الرباط ـ «القدس العربي»: بين السينما والتلفزيون وإدارة الإنتاج في القناة الأولى المغربية خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2002، توزعت بصمات المخرج المغربي إدريس المريني، الذي راكم سنوات من العطاء عبر أفلام وأعمال درامية ما زالت حاضرة في ذاكرة المشاهد المغربي إلى اليوم.
ويبقى شريطه الخالد «بامو» من الأعمال السينمائية الكبيرة التي ساهم بها المخرج المريني في مسار الفن السابع المغربي، كما أرخت لمرحلة مهمة من تاريخ المغرب تتعلق بفترة الإستعمار، حيث يحكي الشريط الذي أنتج سنة 1983، عن قصة رومانسية يرويها «بامو» بطل العمل، حول الإخلاص والحب الكبير بين زوجين، ووقوفهما في وجه العوائق والحواجز التي تقف أمام علاقتهما.
منذ تلك الفترة، تمكن إدريس المريني من أن يكون أحد أقطاب الإخراج السينمائي في المغرب، إضافة إلى بصمته في التلفزيون من خلال أعمال انتجها بعد عودته من ألمانيا حيث كان يدرس.
في هذا الحوار يتحدث لـ»القدس العربي» عن تطور السينما المغربية وعن المزاوجة بين الإخراج للسينما والتلفزيون والإشراف على إدارة الإنتاج أيضا.
□من فيلم بامو في الثمانينات الى اليوم، ما الذي تغير في السينما المغربية، على صعيد العطاء الشخصي كمخرج، وعلى صعيد المشهد الفني المغربي بشكل عام؟
■ بالنسبة للمشهد السينمائي، وقع تطور ملحوظ في الكم والكيف، فقد بدأ المغرب ينتج أكثر من عشرين فيلما طويلا في السنين الأخيرة. وعلى مستوى الكيف هناك كثير من الأفلام التي حصدت جوائز خارج المغرب، آخرها فيلم نبيل عيوش الذي وصل إلى مهرجان كان السينمائي، ناهيك عن بعض الأفلام، خصوصا الكوميدية التي جعلت الجمهور يتصالح مع السينما.
□ زاوجت في تجربتك التي تمتد لعقود بين الإخراج السينمائي والتلفزيوني وبين إشرافك على إدارة الإنتاج في التلفزة المغربية، أين تجد نفسك أكثر؟
■ كانت تجربة إنتاج وإخراج شريط «بامو» سنة 1983، مغامرة ناجحة رغم كل الصعوبات التي عانيتها نظرا لصغر سني وقلة تجربتي في الميدان، حيث أني كنت موظفا في التلفزة المغربية كمخرج ومنتج لبرامج ثقافية وفنية، إلا أنه ربما وكما قال لي مسؤول آنذاك، إنني سابق لوقتي بالنسبة للبرامج التي كنت أخرجها، الشيء الذي جعلني أقتحم مجال السينما. لكن من سوء حظي، لم تكن هذه المغامرة إيجابية من الناحية المادية؛ مما جعلني أبتعد عن السينما وأمارس عملي كمخرج ومنتج في التلفزة المغربية.
بعد ذلك وبإصرار من المدير العام للتلفزة، عينت مديرا لقناة «المغربية» وبصراحة كانت تجربة متميزة فقد كنت سببا في مساعدة عدد كبير من المنتجين والمخرجين في إخراج برامج جديدة ومتعددة، فكان وقتي كله مخصصا للإدارة مع إنتاج وإخراج بعض البرامج .
أما عودتي للسينما فجاءت بع ثلاثين سنة من التجربة الأولى، وذلك بشريط «العربي» الذي يحتفي بالبطل الكروي العالمي الحاج العربي بنمبارك، ويمكن أن أقول إن العمل الإبداعي هو مجالي المحبب رغم مسؤولياتي الإدارية.
□ أيهما أقرب الى قلبك أن تخرج فيلما سينمائيا أم عملا دراميا للتلفزيون؟
■ في كل الحالات لم يعد هناك فرق بين السينما والتلفزيون، ورغم ذلك أحبذ إخراج فيلم سينمائي على أن أخرج مسلسلا تلفزيونيا رغم الفرق بين هذا وذاك.
□ يعاب على الإنتاج السينمائي المغربي أنه لا يستطيع فرص نفسه في محيطه العربي ويظل حبيس مخاطبة الجمهور المغربي فقط، والشيء نفسه يقال عن المسلسلات والأفلام التلفزيونية ما هو ردك على ذلك؟
■ بالنسبة للتلفزيون هي مسألة قرار من المسؤولين، هل يريدون إرضاء الجمهور المغربي فقط أم يريدون نشر المنتوج في المحيط العربي. فإرضاء الجمهور المغربي لا يتطلب الميزانية التي ينتج بها المسلسل الموجه للخارج؛ ثانيا محدودية المواضيع والرقابة. فمثلا حلقة واحدة من مسلسل عالمي قد تصل لمجموع تكلفة مسلسل مغربي من ثلاثين حلقة، خصوصا إذا كان الموضوع تاريخيا، أما اللغة فليست عائقا كما يدّعى، لأن التقنيات الحديثة بسطت الأمور، ناهيك عن أن اللغة العربية يفهمها الكل في جل أقطار الدول العربية.
أما بالنسبة للسينما فهناك بعض المحاولات، رغم قلتها، والشيء الذي أريد أن أوضحه هو أن مسألة التوزيع والبيع هي مسألة علاقات بالدرجة الأولى طبعا. أنا أتحدث عن الأفلام الجيدة. لا بد من مجهود تواصلي رغم الضغوطات التي تفرضها هذه الدول المنتجة لتسويق منتجها أولا.
□ بصراحة، ما الذي تحتاج إليه السينما المغربية لتتجاوز التجريب الى انتاج اعمال بأفكار ورؤى واضحة، وهل من الممكن ان تصبح السينما المغربية ذات صيت عالمي؟
■ لا أظن أن الســـينما المـــغربية لا تنتج أعــمالا بأفكار ورؤى واضـــحة، بالعكس هناك أفلام جريئة بمواضيع قوية عالمية في بعض الأحيان رغم قلة الإمكانيات، وعنـــدما أقول قلة الإمكانيات فإنني أعني المنتج المغربي فهو ضعيف جدا من ناحية المداخيل وبالتالي قليل من يـــغامر بإنــتاج فيلم بميزانية ضخمة دون أي ضمانات للمدخول المحلي أولا، عكس ما نجده مثلا في غالبية الدول ، فكيفما كان الفيلم متواضعا مثلا في أمريكا أو الـــهند أو مصر، فإنه يحظى بجمهور يؤمن له ما صرف عليه، فعدد القاعات يفوق ثلاثمائة قاعة وعدد السكان يفوق 100 ألف. لذلك فالأمر واضح.
□ خلال هذه السنوات التي مرت من تجربتك، هل تقف اليوم عند انجازاتك وتشعر بالرضى عن ما قدمته؟
■ طبعا، أنا راض عن ما أنجزته، لا بالنسبة للتلفزة ولا بالنسبة للسينما. وأظن أنني لا يمكنني أن أنجز أكثر وأحسن مما أنجزته خلال مدة أربعين سنة، لأن المسألة ليست بالسهلة خصوصا بالنسبة للسينما.
□ ماذا عن المقبل وعن المستقبل، هل من اشارات عن ولادة عمل أو أعمال جديدة على يديك؟
■ طالما أنا على قيد الحياة فلن أستسلم لا لعامل السن ولا للصعوبات التي أواجهها.
أما عملي الجديد فهو فيلم مطول فلسفي عنوانه «جبل موسى» سيرى النور بداية السنة المقبلة.