وسط الهلع الذي يعيشه العالم، نشرت الصحافة الألمانية خبرا مفاده إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إقناع شركة ألمانية بنقل أبحاثها إلى الولايات المتحدة، واقتصار حقوق البحث والاستفادة في البدء على هذا البلد. بدون شك، هذا الموقف لا يمت للأخلاق الإنسانية، ويؤكد ضرورة إشراف منظمة عالمية على صناعة الأدوية بدل تركها في يد الدول والشركات.
ويعد موقف ترامب مرفوضا وهو نابع من الحاجة الانتخابية على حساب الصحة العالمية. فهو الرئيس الذي سخر من فيروس كورونا في البدء، والمتتبع لتصريحاته سيرى التناقض في هذه التصريحات، من نفي المرض واعتباره صينيا – أجنبيا، ثم استصغار تأثيراته على البلاد الى فرض حالة طوارئ وطنية، وهي الثانية بسبب المرض في تاريخ الولايات المتحدة بعد الأنفلونزا الإسبانية سنة 1918. وأخيرا يحاول الاستحواذ على الاختراع الألماني للقاح خاص بهذا الفيروس.
وكانت مجلة«نيويوركر» محقة عندما نشرت على غلافها، الأسبوع الماضي، صورة لترامب والكمامة الطبية فوق عينيه وليس لحماية أنفه وفمه، وذلك في سخرية من مواقفه المتقلبة إبان هذه الأزمة الصحية. وهذا الغلاف يذكر العالم بغياب رؤساء ومسؤولين من الطراز الأول على المستوى العالمي، قادرين على تمثيل مصالح العالم أو البشرية، فنحن نعيش مرحلة الأقزام. ولا يمكن تفسير تخبط ترامب الأخير سوى برغبته في تصحيح الأخطاء لضمان الفوز بالولاية الرئاسية الثانية، بعدما بدأ حتى أنصاره ينتقدونه جراء الاستهتار بفيروس يهدد حياة الأمريكيين، لاسيما وأن مواطني هذا البلد يتأثرون كثيرا بأفلام الخيال العلمي التي تتناول الكوارث، وها هم رفقة العالم يعيشون كارثة أو فيلما حقيقيا. إن تصرف ترامب وشخصيات مماثلة له هو التصرف الذي يرفضه العالم في الوقت الراهن. فالعالم محتاج الى سياسة تسيير علمي ومنطقي قائمة على مفهوم التضامن العميق لتجاوز هذه الأزمة. فقد أثبت الفيروس عدم تفريقه بين معتنقي الأديان، ولا بين لون البشر، ولا بين أفراد الطبقات وسط المجتمع الواحد. ومن سخرية الفقراء من الأغنياء، لاسيما في الدول الفاسدة، أن هؤلاء الأغنياء لا يمكنهم اللجوء الى دول متقدمة للعلاج، فالدواء لهذا الداء غير موجود، والحدود أصبحت مغلقة في وجه عالم مازال البعض يرفع فيه شعار العولمة. يأتي هذا الفيروس ليعيد شبح الأنفلونزا الإسبانية الى الواجهة، وهو الفيروس الذي قتل قرابة مئة مليون من الناس بين سنتي 1918-1920 وفق آخر الأبحاث، بعدما كان الاعتقاد السائد هو 50 مليونا. وكان الحدث الأبرز في تاريخ البشرية كوباء، ووقع في القرن العشرين، لكن معظم ساكنة هذا الكوكب في القرن الواحد والعشرين لم تسمع به من قبل، وكم كانت دهشة الناس كبيرة ومفزعة عندما اطلعت عليه، بينما كان الاعتقاد السائد أن أخطر التحديات الصحية في تاريخ البشرية هو الطاعون، الذي ضرب جزءا من العالم في القرون الوسطى باستثناء أستراليا والقارة الأمريكية.
حان الوقت للأمم المتحدة كي تكون لها الريادة في محاربة الأمراض، عبر تنسيق الجهود في البحث العلمي
ومن باب السخرية يقال«الحمد لله بإنجاز نتفليكس الشهر الماضي سلسلة وثائقية عن الأوبئة، وتناولت الأنفلونزا الإسبانية». وينذر الفيلم الوثائقي العالم من فيروس مدمر للبشرية، وها هي البداية مع فيروس كورونا في انتظار أخرى مدمرة خلال السنوات المقبلة. وبينما العالم يحتاج الى تظافر جهود الدول التي يعتقد أنها تمثل الشعوب، نرى العكس، فقد سارعت الدول الى إغلاق الحدود، وصادرت المواد الطبية ومنعت تصديرها الى الخارج بحجة الأمن القومي. وأمام هذا الوضع، هذه الأزمة الصحية العالمية تتطلب إشرافا عالميا، ولا يمكن لدولة مهما كانت قوتها القيادة الأخلاقية والعلمية لهذه الحرب الصحية، لاسيما بعد تصرفات ترامب غير المشرفة للشعب الأمريكي. وعليه، الهيئة المخول القيام بهذا الدور التاريخي لها هي الأمم المتحدة عبر فرعها الصحي المنظمة العالمية للصحة. لقد ترك العالم قطاع الصحة في يد الشركات العابرة للقارات، فقد سيطرت على صناعة الأدوية العالمية لتحقق أرباحا تفوق شركات النفط وتقترب من أرباح الشركات العاملة في المجال الرقمي، مثل ميكروسوفت. وانتقلت لاحقا إلى تشجيع القطاع الخاص في الصحة بمساعدة حكومات يمينية محافظة على حساب القطاع العمومي. وتعمل جاهدة للحصول على البيانات العالمية لصحة المواطنين لتكمل برنامجها التجاري الجشع على حساب الصحة العالمية. وها هي شعوب دول مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، مثلث الموت الحالي، تكتشف ضعف القطاع العام حاليا في مواجهة فيروس كورونا نتيجة سياسات الخوصصة (الخصخصة) التي طبقت طيلة العقدين الأخيرين.
لقد تولت الأمم المتحدة الجهود لمحاربة الإرهاب حتى الأمس القريب عندما كانت هذه الآفة تهدد الناس نسبيا، والآن حان الوقت لكي تكون لها الريادة في محاربة الأمراض، عبر تنسيق الجهود في البحث العلمي بدل أن تكون المنظمة العالمية مجرد هيئة تقنية تقيس صحة العالم، بدون الانخراط الفعلي والعملي. نعم، ستواجه مشاكل في التمويل بسبب لوبي الشركات العالمية المتخصصة في صناعة الأدوية أو أطروحات مرفوضة، مثل ترامب الذي يرغب في الاستحواذ على الدواء، لكن فيروس كورونا يجب أن يكون منعطفا حقيقيا في حياة التعاون بين الشعوب في مواجهة الأمراض. لم يتم هذا سوى بمبادرات حقيقية للمجتمع المدني العالمي.
كاتب مغربي من أسرة«القدس العربي»
حين تكون الحكومات منتخبة فإنها ستخاف من ردة فعل الشعوب! أما طغاة العرب, فما الذي يخيفهم؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
أصغر مخلوق لا يرى بالعين عطل العالم في أشهر بما فاق تبعات سبتمبر 2011 وحرب عالمية ثانية فعطل طائرات وسيارات ومصانع وحطم سلاسل توريد وقطاع سياحة وبعثر أسواق وأفقد بورصات أسهم تريليوناتها وتوعد بالشر وخيمة كل من تسول لهم أنفسهم بالتجمع بمدارس جامعات استادات مقاهى مطاعم نوادي ليلية قاعات سينما أفراح أتراح أحزاب وجمد مناورات حربية ومهراجانات واجتماعات دولية وأعجز علماء الطب وأقعد مسؤولين كبار وفاسدين ومنظري إلحاد وماديين بمنازلهم بل فاجأ منظري إحتباس حراري بخفضه إنبعاثات سامة للبيئة للنصف بوقت قياسي
ترك العالم الصحة في يد القطاع الخاص، الخطئ القاتل
أتشاطر مع كاتبنا الرهان المستقبلي على تولي الأمم المتحدة تمويل أبحاث في مجال الطب. المهمة صعبة، الشركات المتعددة الجنسيات العاملة في مجال الصحة تتحكم في حكومات الدول، والدول هي التي تشكل الأمم المتحدة. ويمر الحل عبر القضاء على هيمنة الشركات المتعددة الجنسيات.