الرباط ـ «القدس العربي»: يواصل المخرج السينمائي المغربي عبد الإله الجوهري نقش اسمه على لوحة التميز من خلال العديد من الأعمال التي تمكنت من تحقيق رضى الجمهور واقتناع نقاد الفن السابع.
ليس من السهل تحقيق هذه الازدواجية، بل من الصعب تجسيدها على أرض واقع الإبداع السينمائي، لكن أفلامًا من قبيل «ولولة الروح» و«رجاء بنت الملاح» وغيرها من الأعمال الوثائقية، مكنت الجوهري من أن يمس العمق بمواضيع بليغة وفي قالب فرجوي ممتع.
الجوهري ليس مخرجا سينمائيا فقط، بل هو ناقد يعبر عن أفكاره دون تردد أو مساحيق التجميل، هكذا يقول ما يجول في خاطره وباله غير مبال بردود الفعل، لأنه مؤمن بأن الصراحة جزء من الجدية في الميدان الفني والثقافي.
استضافته «القدس العربي» للحديث عن هموم الفن السابع في المغرب، وآمال وطموحات المشتغلين في ميدان السينما، فكان الحوار التالي:
○ قمتم بتجديد مكتب الإطار المهني الخاص بـ«اتحاد المخرجين والمؤلفين المغاربة» ما أهداف التجديد هل هي لضخ دماء جديدة وأفكار مغايرة أم مواصلة للمسيرة السابقة؟
• يأتي تجديد المكتب المسير لـ «اتحاد المخرجين والمؤلفين المغاربة» في إطار تطبيق القانون الذي يحدد ضرورة انعقاد الجمع العام كل سنتين، واحترام قدسية الاشتغال الفني الذي يتأسس على الشفافية والديمقراطية في العمل، وأيضا تجديد هياكل الإطار، من خلال استقطاب طاقات جديدة فاعلة، خاصة منها الطاقات الشابة، وجعل كل الفعاليات السينمائية المغربية تلتف حول أنشطة وبرامج يسطرها الاتحاد، وفي نفس الآن فتح نقاش موسع، حول ما حققه المكتب المسير السابق، الذي كان يترأسه المخرج حسن بنجلون، من مكاسب لصالح السينما المغربية عامة، والمخرجين والمؤلفين (كتاب السيناريو وواضعي الموسيقى التصويرية) بمعنى مواصلة المسيرة بكل نجاح وثبات من خلال تراكمات وازنة لتجذير مكانة الاتحاد كفاعل أساس في المشهد الثقافي المغربي.
○ كثيرا ما ينال المخرج السينمائي في المغرب نصيبا وافرا من النقد، ويلام على الكثير من الأعطاب التي يقال أن المشهد السينمائي يعاني منها، هل فعلا المخرج مسؤول على ذلك وهل حديث «الأعطاب» يجد أسبابه في الوضع العام للفن السابع ببلادنا؟
• الحديث عن الأعطاب فيه الكثير من المبالغة والمزايدة، لأن السينما المغربية، ككل السينمات العالمية، لها جوانب القوة وأيضا مناحي الضعف، والمخرج المغربي ما هو إلا فاعل واحد مثله مثل كل الفاعلين في الساحة السينمائية بالمملكة، يتحمل جزءا من المسؤولية فيها وليس كل المسؤولية، لأن الساحة يتقاسم الاشتغال فيها الكثير من المهنيين التقنيين، وقبل ذلك من المنتجين وأرباب القاعات والموزعين، دون نسيان المؤسسة الوصية على تفعيل قطاع الفن السابع، أي المركز السينمائي المغربي.
المغرب له سينما خاصة به، لكن ليست له صناعة سينمائية كما الأوروبية أو الأمريكية أو بعض الدول الآسيوية، لأن إنتاجه من الأفلام جد محدود، حوالي 25 فيلما روائيا طويلا في السنة، القليل منها يجد طريقه للتوزيع والمشاركة في المهرجانات الدولية، بينما الأفلام الأخرى تضيع في متاهات قلة القاعات وعزوف الجمهور عن الذهاب لمعانقة الفرجة السينمائية، بمعنى أن السينما المغربية تعارك الوقت واكراهات الإنتاج الشيء الذي يؤثر عليها وعلى إبداعيتها، لكن رغم كل ذلك هي سينما فاعلة حاضرة في المشهد الثقافي بقوة. فسينمانا الوطنية تنتج أفلاما تشرف المغرب والمغاربة وترفع الراية في المحافل الدولية، بل وأصبحت، منذ سنوات، تعتبر كأحد أهم السينمات في العالمين العربي والأفريقي، والمخرج المغربي له حصة الأسد في إبداعيتها وحضورها والدفاع عن وجودها، وبالتالي لا يمكن أن نقول إن أعطاب السينما المغربية، إن وجدت، يتحمل وزرها المخرجون، كما أن اعتبارها سينما «معطوبة» اتهام فيه الكثير من التجني المؤسس على فهم سقيم، ومعرفة قاصرة بتاريخ وواقع السينما المغربية.
○ راكمت تجربة مهمة في مجال الفن السابع من خلال أفلام متوجة على الصعيد الوطني والدولي، فهل نستطيع القول ان الرؤية اكتملت لديك والهدف تحقق؟
• من الصعب القول أن هدفي من الاشتغال في مجال السينما قد تحقق، لأن المشروع الذي يشتغل عليه أي مخرج لا يمكنه أن يتحقق حتى لو أنجز مئة فيلم، لأن الطموح الإبداعي في روح كل فنان يظل حيا حتى آخر رمق في حياته، وبالتالي، من داخل هذه القناعة، أحس أنني لم أبدأ أصلا لكي أصل لخط النهاية، أو القول أنني حققت ما أصبو إليه. أنا في بحث دائم محموم عن السبيل الأنجع لصنع فيلم لا يشبه أي فيلم، فيلم ينتصر للاختلاف، يحمل بذرة الثبات والبقاء. فيلم مغربي يعكس فعلا ثقافتنا وأصالتنا وتطلعاتنا نحو المستقبل. فيلم يضمن معاني الخلود وسط هذا الكم الكبير من الأفلام الذي يتحقق سنويا عبر العالم.
أما من ناحية الرؤية، فهي مكتملة أصلا، حتى قبل أن أصنع أول فيلم في مساري، لأن الرؤية هي خلاصة لمعرفة الإنسان وقناعاته المؤسسة على ثقافة صلبة، وإيمان معرفي خلاق بضرورة المغامرة في مجال من المجالات، من أجل تحقيق ما قد يعتبره البعض شيئا مستحيلا. ورؤيتي للفن تتلخص في الحفر والبحث لأصنع أفلاما تلخص معاني الوجود، وتعكس من موقع إبداعي ما لا يرى بالعين المجردة، وتجذير مفاهيم الحب القائم على التسامح واحترام الآخر، من خلال دفع هذا الآخر معرفة ثقافتي واحترامها والاستفادة منها.
○ بالعودة إلى «اتحاد المخرجين والمؤلفين المغاربة» هل تعملون من خلال تجديد المكتب على تحقيق قفزة نوعية في السينما أم هي مجرد خطوة لتحصين المهنة وترسيخ المكتسبات؟
• بعيدا عن المزايدات والكلام العائم، الاتحاد إطار ثقافي سينمائي يحاول من موقعه الخاص، بكل بساطة وتواضع، تحصين الذات المغربية المبدعة، من خلال الدفاع عن المهن السينمائية عامة، والمهن التي تهمنا كاتحاد، أي الإخراج وكتابة السيناريو والتأليف الموسيقي المرتبط بالأفلام، لأننا نعتبر هذه المهن محطات إبداعية مختلفة وجد مهمة وسط منظومة صناعة الفيلم السينمائي خاصة، والإنتاج الثقافي للبلد عامة، وبالتالي، المساهمة في تحقيق قفزة نوعية في مسار السينما المغربية، طبعا، بتعاون وتآزر مع الغرف المهنية، والإطارات الجمعوية، والمنظمات النقابية الوطنية التي تشترك معنا في هم تطوير سينمانا، وجعلها سينما رائدة في القارة الافريقية والعالم العربي.
○ كيف كانت يوميات السينما المغربية مع تداعيات كوفيد والإغلاق؟
• السينما ككل القطاعات الحيوية في وطننا عانت من جائحة كوفيد، بسبب تعثر وتوقف الإنتاج الوطني، وتراجع الإنتاجات الأجنبية التي تحتضنها الفضاءات المغربية، وإغلاق القاعات، ومنع تنظيم المهرجانات والملتقيات السينمائية، وبالتالي وجد جل المهنيين المشتغلين بالسينما أنفسهم في عطالة حقيقية، ما كان له تأثيرا واضحا على واقعهم الاجتماعي وحياتهم الأسرية، وقبل ذلك تقلص، بشكل واضح عدد الأفلام المغربية المنتجة خلال موسمي 2020 و2021 وحتى الأفلام التي كانت جاهزة للعرض باعتبارها أنتجت قبل حلول الجائحة، وجدت نفسها محاصرة ومحرومة من التوزيع، بمعنى أن القطاع السينمائي بالمغرب كاد أن يلفظ أنفاسه، ولم ينقذه من السكتة القلبية سوى نضالية بعض السينمائيين وصمودهم في وجه الإعصار، نضال ناتج عن ايمان المخرج المغربي بدوره في ضرورة زرع بذور الأمل وعدم رفع اليدين والمقاومة إلى ما لا نهاية. وبالتالي، من هذا الموقع، لا يسعنا، كمكتب لاتحاد المخرجين والمؤلفين، إلا أن نحيي صمود الجسد السينمائي المغربي زمن الجائحة، والمطالبة بمنح مزيد من مساحات الدعم والتشجيع لكل مبدع سينمائي يحمل مشروعا سينمائيا ولم يتمكن من صنعه بسبب تداعيات الفيروس اللعين، خاصة منها المشاريع التي كان يحلم بتحقيقها الشباب من الطاقات الواعدة.
○ كل أصوات المشتغلين في الفن صدحت خلال الفترة الأخيرة مطالبة بإعادة الروح إلى المشهد الفني بالمغرب، اين موقع المخرج المغربي من كل هذا الجدل والنقاش وتلك المطالب؟
• خلال الجائحة، من موقعه كفنان، كان المخرج المغربي في الواجهة، يحاول أن يعيد الاعتبار لسينمانا الوطنية، وذلك بالمشاركة في تظاهرات وفعاليات عن بعد، ومنح أفلامهم دون مقابل لكي تعرض عن بعد، حتى يتسنى للساحة الثقافية المغربية أن تستمر، وأن يظل مشعل السينما المغربية منيرا.
بالفعل، لقد ظل الأمل منتصبا بفضل المخرجين وجهودهم التي لم تسمح لليأس أن يتسرب للنفوس، بل منهم من ساهم في مؤازرة بعض التقنيين الذين ضيقت الجائحة على معيشتهم ومعاشهم، من خلال الدعم المالي والمواساة، وبث روح الأمل في المستقبل.
○ بصراحة اين تسير السينما المغربية، هل في طريق التألق أم في درب عادي يواكب اليوميات فقط؟
• سينمانا المغربية، ومنذ سنوات، أضحت تفرض نفسها في الساحة السينمائية العالمية، من خلال كم الإنتاج الذي يبدو جد محترم بالنسبة لبلد لا يتوفر على صناعة سينمائية، والأكثر من ذلك سينما تشارك في مهرجانات عالمية وازنة وتنتزع الإعجاب والاعتراف والتقدير، يكفي أن أذكر في هذا الباب مشاركة الفيلم المغربي «علي صوتك» للمخرج نبيل عيوش ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان خلال الدورة الأخيرة، دورة 2021 وقبل ذلك فوز الفنانة المغربية خنساء باطما بجائزة أحسن ممثلة بمهرجان البندقية السينمائي عن دورها في الفيلم المغربي «زنقة كونطاكت» للمخرج إسماعيل العراقي. بمعنى أنها سينما في طريق التألق، شريطة الحفاظ على توازنها ومكتسباتها المحققة لحد الساعة والعمل على انتزاع المزيد من المكاسب، والعمل على توسيع دوائر اشعاعها قاريا وعالميا، من خلال تضافر الجهود بين كل الأطراف الفاعلة، أساسا منها الجهات الرسمية الوصية، بمنحها مساحات ضوء أكثر توهجا في مجالي الإنتاج والتوزيع.
○ أنت واحد من المخرجين المغاربة الذين بصموا على تجربة مميزة، كيف كان الطريق من هناك إلى هنا؟
• طريقي لم يكن مفروشا بالورود، لأني كافحت وناضلت على مدى أكثر من أربعين سنة ثقافيا وفنيا، وواجهت الكثير من الحواجز والمطبات، لكن ايماني بدور الفن وعشقي للكلمة والصورة ساهما في بقائي ومواصلة مساري.
لقد بدأت من البداية، أي بشكل طبيعي منذ سنوات الطفولة، ومتابعة عروض نادي الشاشة السينمائي بمدينة فاس، إلى جانب القراءة، وحضور اللقاءات والندوات والورشات، الشيء الذي جعلني أكتسب معرفة وخبرة توجت بممارستي الكتابة النقدية، حيث نشرت عشرات المقالات منذ سنوات التسعينات، في مجموعة كبيرة من الجرائد والمجلات المغربية والعربية، هذا قبل المرور للتلفزيون والمساهمة في إعداد وإخراج برامج تلفزية تعنى بالثقافة السينمائية، ليتوج كل هذا بالإخراج السينمائي، حيث كان لي حظ تحقيق مجموعة أفلام روائية قصيرة ووثائقية وأخرى روائية طويلة، جلها حصلت على الاعتراف والتنويه في المهرجانات الوطنية والدولية، ويكفيني فخرا في هذا الإطار أن أشير إلى أن فيلمي الروائي القصير «ماء ودم» حصل سنة 2015 على الجائزة الكبرى بمهرجان واغادوغو السينمائي، وقد كان أول فيلم مغربي قصير يحصل على هذه الجائزة في أكبر محفل سينمائي عالمي للسينما الأفريقية، كما ان فيلمي الوثائقي «رجاء بنت الملاح» يعتبر الفيلم الأكثر تتويجا في تاريخ السينما المغربية من بين الأشرطة المغربية الوثائقية الطويلة، وأخيرا فيلمي الروائي الطويل الأول «ولولة الروح» كتب حوله العشرات من المقالات، وحصل على جوائز مهمة، أذكر منها: جائزة السيناريو وجائزة أحسن ممثلة بمهرجان الإسكندرية السينمائي وغيرهما في محافل مغربية وعربية. يعني أن مساري يسير بإيقاع مضبوط، ورؤية فنية تروم صنع سينما مغربية أصيلة مختلفة، تشرفني وتشرف قبل ذلك بلدي المغرب.
○ هل من جديد على الصعيد الإبداعي الشخصي؟
•الجديد ضمن مساري السينمائي، خاصة بعد جائحة كوفيد، يتمثل في أنني أنهيت مؤخرا تصوير فيلم روائي طويل بعنوان «العبد» صورته في المغرب الشرقي، بين مدينتي فكيك ووجدة، وهو الآن في مرحلة ما بعد الإنتاج. كما أنني أستعد لإصدار كتاب نقدي سينمائي جديد تحت عنوان «الفضاء في السينما، من خلال نماذج فيلمية مغربية» وهو في الأصل رسالة دكتوراه كنت قد ناقشتها قبل أشهر قليلة بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية ابن طفيل في مدينة القنيطرة. إلى جانب كل هذا، أشرف على إعداد وإخراج برنامج «شاشات» وهو مجلة سينمائية تنتجها الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، ويعرض أسبوعيا على القناة الأولى.