المخلوع من موقع «الرئيس الوالد»: 30عاماً من الانجازات!

حجم الخط
16

لا أعرف ملابسات حصول فضائية «صدى البلد»، على حق البث الحصري لمحاكمة المخلوع وأركان حكمه؟!
ولا أعرف ما إذا كان هذا الحق حصلت عليه المحطة المذكورة، عبر مزاد أو مناقصة، أم أن العطاء رسى عليها بـ «الأمر المباشر»؟!
ولا أعرف ما إذا كان المقابل المالي للحصول على حق البث الحصري، لمحاكمة مبارك ووزير داخليته ومساعديه، يتم توريده للدائرة التي تتولى محاكمتهم، أم لوزارة العدل؟ ليطرح هذا قضية جديدة عن سلطان الوزارة، وهي تنتمي للسلطة التنفيذية، على سير الأمور في السلطة القضائية!
عدم المعرفة مرده إلى عدم المتابعة، فأنا كأم العروسة مشغولة مع أنها لا تفعل شيئاً، وتصريف أحوال الفرح يتولاه غيرها.
وما يعنيني هنا، هو التأكيد على أنه لأول مرة منذ بدء الخليقة التلفزيونية الذي تحصل فيه فضائية على حق البث الحصري لمحاكمة، وهذا البث الحصري معروف في مجال نقل المباريات، وفي إذاعة الأعمال الدرامية.
وقد كان البث الحصري للمحاكمة مناسبة لا أعرف أن «رشا مجدي» مذيعة التلفزيوني المصري وجدت لها ملاذاً آمناً في «صدى البلد»، المملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العينين، أحد أبرز رجال الأعمال الذين كان يقربهم مبارك منه، وهو القيادي بالحزب الوطني «المنحل»، ونائب البرلمان لأكثر من دورة عن هذا الحزب، وأحد من سبق اتهامهم بالضلوع في موقعة الجمل، ومحاولة قتل الثوار، وقد حصل على البراءة، مثل كل المتهمين تصحبه السلامة.
«رشا مجدي» هي من تقوم بالتقديم للمحاكمة، وتتلقى الاتصالات الهاتفية تعليقاً، وهي في مجملها مداخلات تشيد بالمتهمين وبعصرهم وزمانهم، وإذا تم تطبيق القانون، فسوف تتهم القناة والمذيعة بالتأثير علي القضاة، وهو أمر منهى عنه قانوناً، لكن القانون في بلدي في إجازة.
المذيعة المذكورة منحازة لعهد ما قبل ثورة يناير، وهذا مفهوم، وهي التي قامت يوم أحداث ماسبيرو الشهيرة، وعلى الهواء مباشرة بتحريض المسلمين لمواجهة الغزو المسيحي لمبنى ماسبيرو؛ وذلك في المظاهرات التي قال المسيحيون إن مصفحات الجيش دهست فيها المتظاهرين. وقال بيان من الجيش إن أفراده تعرضوا للاعتداء من قبل المتظاهرين الذين قام نفر منهم بالاستيلاء على مدرعات الجيش، ولأنهم يفتقدون الخبرة في التعامل معها فقد دهسوا هم زملاءهم.. وكانت فتنة.
لقد هرول وزير الإعلام حينئذ أسامة هيكل إلى المقر البابوي معتذراً للبابا عن رعونة التلفزيون في التغطية، وعن التحريض، وتم التعامل مع المذيعة، ككبش فداء، مع أنها كانت تنفذ التعليمات، فليست صاحبة قرار لتقرع طبول الحرب على الهواء مباشرة، وتطلب من المسلمين أن ينفروا خفافاً وأن ينفروا جميعاً لمواجهة الغزو الصليبي لمبنى ماسبيرو، وهو كما تعلمون قلعة من قلاع الإسلام!

لم تكن مذبحة

مهما يكن الأمر فقد تجاوز الإخوة المسيحيون هذه الأحداث الآن، ولو ظهرت «رشا مجدي» على شاشة التلفزيون المصري ما استدعى هذا غضبهم، فقد نسوا كل ما حدث بعد الانقلاب، وسامحوا في الدماء التي أريقت. وكانوا قد وجهوا بأصابع الاتهام إلى شخص بعينه كان عضواً بالمجلس العسكري قالوا إنه هو من قام بهذه «المذبحة»، وقد صار الآن حليفهم الجديد، فهو الذي أنهى مشكوراً حكم الإخوان. وربما يؤمن النشطاء منهم ما كنت أقوله أنا منذ البداية بأن ما جرى لم يكن مذبحة، وهذا التجاوز كاشف عن صدق نظرتي لهذه الأحداث، فلو كانت مذبحة لما تم تجاوزها فالدم لا يمكن أن يتحول إلى ماء، ولا يعقل أن يتحالفوا مع من ارتكب مذبحة ضدهم لمجرد أنه اسقط حكم الإخوان الذي لم يذبحهم ولم يطاردهم، ولم يحرض وزير إعلامهم زميلنا صلاح عبد المقصود، مذيعة لتنادي بالجهاد يا قوم.
النقل الآمن الذي جرى لـ «رشا مجدي» من التلفزيون المصري لـ «صدى البلد»، يدخل في إطار القاعدة الجديدة التي تقول إن كل الفضائيات الخاصة والعامة تدار الآن من قبل جهة واحدة. فإذا كُلف إعلامي بمهمة جلبت له الأذى، تم ندبه لفضائية أخرى. فالمذيعة التي تطاولت على السفير الأثيوبي، صارت جليسة عماد أديب، والمذيعة التي تجاوزت حدود اللياقة والأدب مع المغرب حكومة وشعباً، خرجت من فضائية خاصة لأخرى خاصة أيضاً. وأتمنى ألا يأتي اليوم الذي تغضب فيه دولة على جليسة توفيق عكاشة، فنشاهدها في قناة «العربية».. حيث أن فضائيات الدول الراعية للانقلاب العسكري في مصر تدخل ضمن منظومة المحطات التلفزيونية المصرية في ما يختص بالشأن المصري. وقد أخذت الفضائية الأخيرة نصيبها من قسمة الغرماء، بعد أزمة قناة «الجزيرة» في القاهرة بعد الانقلاب، ويقولون إن ضحى الزهيري صارت مذيعة هناك.. سبحانه وتعالى يرزق من لا حيلة له حتى يتعجب من ذلك أصحاب الحيل.

الجهر بالمعصية

لم يكن للفضائية المذكورة أن تفعل هذا قبل وقوع الثورة المضادة في 3 يوليو/تموز 2013، فقبل هذا التاريخ كانت «صدى البلد» تتقرب للثورة بالنوافل، الآن تتجاوز فكرة نقل المحاكمة، التي تحولت إلى فضاء لمحاكمة الثورة، ورد الاعتبار لنظام مبارك على الهواء مباشرة، وإنما تقوم بالدعاية الايجابية للمتهمين بما يمثل تأثيراً على المحكمة، وقد وصل الحال إلى أنها أذاعت فيلماً عقب «الخطاب الرئاسي» لمبارك الذي ألقاه أمام المحكمة، وهذا الفيلم دعاية لمبارك كما لو كنا على أعتاب انتخابات رئاسية وان المخلوع هو المرشح المحتمل.
تأخر وصول المخلوع للمحكمة، في اليوم المقرر له لإلقاء بيانه للأمة، وقال محاميه فريد الديب إن شبورة مائية حالت دون وصول طائرته في الموعد المحدد. وفي أحوال المحاكمات فان الاعتذار تقدمه الجهة المكلفة بنقل المتهم للمحكمة سواء كان الجيش أو وزارة الداخلية، فقرار المتهم ليس بيده، وعندما لم تصل طائرة الرئيس محمد مرسي من سجنه في برج العرب، لمقر محاكمته، فإن القاضي هو من أعلن أسباب عدم الحضور بعد أن اخبره بها المسؤولون عن إحضاره، وقالوا إن سوء الأحوال الجوية هو السبب قبل أن نعلم من أهالي الإسكندرية، حيث يقع سجن ومطار برج العرب، أن الجو صحو تماماً.
لا بأس، فالتي أقلعت هي الطائرة الرئاسية تحمل «الرئيس الوالد»، فكان طبيعياً أن يعتذر عن عدم وصول فريد الديب!
لا أعرف ما إذا كان الحساب باليوم أم بالساعة، فما استقر في وجداني أنه لا يمكن أبداً أن تكون «صدي البلد» في النقل الحصري لوقائع المحاكمة قد تعاقدت على المحاكمة كوحدة واحدة بدون تفاصيل عن عدد ساعات البث، وعدد الجلسات.

مؤامرة خارجية

فبمنطق « ملء الهواء»، وفي انتظار وصول المخلوع الذي تأخر عن الموعد المحدد بحوالي أربع ساعات، تم السماح مرة أخرى لحبيب العادلي، وزير داخلية مبارك بالمرافعة، فأعاد الاتهام لثورة يناير بأنها مؤامرة خارجية، ضد الدولة المصرية.. أمريكية بالأساس، باعتبار أن زعيمه مبارك ينتمي لدول الممانعة، وكما لو كان هو صلاح الدين الأيوبي لتعمل له واشنطن حساباً، فهو عميلها المفدى، وكنز إسرائيل الاستراتيجي.
يا الهي إنها نفس الاسطوانة، التي كان يرددها إعلام مبارك في أيام الثورة، وكأن التاريخ يعيد نفسه.
لقد نفى العادلي أن يكون مسؤولاً عن محاولة الإيهام بأن هناك فوضى عمت البلاد، ليلة جمعة الغضب في 28 يناير، وقال إنه جرى التحرك لمصدر البلاغات التلفزيونية فلم يجدوا أحداً هناك!
بطبيعة الحال فان الاتهام تم تعليقه في رقبة الإخوان، فالثورة قام بها الإخوان بحسب شهادات القوم في محكمة الجنايات، ولا أقول دفوعهم. وما دامت ثورتهم فكيف يتم اتهامهم بعد ذلك من قبل من شاركوا في الثورة بأنهم ركبوها، وما الجرم في أن يركب ثوار ثورتهم؟!
الجدير بالذكر أن الإخوان لم يكونوا قد استولوا على التلفزيون المصري الرسمي الذي كان يتلقى بيانات طلب النجدة من المواطنين، ولم يضعوا أرقام هواتفه لتلقي اتصالات المشاهدين. وهناك كلام متواتر عن أن من كانوا يتصلون لنشر الخوف والفزع هم بعض العاملين في المبنى. ورئيسة التلفزيون في ذلك الوقت وكما ورد في مذكرات عبد اللطيف المناوي عن هذه الفترة اتصلت من منزلها لتتحدث عن الفزع وفقدان الأمان. على نحو كاشف بأنها رسالة حكومية مئة في المئة. وللعلم فإنها وبعد أن أحيلت للمعاش فإنها تقدم برنامجاً الآن على «صدى البلد».
هذه الرسالة كانت موجهة للثوار، حتى يغادروا الميادين باعتبار أن بيوتهم عورة، ومما قيل ليلتها عبر التلفزيون المصري أن على من هم في التحرير وغيره أن يذهبوا لحماية بيوتهم من اللصوص والمجرمين الذين خرجوا من السجون!
ما علينا، فقد جاء مبارك للمحكمة وبدا في عافية، وجلس نجلاه على جانبيه، عن اليمين وعن الشمال. وقد تنازلا عن حقهما في الكلام. مع أن من سير المحاكمة ان الخروج من القفص مرتبط بالمرافعة، وليس لأخذ المتهم جرعته من الأكسجين.
الثوار في بلدي خسروا المعركة ولم يخسروا الحرب. وفي يوم 14 أغسطس وهو اليوم التالي لهذا «الخطاب الرئاسي» خرجت الجماهير للشوارع لا يضرها من ضل. فالثورة مستمرة ليؤمن من يؤمن على بينة. وليكفر من يكفر بها على بينة.

صحافي من مصر
[email protected]

سليم عزوز

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول كاظم الجزائري:

    استاذنا الكريم ومعلمنا الكبير بارك الله فيك وفي قلمك المناظل والذي سيبقى سيفا مشهورا في وجه الظلمة والطغاة في زمن قلت او غابت فيه مثل هاته الاقلام النيرة شكرا لك نورت جريدة القجس العربي وقناة الجزيرة

  2. يقول بسام لندن:

    رائع كالعادة يا أستاذ سليم عزوز .. الدولة العميقة خدعت ثوار يناير .. رجعت دولة مبارك وهم اكثر نظاما وشراسة ..حجتهم محاربة ارهاب الاخوان والقصد تمكين الدولة العميقة من جديد .. شقوا صف الثوار فانضم اللبراليون والناصريون والعلمانيون لدولة مبارك كيدا للإخوان بعد ان اكتشفوا ان شعبيتهم في الشارع تكاد تكون صفرا.. أتوقع في المرحلة القادمة ان يتم التخلص من السيسي حتي يهدأ الشارع ويتم تصالح بصورة ما .. عدا ذلك فسيستمر تدحرج مصر في جميع المناحي

  3. يقول نور الدين البشير/ تشاد:

    أحييك أستاذ سليم على هذه التحفة، النتاقض الفاضح الذي تعيشه مصر عبر نظامها الجديد يكشف مالا يدع مجالا للشك أن البلد مقبل على أحداث خطيرة، حينما يتفرغ القضاء الشامخ لتبرئة مجرمي مصر -مبارك وأزلامه- ومحاكمة رجال الثورة التي اسقطته، ويتفرغ الجيش العظيم لمحاربة ابنائه ومحاصرة إخوانه في غزة، فتأكد أن القادم مجهول وخطير جدا، اللهم أن الفرز الذي حصل بسبب هذه الأحداث ما بين مصري يؤمن بحق مصر وحق شعبها – وأنت أولهم- وبين مصري آخر يراها لشعب مختار لابد وأن يحيى فوق الجميع بل فوق أجساد شهدائهم ولو أدى الأمر إلى حرق البلد على من فيها، هذا الفرز هو الإنجاز الأكبر وغير المباشر لثورة 30 يونيو العظيمة بحق!!!

  4. يقول عماري عبد القادر الجزائر:

    استاذ عزوز شكرا على هذاالمقال الرائع.ليس هنالك شك أن حصرية نقل القناةإياها للمحاكمة هو أمر مبيت وكيدي المقصود منه التشفي من الثورة والثوار ،وردالإعتبار(لمن حاربوا الإخوان الأحرار

  5. يقول مروان الجزائر:

    كلما أشاهد القنوات المصرية أتدكر الاستاد عزوز ..لاادرى لمادا؟ خوفا عليهم من قلمه أرض-جو

  6. يقول توفيق الجزائر:

    الثوار في مصرخسروا المعركة ولم يخسروا الحرب …. كلام رائع لرفع الهمة …. مصر بوابة التغيير لذلك نتمنى لثورتها النجاح حتى تهب رياحها علينا

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية