المترجم الاسباني أغناثيو غوتييرّيث: درست العربية مصادفة وفتنتُ بها

عبد الخالق النجمي
حجم الخط
2

مدريد: يُعدّ أغناثيو غوتييرّيث دي تيران أحد أبرز المترجمين الإسبان من وإلى العربية، يعمل حاليا أستاذا في شعبة الدراسات العربية والإسلامية والدراسات المشرقية في جامعة مدريد المستقلة، كما عمل في وكالة الأنباء الإسبانية في غرناطة، وهو باحث مختص في شؤون التاريخ المعاصر للعالم العربي والإسلامي. نشر غوتييريث العديد من المقالات والبحوث باللغتين العربية والإسبانية، كما نشر مجموعة من الكتب نذكر منها: «اليمن، المفتاح المنسي في العالم العربي والثورات العربية»، «الصومال: القبائل والإسلام والإرهاب الدولي»، «العراق، الاجتياح والاحتلال والفوضى»، و«رحلة علي باي إلى المغرب». كما قام بترجمة الكثير من الروايات العربية إلى لغة ثربانتيس نذكر منها: «حبات النفتالين» لعالية ممدوح، «رأيت رام الله» لمريد برغوثي، «حجارة بوبيللو» لإدوارد الخرّاط، «الروض العاطر» للنفزاوي، «نزهة الألباب في ما لا يوجد في كتاب» للتيفاشي، «التبر» لإبراهيم الكوني، و«واحة الغروب» لبهاء طاهر، وغيرها. ونظرا لتنوع هذه الترجمات وأهميتها كان معه هذا الحوار..

■ بداية متى وكيف بدأ اهتمامك باللغة العربية وترجمة آدابها؟
□ يجب الاعتراف بأن اتصالي باللغة العربية جاء بالمصادفة، إذ لم أكن أنوي دراستها لما التحقت بالجامعة، بل كانت نيتي التسجيل في شعبة اللغة الإنكليزية، إلا أنني فوجئت بأن جامعة مدريد «أوتونوما» لم يكن لديها اختصاص في مجال الدراسات الإنكليزية فلذلك اضطررت لاختيار واحد من بين ثلاثة خيارات هي اللغة الإسبانية واللغة اللاتينية واللغة العربية، فانحزت إلى العربية وفتنت بها. هذه العلاقة التي تقوّت بعد ذلك من خلال سفراتي إلى المغرب العربي، ومنه إلى المشرق. يمكن أن نقول إن بوابة الدخول إلى اللغة العربية أفضى بي إليها الاحتكاك مع العرب ومقاربة قضاياهم.
■ هل أنت من يختار الأعمال للقيام بترجمتها أم تقترح عليك؟
□ أنا أستاذ جامعي ولكنني مترجم محلف محترف أيضا فأقبل بما يوكل إليّ من أعمال أدبية شريطة أن يكون مستواها الأدبي مقبولا، وكذلك المكافأة المالية المرسومة، وهناك أعمال كانت أحب إليّ من غيرها، ولكن يسعني القول بأن معظم ما ترجمته حتى الآن كانت له قيمة أدبية جيدة. وهناك ترجمات أدبية أخرى بادرت أنا إلى عرضها على دور النشر، وهي مشاريع ترجمية أثابر عليها لأنها تدل على اختياراتي الشخصية.

دائما أقول للرفاق المترجمين وهواة الترجمة إن الأمر الأساسي في هذا المجال هو التعرف على نية العمل الروائي.

■ ترجمتَ الكثير من الأعمال الأدبية العربيّة بمشاركة مترجمين آخرين، ماذا عن هذه التجربة؟
□ التجربة جميلة ومرضية لأننا نتبادل من خلالها مع الزميل أو الزميلة مواقف واختلافات من الترجمة، وتذكرني عملية الترجمة بالمناصفة هذه بكلمات الشيخ الأكبر ابن عربي عندما قال، إن المعرفة تتلون بوعي العارف، كما يتلون الماء بلون الزجاج، فالحوار بين مترجمين قد يقاربان مقاربتين متباينتين للجملة ذاتها يدفعك بالضرورة إلى اكتشاف منطلقات جديدة متجددة لرواسخنا المعرفية، في حين ومن ناحية الشكل والأسلوب تجد نفسك مدعوا إلى بذل جهد زائد في سبيل التوافق مع سبل تعبير من يشاركك عملية النقل فالتفاوض معه على الدوام، في مناورة تتأرجح بين الأخذ والرد. والنتيجة في الآخر أنك تتعلم الكثير وتستمتع بالترجمة أكثر. لما كانت الترجمة ظاهرة تتلون تلونا مطردا تدخل في سياق المتحول أكثر منها في الثابت، فإن مقاربتنا إليها لا بد أن تتلون هي الأخرى مع كل مستجد.
■ يلاحظ أنك لا تلجأ للترجمة الحرفية، ولكن من خلال المعنى وإعادة صياغته. ألا تخشى أن يتهمك البعض بخيانة النص الأصلي؟
□ دائما أحب أن أقول للرفاق المترجمين وهواة الترجمة إن الأمر الأساسي في هذا المجال هو التعرف على نية العمل الروائي، أي، لا مناص من الوقوف على ما أراد المؤلف التعبير عنه، فدعونا في المرحلة الأولى من الأحرف والكلمات والدلالات المرئية. لا أؤمن بالترجمة الحرفية لأنني لا أعرف أصلا ما هي الترجمة الحرفية، وما هي الترجمة الحرة. في رأيي، لا يوجد غير النتاج الذي يوافق بين ما كان صاحب النص الأصلي يريد أن يقوله والآليات والمعدات التي استخدمها لتحقيق ذلك، ثم ما يمكنني الوصول إليه في لغة التلقي في إطار الضوابط النحوية والسردية المعمول بها. من جانب آخر، ينبغي لفت الانتباه إلى دور الناشرين، لأنهم يتدخلون أيضا في الترجمة، إن كانوا يريدون تكييف الإنتاج مع متطلباتهم الطباعية أو مذاقهم الخاص، وكذلك طبيعة قرائهم، وهذه نقطة كثيرا ما يتغاضى عنها عندما تسول للبعض نفسه أن يحكم في «جودة» هذه الترجمة أو تلك، تدخل هؤلاء في تعديل العنوان أو الترتيب أو اختيار بعض التعابير، دون غيرها، وهو تدخل لا غبار عليه إذا أدى بنا إلى تحسين الترجمة، إلا أنه يقودنا إلى عواقب معكوسة في بعض الأحيان.
■ ترجمت أعمالا متباينة، مثل «رأيت رام الله»، «حجارة بوبيللو» و«الروض العاطر»، ذلك في إطار مشروع منشورات الشرق والمتوسط. كيف يمكن أن تقيّم هذه التجربة؟
□ «منشورات الشرق والمتوسط» دار نشر مرموقة في العالم الناطق بالإسبانية، على الرغم من صغرها وحصر مهامها في ترجمة الأعمال الأدبية المعاصرة المكتوبة باللغات غير المهيمنة بالنسبة للقارئ، كالعربية والتركية والفارسية واليونانية والصينية وغيرها. إنها الدار الناطقة باللغة الإسبانية، التي نشرت العدد الأكبر من الروايات العربية الحديثة، بمجهودات فردية، دائما بالاندفاع ضد التيار، لأن مثل هذه الأعمال تواجه عادة صعوبة بالغة في النفوذ إلى الجمهور، لعدم وجود آليات ترويج ودعاية تدعمها، أو لأنها صادرة عن دور نشر شبه مغمورة ذات قدرات توزيعية متواضعة جدا، أو لأنها تعالج مواضيع يظن الناشرون أنفسهم أنها لن تثير اهتمام القارئ.
■ ومنه كيف هو حال الترجمة في إسبانيا من العربية إلى الإسبانية؟
□ الوضع حاليا ليس مشجعا، دعنا نتحدث بجلاء، فعدد القراء في انخفاض مستمر وكذلك نسبة الذين يترددون إلى المكتبات، ولذلك تحجم دور النشر الكبرى عن طبع أعمال مترجمة من العربية، ظنا منها أنها لن تباع. علاوة على ذلك، تقلصت المساعدات العمومية والتمويل الرسمي الذي كانت وزارة الثقافة تمنحها لمشاريع الترجمة من العربية وغيرها من اللغات، وبما أن دور النشر الكبرى تأبى المغامرة مع عناوين لا تظنها رابحة من الناحية المادية، ونظرا لوقوف دور النشر الصغرى على مشارف الإفلاس، فإن عدد الروايات (فما بالكم بدواوين الشعر والمقالات والبحوث وهلم جرا) المنقولة إلى الإسبانية في تراجع مستمر. وكنا نتمنى دورا فعالا للمؤسسات الثقافية العربية ومعاهدها وسفاراتها، ولكن يظهر أن أولوياتها، إن كانت موجودة في الأساس، لا تصب في مصلحة نشر الأدب العربي في أوروبا عن طريق تمويل مشاريع منتظمة ومؤثرة لروائع المكتبة العربية حديثا وقديما.
■ قمت بترجمة كتاب «رسالة الجواري والغلمان» للجاحظ، ألم يكن الأمر صعبا، خاصة مع لغة مثل لغة الجاحظ؟
□ فعلا، أسلوب الجاحظ ملتو مخادع مراوغ، يبدو للمترجم وكأن تعابيره سهلة تساعده في نقل الفكرة بطريقة سلسة، بيد أنه سرعان ما يقع في «مصائد» متعددة، ما يجبره على إعادة النظر في الأصل المرة تلو الأخرى، حتى يهتدي إلى الصيغة المثلى. ومن سمات الكتابة الجاحظية التعبير عن واقع متنوع مشكل جدا بواسطة مفردات قليلة جدا تلخص المدلول تلخيصا، ما يجعل المترجم مضطرا لإدخال جمل طويلة في سبيل الوفاء بالأصل، أو التنقيب عن مفردات دقيقة جدا تفيد المعنى ذاته بالاقتصاد اللفظي نفسه، وهو أمر في غاية الصعوبة، لاسيما أنه ليس من الهين بالإطلاق الوقوف على ما كان الجاحظ يريد قوله بالتحديد، إذ كان برعا في التلاعب مع المعاني والتسلح بنصال التهكم ودروع المواربة وأقواس التلميح. لا شك أنه من عمالقة الأدب العالمي، والمؤسف أن لا يكون الجاحظ قد نال نصيبه الحق من السمعة والاحترام في الآداب الأخرى، فنسبة أعماله المنقولة محدودة جدا. ليتنا أنصفنا الجاحظ في ثقافتنا الغربية.
■ وبالنسبة لرواية «التبر» لإبراهيم الكوني، ما هي التقنيات التي استخدمتها في ترجمتها؟
□ للإشارة فإن «التبر» أول رواية أقدمت على أسبنتها، ويجب القول بأن التجربة كانت ممتعة جدا لأنها وضعتني في أجواء الترجمة، وهو كتاب ملائم جدا لخبر مهارات من يعتزم المضي قدما في الترجمة، لأنه عميق جدا رغم بساطته الشكلية الظاهرة. وحاولت قدر الإمكان تقليد التقنيات السردية الواردة في الكتاب والحفاظ على طاقاته الروحية وأساليب المخاطبة التي نبغ مؤلفها إبراهيم الكوني في تطويرها، وذلك عبر تصوير مبدع للعلاقة الفريدة المقامة بين البطل وصديقه الأنيس الإبل الأبلق. كما حرصت على اللجوء إلى جمل قصيرة تضغط وتختصر المدلول لإطلاع القارئ على البيئة الصحراوية من خلال إيقاع سردي يحاكي نغمة الرواية الموسيقية.

نجحت الدعاية الصهيونية في تضليل العديد من الأشخاص في المعمورة وإيهامهم بأن الاحتلال هو الضحية، ولكن القضية الفلسطينية تحمل في أركانها مكونات العدالة.

■ قمت بترجمة رواية «القوقعة» للسوري مصطفى خليفة وهي رواية صادمة تنتمي لأدب السجون، ما هو السبب الذي دفعك لترجمة مثل هذه الأعمال؟
□ أولا، «القوقعة» رواية رائعة أعجبت بها إعجابا شديدا لما قرأتها قبل سنوات. ثانيا، إني مرتبط بسوريا عاطفيا لأني أقمت فيها سنة ونصف السنة، قبل عقدين من الزمن، ولذلك راودني الألم والعذاب كثيرا حين طالعت هذه المذكرات الصادمة، وقلت لنفسي «يجب إتاحة الفرصة للقراء الناطقين بالإسبانية لمطالعة هذه التجربية مرة»، يقينا مني أنها قد تساعد البعض على فهم (إن كان من الممكن «فهم» الفاجعة السورية) ما يجري في تلك البلاد العزيزة ليس فقط منذ اندلاع الثورة في عام 2011 وإنما منذ تربع جماعة الأسد على السلطة في أول السبعينيات.
■ وهل لذلك ترجمت مؤخرا أعمالا تتعلق بالثورة السورية؟
□ كنت أتابع عن كثب أحداث الثورة منذ بدايتها. ربما دافعي إطلاع مواطنيي على وجهة نظر موضوعية، ولكنها ملتزمة في الوقت ذاته. إن المآل المأساوي الذي آلت إليه الثورة تمثل نكسة لنا جميعا، ولكننا ما زلنا نؤمن بعدالة مطالب هؤلاء السوريين المنتفضين في وجه نظام مجرم يصر على الانفراد بالسلطة وإيصاد الباب أمام الحرية والمساواة. وما زادنا خيبة وإحباطا هو تواطؤ دول غربية وعربية مع المحاولات الصريحة وغير الصريحة الهادفة إلى قمع الحركات الشعبية وإدخال البلد في الهاوية التي تقبع في غياهبها الآن.
■ نشرت العديد من الكتب والمقالات عن العالم العربي والإسلامي، فأنت تُعتبر أحد المستعربين الإسبان المتعاطفين مع قضايا الأمة، خصوصا فلسطين. كيف تنظر لواقع ومستقبل هذه الأمة؟
□ يظهر أن الكثير من القادة العرب تناسوا خصوصيتها ولكن القضية الفلسطينية ما زالت القضية العربية الأولى بامتياز، لأسباب كثيرة في مقدمتها الإنسانية ــ شعب مظلوم مغلوب على أمره يطالب بالإنصاف ــ وبما أنها قضية إنسانية فإنها ليس قضية عربية وحسب، وإنما تعني مواطني العالم كافة، أو قل مواطني العالم المستعدين للتضامن مع القضايا العادلة. ونجحت الدعاية الصهيونية في تضليل العديد من الأشخاص في المعمورة وإيهامهم بأن الاحتلال هو الضحية، ولكن القضية الفلسطينية تحمل في أركانها مكونات العدالة والأحقية ولذلك ليس من اليسير طي صفحتها وكأن شيئا لم يحدث. وأقل ما يسعنا فعله تجاه القضية الفلسطينية أن ننصفها ونعاملها بالاحترام. أما الواقع العربي فهو مخيف وكذلك مستقبله، ولكني ما زلت متمسكا بالتفاؤل، لأن المواطن العربي أثبت خلال السنوات الأخيرة أنه قادر على النهوض ومقاومة الوضع القاتم، وهناك كثيرون حاولوا التمرد على الاستبداد وإن فشلوا أو تراجعوا بعد حين، فإنه لا يعني نهاية المطاف. قوة التغيير في صدر المواطن العربي لاسيما شبابه، ومهما كانت قوة الحكام العرب الفاسدين والحكومات الأجنبية المساندة لهم، والمصالح التجارية العملاقة التي تتحكم بخيرات البلاد العربية فإن الانتصار مصيرهم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول إسماعيل حبيب:

    السيد اثاناسيو غوتيريس المحترم سيرتك شيقة مع اللغه العربيه وهذا ما حدث معي ايضا حيث اقوم منذ سنتين اكتشاف سر اشكال الأحرف الأبجدية وطريقة الكتابة

  2. يقول إسماعيل حبيب:

    السيد اثاناسيو غوتيريس المحترم سيرتك شيقة مع اللغه العربيه وهذا ما حدث معي ايضا حيث اقوم منذ سنتين اكتشاف سر اشكال الأحرف العربية واريد ان تطلع عليها

إشترك في قائمتنا البريدية