المجازر الصهيونية الأمريكية: معابر لهدف مركزي

أفشلت الولايات المتحدة الأمريكية إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، يستند إلى مشروع تقدمت به دولة الإمارات العربية المتحدة؛ يقضي بوقف إطلاق النار في غزة لدواع إنسانية، وإطلاق سراح الرهائن، من دون شروط. وصوتت لصالح إصداره 13 دولة، بينما رفضته بريطانيا واعترض عليه نائب المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي، أي استخدمت أمريكا النقض لإفشاله.
وقد بيّنَ أسباب استخدام أمريكا، للفيتو ضد هذا المشروع الذي حظي بدعم الأمين العام للأمم المتحدة؛ أنه لم يتضمن إدانة لحركة حماس (المقاومة الفلسطينية)، كما لم يتضمن حق دولة الاحتلال الإسرائيلي في الدفاع عن النفس. أمريكا أو أن نائب المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي؛ في اعتراضه هذا تجاهل عن قصد، حقيقة احتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني الشرعي والقانوني في مقاومة الاحتلال العنصري المجرم والبغيض، وتجاهل قاصدا؛ حقائق الإبادة الجماعية التي تمارسها آلة الحرب الإسرائيلية، والمصنوعة في المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، وتجاهل أيضا الرأي العام، سواء في دول المنطقة العربية، أو الإسلامية المجاورة أو في المحيط الدولي، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

الأمة العربية والأمة الإسلامية، وليس القضية الفلسطينية فقط، في لحظة تاريخية فارقة

الموقف الأمريكي والبريطاني لم يكن مفاجئا أبدا، بل كان متوقعا ربما حتى من أغلب دول العالم، إن لم يكن من جميع دول العالم، بما فيها الدولة صاحبة المشروع؛ لأن جميع دول العالم، سواء على مستوى الشعوب أو على مستوى الحكومات تعرف تماما؛ أن أمريكا تشترك فعليا مع الكيان الصهيوني في حرب إبادة غزة، شعبا وأرضا؛ عبر الجسر الجوي الذي أقامته منذ الساعات الأولى لملحمة الأقصى في السابع من أكتوبر، أو بنشر حاملات الطائرات، بمجاميع من القطع البحرية المقاتلة، أو بإرسال رسائل تهديد، إلى قوى المقاومة في المنطقة العربية وجوارها. وهذا يعكس بصورة جلية وواضحة تماما؛ أن أمريكا تمارس الإجرام بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، بالقدر والقوة نفسها التي تمارس فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي ذلك، بل إن أمريكا تتحمل الوزر الكامل لهذه المذبحة الصهيونية، هذا من جانب، أما من الجانب الثاني، وهو الجانب الأكثر إجراما، والأكثر عارا على دولة عظمى تدعي الإنسانية والحرية، قولا وليس فعلا، بل إن أفعالها نقيض مما تدعيه؛ هذا الجانب يتلخص في منع أي عون أو مساعدة للمدنيين نساء وأطفالا ومسنين. أما تفعيل المقاومة ضد المشاريع الأمريكية والإسرائيلية؛ تطبيقا لمقولة وحدة ساحات المقاومة فلم يحدث على أرض الواقع بمجابهة مفتوحة على جميع الساحات نصرة للمقاومة الفلسطينية، وليس بمناوشات مسيطر عليها، باستثناء ما تقوم به حركة أنصار الله في اليمن؛ بسبب التهديد الأمريكي للمقاومة، عبر أنظمة الحكومات الداعمة لها، سواء في فلسطين، أو في لبنان أو أي مكان آخر في دول المنطقة العربية، أو في الجوار الإسلامي. أمريكا بايدن؛ تريد أن تنفرد دولة الاحتلال الإسرائيلي في ممارسة الإبادة في غزة شعبا وأرضا، ومنحها الزمن الذي هي بحاجة إليه، كما يدعي مسؤولوها في القضاء على المقاومة الفلسطينية، وتحرير الرهائن (الأسرى)، بصرف النظر عن حجم الدمار الهائل والمجازر الإسرائيلية بحق شعب لا يريد إلا الحياة الحرة والكريمة، واستعادة سيادته على أرضه التي منحتها له جميع القرارات الدولية ذات الصلة. إن المقاومة الفلسطينية تواجه الغول الأمريكي الإسرائيلي الوحشي؛ بقوة وشجاعة متفردتين وحسم وعزم، قل نظيره في جميع الحروب العربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، في الصمود والصبر والمجالدة. وفي رأيي لن تحقق دولة الاحتلال الإسرائيلي أيا من أهدافها، وسوف يكون النصر حليفا للمقاومة الفلسطينية، مهما تجبر الطغاة في تل أبيب وفي واشنطن، ومهما أوغلوا في مجازرهم في غزة، سوف تزداد المقاومة قوة وقدرة وتجذرا ورسوخا في التراب الفلسطيني، وفي روح وعقول ونفوس ثوار فلسطين، فالمقاومة الفلسطينية قبل كل شيء؛ مبادئ وعقيدة وإرادة لاسترجاع أرض وحقوق مغتصبة.. وزير خارجية أمريكا قال مؤخرا، بعد أن أفشلت بلاده؛ إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، لوقف إطلاق النار، أي إيقاف الحرائق والمذابح الصهيونية في غزة؛ إن من المهم بعد انتهاء الحرب؛ إرساء دعائم السلام المستدام، وهو في هذا يقصد واهما؛ بعد أن تحقق دولة الاحتلال الإسرائيلي أهدافها المعلنة، وتلك التي لم يتم الإعلان عنها، وهي الأخطر على القضية الفلسطينية والمقصود؛ التهجير القسري أو التهجير الناعم؟ هذا التصريح ما هو إلا لاحتواء ردود الأفعال المستنكرة والرافضة، العربية والإقليمية والدولية، وحتى في الداخل الأمريكي؛ لوقوف أمريكا بالضد من إصدار قرار وقف إطلاق النار في غزة. إن حصر أكثر من مليون ونصف المليون من سكان غزة في مدينة رفح، مع القصف المستمر من جيش دولة الاحتلال الإسرائيلي على هذه المدينة، بحجة أو من دونها، مع فقدان كلي أو جزئي قريب من الفقدان الكلي من الكهرباء والمياه والطعام، وفي ظروف مجازر وإبادة اجرامية؛ قد يدفع الناس وبالذات النساء والأطفال وكبار السن وربما غيرهم؛ إلى العبور إلى سيناء، ليس أثناء المذبحة الإسرائيلية الأمريكية فقط، بل لاحقا على صعيد المستقبل، إلى أمد ما، تحدد زمنه، الظروف وتحولات الواقع على الأرض، وإدارة غزة بعد انتهاء المحرقة، حسب الرؤية الإسرائيلية الأمريكية، وليس حركة الواقع على الأرض في غزة، التي تتصدى له وتقوده، المقاومة الفلسطينية في القطاع.
وتجدر الإشارة إلى تصريح أسامة حمدان القيادي في المقاومة الفلسطينية في غزة، بأن المقاومة سوف تستمر حتى من خارج غزة؛ وهذه إشارة استقرائية لتطورات المواجهة، فالقيادي في حركة المقاومة كان يقصد، أن المقاومة الفلسطينية لن تموت ولن يتم القضاء عليها، مهما كانت نتائج المحارق في غزة. إن هذه العملية هي الهدف المركزي والأساسي، أما الأهداف الأخرى من قبيل القضاء على المقاومة وتحرير الأسرى، فما هي إلا معابر للهدف الرئيسي، من كل هذا الذي يجري من محارق للأرض والإنسان، ولكل ما له صلة بالحياة. يقينا أن هذا الهدف المركزي ومعابر الأهداف الأخرى إلى الغاية المحورية تلك؛ سوف تفشلها شجاعة وصمود المقاومين الفلسطينيين، وبالذات حين تحَول مصر؛ أقوالها إلى أفعال في التصدي لهذا المشروع الإجرامي العنصري الصهيوني الأمريكي. خصوصا وأن عملية التهجير برمتها ترتبط بالمشروع الأكبر ألا وهو؛ قناة بن غوريون، إن قدر، لا سمح الله، وصار واقعا حيا على الأرض؛ سوف يؤثر تأثيرا كبيرا على قناة السويس الاستراتيجية لمصر، وللأوطان العربية، وللتجارة الدولية، إضافة إلى الهاجس الأمني، الذي كان ولا يزال يقض مضاجع النظام المصري. عليه، فإن هذه المجازر سوف تستمر لفترة زمنية قد لا تكون قصيرة، إنما بدرجة اشتعال أقل كثيرا من هذا الإجرام الإسرائيلي العنصري، الذي يجري منذ اكثر من شهرين، إلى الآن؛ لامتصاص الغضب العربي والإقليمي والدولي. من غير المستبعد عندها، في تلك اللحظة التاريخية المفصلية في الذي يخص القضية الفلسطينية؛ أن يتم تفجير منطقة ما من المعمورة، أو العمل على زيادة تفجير المتفجر أصلا، البحر الأحمر مثلا، أو في السودان؛ لصرف الأنظار والإعلام عن ما يجري في غزة؛ بتوجيه الأنظار إلى مناطق الاشتعال الجديدة تلك.
إن الأمة العربية والأمة الإسلامية، وليس القضية الفلسطينية فقط، في لحظة تاريخية فارقة؛ تستوجب من الجميع شعوبا وأنظمة، حشد كل الإمكانيات والطاقات والقدرات بالتصدي لها جديا وعمليا قبل فوت الأوان..
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية