة من القصر الرئاسي وسط الخرطوم.
ومنذ انقلاب العسكر على الحكومة على الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قتل 117 متظاهرا خلال قمع الأجهزة الأمنية للتظاهرات بينما أصيب الآلاف.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، تصاعدت الإضرابات في المؤسسات الحكومية والقطاعات المهنية والأسواق، احتجاجا على ضعف الأجور والزيادات في ضريبة أصحاب الأعمال والتي وصلت إلى 1000٪.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية