المخرجة العراقية أريج السلطان: تشدّني قصص النساء لأنني أرى فيهن جزءا من حياتي

تتمتع المخرجة أريج السلطان بقدرة فائقة على رصد الموضوعات الحسّاسة والتقاطها ثم توظيفها في أفلام وثائقية، تصمد أمام تقادم الأعوام. وفيلم «عُشّاق كوريا في بغداد» هو من نمط هذه الأفلام الرصينة التي تتوفر على عنصر التشويق، وغرابة الثيمة وديمومتها لأطول فترة ممكنة. لا تُعنى أريج بالموضوعات الآنية العابرة، وإنما تبحث عن الثيمات الدائمة التي تتجدد عبر الأزمنة والأمكنة والشعوب مهما اختلفت، لكن الرغبات البشرية تظل حرة، قوية، وعابرة للقارات ولن تعوقها الأنظمة أو الحدود الجغرافية المعقدة. في الآتي حوار مع المخرجة والمنتجة العراقية أريج السلطان التي أنجزت فيلمًا وثائقيًا مُحايدًا يضعه كثيرون في «الخانة» الغرائبية المدهشة.

الهوس بالثقافة الكورية

■ كيف انبثقت في ذهنك فكرة فيلم «عشّاق كوريا في بغداد»؟ هل جاءت الفكرة من مدينة بسماية الواقعة على مشارف بغداد؟ أم من التجمعات والنوادي الأهلية التي تروّج لشيوع الثقافة الكورية الجنوبية بكل أنواعها في العراق؟
□ أثناء زيارة عائلية للعراق بداية عام 2017، لاحظت أنَّ الشابات المحيطات بي وبعضهن من العائلة، كنَّ يتحاورنَ باللغة الكورية البسيطة، ويستمعنَ للأغاني الكورية، ويتابعنَ أخبار الفن الكوري، وأثار هذا الشيء فضولي، واكتشفت أنَّ هناك نوعًا من التعلّق الحقيقي والهوس إن شئتَ. لاحقًا عرفت أن «الكَيْ بوب» مشهور جدًا في العالم، ولكن في وضع وخصوصية العراق هذا التعلّق له دلالات كثيرة وكبيرة، تتجاوز موضوع تعلّق المراهقين بصرعة عالمية معينة. التأثير الكوري بحد ذاته في مجتمع مثل المجتمع العراقي هو شيء مثير للفضول، وأنا سعيدة أنني تابعت الموضوع بشكل أعمق. ما اكتشفته أو ألقيت الضوء عليه سيكون جزءًا من تاريخ العراق الاجتماعي عندما يدرسونه بعد عقود من الآن.

الرغبة في الزواج من كوري

■ هل تعتقدين أنّ «هبة» شخصية واقعية تعشق كل ما هو كوري جنوبي، لغة وطعامًا ومسلسلات، وتتمنى أن تتزوج رجلاً كوريًا؟
□ بكل تاكيد، بل مئة في المئة. هبة ليست شخصية من صنع خيالي، بل هي فتاة من الفتيات اللواتي التقيتهن أثناء زيارة لبغداد، ويوجد مثلها العشرات. على أدنى حد، أخواتها كلهن يمحضن الثقافة الكورية حُبًا من نوع خاص، ويتابعنها بشغف، ولكن «هبة» مميزة بشخصيتها وبإرادتها لتحقيق جزء من أحلامها. هي أيضا ليست مراهقة لذلك قصتها مميزة أكثر، فهي واعية لما تفعل ولما تريد، بضمنها رغبتها بالزواج من كوري، أوكِّد لك أنّ هناك عشرات الفتيات والشباب مثلها.

صورنا مع بعض ممن كانت هبة تتابعهم على اليوتيوب (عربًا وكوريين) وقاموا بنقل صورة حقيقية عن الحياة في كوريا، وتحدثوا بصدق عن غلاء المعيشة، وساعات العمل الطويلة، وشبه انعدام الحياة الاجتماعية.

من الافتراض إلى الحقيقة

■ قالت هبة شيئًا غريبًا مُفاده أنها تنتمي إلى هذا المكان، وهي تعني كوريا الجنوبية. كيف تولّد لديها هذا الانتماء إلى المكان الكوري الذي لم تُقم فيه أكثر من أسبوعين؟
□ هي قالت إنها تشعر بأنها تنتمي لهذا المكان. ربما علينا أن نسألها هي عن مصدر هذا الشعور. بالنسبة لي، كنت مندهشة عندما كانت تتعرف هي على المناطق والمعالم منذ لحظة وصولنا لسيؤول العاصمة، وكأنها سكنت هناك لسنوات. هي كانت تعرف البلد بشكل جيد بسبب شغفها وحبها ومتابعتها لكل ما هو كوري. عرفت هبة الشوارع والمحلات والأكل عن طريق اليوتيوب والمسلسلات الكورية، لذا عندما زارت كوريا لأول مرة شعرت بأنها انتقلت من العالم الافتراضي للعالم الحقيقي. بالنسبة لي، يجسّد شعور هبة هذا اللحظات القليلة في حياة الإنسان التي يقوم فيها بعمل تجربة شيء يعشقه بالفعل. تلك اللحظة التي تبكي فيها عند وصولها لكوريا هي لحظة لا تمر على الكثير من الناس. الأيام التي قضتها هبه هناك ربما تبدو قليلة ولكنها حلم عاشته في مخيلتها هي لسنوات.

الخروج عن البديهيات

■ الفيلم يمجّد إتقان العمل، والإخلاص للوطن، وحُب الرجل للمرأة الكورية، لكن هناك اللص والمجرم، الذي يعنّف زوجته وأطفاله. لماذا لم تُظهري الوجه الآخر للعملة؟
□ لا اعتقــــد أنّ الفيلم يمجد أي شيء، هذا رأي المشاركين فيه من عشاق الثقافة الكورية. الحقيقة أنا لست معنية بإظهار وجه أو أكثر من وجه لأي شيء، فأنا لست صحافية مطــــلوب مني الحيادية. الفيلم كان يمكن أن يأخذ عشرات الاتجــــاهات، ومن فيلم واحد كان من الممكن أن أصنع ثلاثة أفلام كل له محور أو زاوية مختلفة. بالفعل قمنا بلقاء ناس والتصوير مع بعض ممن كانت هبة تتابعهم على اليوتيوب (عربًا وكوريين) وقاموا بنقل صورة حقيقية عن الحياة في كوريا، وتحدثوا بصدق عن غلاء المعيشة، وساعات العمل الطويلة، وشبه انعدام الحياة الاجتماعية إلخ.
في الأخير اخترت أن أسرد قصة شابة عراقية ترى الأشياء مثلما تريدها وتشعر بها هي نفسها. الأشياء السلبية معروفة ويدركها كل إنسان ناضج من ضمنهم هبة. لذا طرحها أو تكرارها لا يضيف شيئا في رأيي. أنا، على العموم، أحب الخروج عن البديهيات والمسلّمات ولم أتردد لحظة في عدم الولوج كثيرًا في مساوئ المجتمع الكوري، لأن هذا ليس جزءًا من رحلة هبة النفسية والوجودية.

غياب الرجل

■ يبدو من هذا الفيلم أنكِ معنيّة بحقوق المرأة، فلا وجود للرجل في هذه الأسرة العراقية التي تبدو أنها قريبة لك. هل أن موضوع المرأة هو صلب اهتمامك؟ أم أنّ لديك موضوعات أخرى تحبّين الخوض في تفاصيلها؟
□ مرة أخرى، أنا لا أحب التسميات والكليشهات. ما معنى حقوق المرأة العراقية في هذا الإطار؟ وما قدمت أنا للمرأة العراقية حتى أعلّق على وضعها، أو على حقوقها وأنا أعيش في لندن مذ كنت مراهقة؟ ومع ذلك نعم أنا تشدّني قصص البنات والنساء لأنني أرى جزءًا من حياتي وإرثي الاجتماعي فيهن. نعم، أرى عدم العدالة والإنصاف في التعامل مع الفتيات منذ الولادة ولنهاية العمر، ولكنني لا أمشي وراء تسميات لا تعني لي شيئا. كثيرًا ما أُسأل: ما معنى حقوق المرأة في عالمنا هذا؟ وما معنى حقوق إنسان أيضا عندما يولد طفل في كولومبيا بدون أب وبدون لقمة عيش، ويولد آخر في بلد آخر من العالم، وتُقام له حفلة بملايين الدولارات حتى قبل أن يولد؟ أما عن غياب الرجل في فيلمي، الحقيقة لم ألتفت لهذه النقطة من قبل. هذا واقع حال الكثير من العوائل العراقية، ببساطة ليس لهبة أخ أو أب (والدها متوفٍ) وربما كان هذا عاملاً مساعدًا في استقلالية قراراتها، وقوة شخصيتها. لم يكن الموضوع مقصودًا ولكنني أعتقد أن غياب الرجل في الفيلم يقول الكثير عن واقع المجتمع العراقي، وليس عن واقع في مخيلتي. ربما الفيلم المقبل يكون بطله رجلا، ربما، لا أدري. ولكن الرجل في العراق هو صاحب السلطة الدينية والسياسية والحياة العامة، لذا، لا مانع أن نترك حيزًا على الشاشة من أجل النساء. لم أسمع أحدا يقول كل الأفلام فيها رجال دائمًا، فلِمَ نستغرب عندما يكون هناك نساء؟ معظم العراقيين الذين ألتقي بهم غاب الأب أو الرجل في حياتهم لأسباب معروفة، لذا أتوقع أن تعكس الأفلام هذا الشيء.

٭ كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية