المخرج المصري أمير رمسيس: الإسلاميون لم ينجحوا في السيطرة على الجانب الثقافي ولن نسمح بأي قمع للفكر

حجم الخط
0

بخطوات ثابتة ومدروسة يسير نحو نحت اسمه بين نجوم وعمالقة الإخراج في المحروسة.. شاب يحمل زادا ثقافيا ومعرفيا محترما بل ومشروعا هادفا ولعل عمله الأخير ‘عن يهود مصر’ دليل صارخ على سعيه الحثيث لبلورة كل هذا الطموح الجدي والمشروع على ارض الواقع ..عن الضجة الغير مسبوقة لهذا العمل الفني وكذا الضغوط والمضايقات التي يتعرض لها وانتصاره الأخير على أعداء الفن والنجاح ورأيه الشخصي حول الفرق بين ‘اليهود’ و’الصهاينة’ ونظرتنا لهم وتفاصيل أخرى حصرية في هذا الحوار المثير مع المخرج المصري المتألق أمير رمسيس:

– بداية نبارك لك صدور القرار القاضي بحصول عملك الأخير ‘عن يهود مصر ‘ على تصريح بالعرض بعد منعه مؤخرا من لدن الأمن الوطني ،كيف تغير الموقف فجأة ؟ ولماذا برأيك ؟
أشكرك على المباركة و اعتقد أن التغير حدث بشكل أساسي بسبب الضغط الإعلامي و القانوني الذي حدث و حملة المساندة الضخمة التي حدثت لقضية الفيلم محلياً و عالمياً ..كنا نسير في اجرائات رفع قضية على وزارة الثقافة لتجاوزها القانون بالتنسيق مع أجهزة الأمن و للمرة الأولى في التاريخ كانت نقابة السينمائيين المصريين في موقف بطولي من النقيب مسعد فودة ستدخل طرفاً معنا في القضية و كان محامي النقابة احد أركان الدفاع الأساسية معنا .. اعتقد أنهم لم يتوقعوا أن يثير الأمر تلك الأزمة و أننا سنستلم مقتنعين أن لا أمل لنا .. و لكن السحر انقلب على الساحر بعض الفضائح التي حدثت لهم.
هل خدمتك الضجة المثارة حول الفيلم مؤخرا بشكل آو بآخر من حيث تسويقه وكذا ضمان حصوله على نسبة متابعة ومشاهدة عالية ؟ وبعيدا عن عملك هذا هل يكون المبدع عادة هو المستفيد من هذه التعقيدات التي تصاحب أعماله ؟
لا اعتقد أنني أفضل هذا النوع من الدعاية فالناس هنا تتحدث عن قضية منع الفيلم لا عن القضية التي يطرحها الفيلم .. اعتقد آن هذا النوع من الدعاية ينتقص من قيمة الأعمال الفنية .. بل و اعتقد أن هناك أضرار للفيلم لأن حتى اليوم لازال هناك جمهور يرسل إلينا بتساؤلات إن كان الفيلم خرج للنور آم لا اعتقد أنني افصل الدعاية الشرعية المركزة على محتوى الفيلم لا على كواليس ما يحيط به.
– فيلمك التسجيلي هذا أشاد به الكثيرون كما انتقده البعض نظرا لحساسية موضوعه ، هل لمست وجود تمييز بين اليهودي والصهيوني حاليا ؟ آم آن هذا اللبس لا يزال قائما ؟
بلا شك اللبس لازال قائما عندنا في الدول العربية بشكل واسع لمسته بنفسي و كان سبباً في صناعة الفيلم .. و لكنني اعترف أيضا آن الكثيرون أذهلوني في وعيهم بهذا اللبس و بمناصرتهم للتمييز بين المفهومين و هو ما اتضح لي في حملات مساندة الفيلم ضد طغيان الدولة البوليسية التي تعاني هي شخصياً من هذا اللبس .. اعتقد فعلياً آن من منعوا الفيلم في لحظة ( آو من حاولوا و لم ينجحوا بمعنى اصح ) هم أجدر الناس بمشاهدته لتعلم رسالته التي يبدو أنهم بحاجة إليها و لكن يبدو أن بعض الجهات ترى مصلحة في آن يظل العالم ينظر لنا كشعب عنصري لا يفرق بين ديانة تجمع ناس من مختلف بقاع الأرض و دولة نكن لها عداء سياسي .

– بالعودة إلى قرار المنع، لماذا تأخر حتى مع حصولك على تصريح من الرقابة مرتين؟ من برأيك له المصلحة في التضييق على الفكر والإبداع في المحروسة مصر؟ وهل بات المبدع حقا يعيش كابوسا فعليا مع استحواذ الإسلاميين على الحكم؟
لا اعتقد آن الإسلاميين قد نجحوا بعد في السيطرة التامة على الجانب الثقافي .. هناك عناصر عديدة تمنع هذا في إطار حركة ثقافية متماسكة .. هناك بوادر و مناوشات من تحت الستار و لكننا لها بالمرصاد و لن نسمح بأي قمع للفكر .. آما عن التأخر فهو راجع لتنسيق يحدث بين وزارة الثقافة و الأجهزة الأمنية نعرف كلنا انه غير قانوني بعد عدة أحكام في المحكمة الإدارية بمجلس الدولة تمنع ذلك .. و لكن يبدو آن بعض رجال الوزارة يرون في التنسيق الاختياري حفظ لصورة جيدة لهم في النظام مما يضمن استمرارية كراسيهم .. فلو رفضوا هذا التدخل الغير قانوني سينظر لهم على أنهم مثيرين للشغب ولن يرغب احد في جعلهم يستمرون على كراسيهم.. انه شبق الكراسي في مواجهة الانتصار للقانون.

– يبقى السؤال المطروح أين وزارة الثقافة والرقابة في حالة عملك هذا؟ وهل للآمن الوطني سطوة تفوق هاتين المؤسستين ؟
الرقابة انتصرت في نهاية الأمر لاستقلاليتها و منحتني الترخيص و هي خطوة شجاعة اعتقد أن رئيس الرقابة السيد عبد الستار فتحي سيدفع ثمنها و انه سيتم الانتقام منه لهذا التصرف و هو بالمناسبة كان مناصراً لنا على طول الخط و رافضاً لمبدأ التدخل و لكنها ضغوط وزارة الثقافة و لابد أن نعرف أن هناك موظفا بوزارة الثقافة يعمل على التنسيق بين الوزارة و الجهات الأمنية و هي فضيحة كاملة و هذا الشخص هو الذي تحمل مراسلات الآمن مع الرقابة اسمه في ملف الفيلم .. إذن فالوزارة ترغب في التنسيق حتى و إن كانت ليست مضطرة له قانوناً .. و الآمن الوطني كوالده الروحي امن الدولة يستقطع لنفسه سلطات ليست له قانوناً من خلال الضغوط و التجاوزات التي يحولها لقانون خاص غير مكتوب مبنى على تعاون الجهات الأخرى معه و غياب الرقابة الفعلية على أعماله فيستبيح لنفسه أي تجاوز ..

– ألا تشعر بالانزعاج لان فيلمك الأخير بات طاغيا بشكل كبير على مسيرتك وحتى أعمالك السابقة وبات أمير رمسيس مقترنا بعمل فني واحد ؟ كيف ستخرج من جلباب ‘عن يهود مصر ‘ ؟
لا اشعر بالانزعاج و اعتقد أن كل عمل من أعمالي نال ما له و ما عليه و كل نال ضجته الإعلامية في مجاله و لعل نجاح ورقة شفرة فيلمي الروائي السابق في وقته جماهيريا و الحالة التي أحاطت به كان من الممكن أن تكون لها نفس التأثير حين حاول السوق فرض علي أن اصنع المزيد من الأفلام الكوميدية بعد نجاحي فيها .. و لكن اعتقد أن كل عمل أقوم به ينتمي بلا شك لمشروعي وإن نال بعضهم اهتمام إعلامي عن الآخر فهذا لن يحدني آو يربطني بهذا النوع .. و اعتقد أن في فيلمي الروائي القادم الذي اكتبه خروج تام عن فيلم ”عن يهود مصر ‘ كموضوع آو كأسلوب .
-تعمدت استقلالية في إنتاج الفيلم خوفا من التأثير على مجرياته ،هل نجحت في هذا الموضوع؟ الم يراودك شعور بالخوف من ردة فعل الجمهور قبل طرح عمل من هذا القبيل؟
نجحت في تمويل الفيلم ذاتيا مع المنتج الصديق هيثم الخميسي و لم نكن لننجح لولا مساندة من عدد كبير ممن ساندوا الفيلم : المنتجة الزميلة دينا أبو زيد التي منحتنا أرشيف الفيديو الخاص بها كمساندة للفيلم و الباحث عصام فوزي الذي فعل نفس الشيء في المادة الصحفية الخاصة بالمرحلة و فريق كامل من مساعدين المخرج و المصورين و مهندسين الصوت وأخيرا و ليس آخرا الرائعة الفنانة إسعاد يونس التي تحمست لتوزيع الفيلم .. لم يكن الفيلم ليرى النور لولاهم جميعاً .. و اعتقد أن الخوف من ردة فعل الجمهور كان طبيعي و لكننا لم نكن لنستسلم لهذا الخوف .. بل آن قهره هو جزء من رسالة الفيلم.
-هل صحيح انك تلقيت عروضا من منتجين إسرائيليين لعرض الفيلم هناك؟ وما هو ردك على هذا الموضوع؟
اعتقد حتى لا يزايد على موقفي في هذا الموضوع آن الفيلم سيتم رؤيته في إسرائيل شئنا آم أبينا .. فخلال شهور بعد عرضه تليفزيونياً و على الانترنت سيكون لأي شخص في العالم حق رؤيته بل وأنا اعتقد آن مهم آن يرى هذا العمل في إسرائيل لان هناك رسالة ما لمن يعيشون في هذا البلد أيضا .. و لكني لا أفضل آن افعل هذا باختياري الخاص.. لا املك منعهم عن مشاهدته ولكني لن أقدمه لهم بنفسي تحديداً في إطار القمع المتواصل لحقوق الفلسطينيين و السياسات الحالية نحو تلك الحقوق ..المسألة لها علاقة بالرضا الشخصي عن الذات و هي مهمة بالنسبة لي.
-طرحت معلومات هامة عن شخصيات غائبة آو مغيبة ‘ كهنري كوريل’ و’شيكوريل’ وأسماء أخرى مؤثرة في التاريخ ولا تزال مجهولة ،هل واجهتك صعوبات في إقناع المقربين منها في الحديث إليك وإعادة سرد هذه الأحداث المهمة ؟
بالتأكيد لم يكن سهلا سواء في البحث أو في الإقناع ولكن إيمانهم بقضية الفيلم جعل عملية الإقناع تحدث في النهاية .. ربما أيضا كنت محظوظاً.. لا ادري و لكن قلوب من تحدثوا معي انفتحت بسهولة و اجترت الحنين لمصر و للتاريخ .. ربما كانوا بحاجة للحديث عن هذا الماضي بقدر ما كنت أنا بحاجة إليهم لعمل الفيلم .
-هل يفكر المخرج أمير رمسيس في مواصلة هذه المغامرة بأعمال أخرى في نفس السياق؟
ربما .. لا ادعي أنني من نوع المخرجين أصحاب المشاريع طويلة المدى .. أفكر دائما من فيلم للأخر .. فيلمي القادم خارج عن هذا السياق .. و لكن المستقبل لا اعلمه .. اعرف فقط أنني لازلت مسانداً لمن تحدثت عنهم في الفيلم و قد ارغب في مواصلة الحديث عنهم مستقبلا .
-كسؤال أخير ما هي رسالتك للمبدعين المصريين المتوجسين مما يجري على الساحة حاليا من ملاحقات قضائية وقرارات جائرة ومقيدة لهم ولأعمالهم ؟
رسالتي هي انه ما من سلطة قمعية تمتلك منع صوت في يومنا هذا ،وضعوا ‘ جعفر باناهي ‘ قيد الإقامة الجبرية في منزله تحت الحكم الديكتاتوري الإيراني وأفلامه تجوب العالم كالعصفور متحدثه عنه وصارخة بما يشعر به ،الفكر يتجاوز القيود آو كما قال يوما أستاذي يوسف شاهين: الأفكار لها أجنحة ولا احد يستطيع منعها من الوصول إلى الإنسان.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية