لوس أنجليس – د ب أ: في الأعوام العادية يجني المزارع الأمريكي جو ديل بوسك محصولا يملأ عدة شاحنات، من اللوز والكرز ونبات الهليون والشمام والطماطم، من حقوله الواقعة في لوس بانوس في ولاية كاليفورنيا.
وتعد مزارعه التي تقع على مساحة 2000 فدان وتطرح الفاكهة والجوز والخضراوات جزءا من الوادي المركزي الخصب في كاليفورنيا، ويعد الوادي أكثر المناطق إنتاجا للمحاصيل الزراعية في العالم، ويجعل من كاليفورنيا أكبر منتج زراعي في الولايات المتحدة.
غير أن عام 2014 لم يكن عاما عاديا، فقد كان العام الثالث على التوالي الذي تشهد فيه كاليفورنيا أسوأ موجة جفاف في تاريخها منذ 1200 عام، وذلك وفقا لدراسة علمية نشرت هذا الأسبوع حول « حلقات النمو السنوية» والتي يمكن عن طريقها تحديد عمر الأشجار وتأثير المناخ على نموها. ومع ارتفاع درجة الحرارة إلى رقم قياسي، وقدوم موسم الأمطار دون هطول المطر، ومع عدم توزيع السلطات الفيدرالية لحصص من المياه، ناضل ديل بوسك لكي يتمكن من زراعة محاصيله بالكاد مستخدما كميات المياه الصغيرة التي ادخرها من العام السابق.
ويتذكر ديل بوسك حالة التفكير التي انتابته وقتذاك، إذ قال لنفسه «ليس لدي ما يكفي من المياه، فما هو المحصول الذي ينبغي علي إلغاء زراعته؟».
ولم تكن أمامه سوى فرصة واحدة، وهي أن يضحي ببعض المحاصيل حتى تستطيع المحاصيل الأخرى أن تعيش، وأطلق على هذه العملية «خيار صوفي»، وهو إشارة إلى فيلم عرض عام 1982 بطولة النجمة ميريل ستريب، ويحكي قصة سيدة كان يتعين عليها اختيار واحدا من بين أطفالها لينجو من محرقة النازي.
وكانت الطماطم هي المحصول الأول الذي تمت التضحية به توفيرا للمياه، الأمر الذي تسبب في خسارة تقدر بنحو مليون دولار وفقا لما قاله ديل بوسك. ثم جاء الدور على شمام الكانتلوب والبرسيم، وأخيرا اضطر إلى الاستغناء عن جزء من مزرعة الهليون والتي استغرق إعدادها ثماني سنوات.
وكان إجمالي ما تم التخلي عن زراعته أكثر من ربع أرضه، وظلت هذه المساحة قابعة تحت أشعة الشمس الحارقة .
وقال ديل بوسك إن عام 2015 يمكن أن يكون أكثر سوءا. وأضاف «ليس لدينا ماء متاح لندخره للعام المقبل، وإذا لم تستطع الحكومة أن تزود مزارعنا بالمياه فسيكون مصيرنا الموت».
وتعاني المزارع في أنحاء أخرى من المناطق الجنوبية الغربية في الولايات المتحدة من نفس الظروف العسيرة، وتمر أجزاء من تكساس وأوكلاهوما للعام الرابع في موجة جفاف نادرة الحدوث. وتعاني معظم أنحاء السهول العظمى الغربية من الطقس الحار الجاف لأكثر من عقد من الزمان. وكانت الأعوام الأربعة عشر الماضية قد شهدت أكبر موجة جفاف في حوض نهر كلورادو منذ أكثر من قرن من الزمان، وذلك وفقا لما ذكرته مصادر حكومية.
ويوضح براد ريبي، خبير الأرصاد الجوية في وزارة الزراعة الأمريكية، في مقابلة أنه « خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية تقريبا، وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي، كنا نواجه وضعا قد يكون الجفاف فيه ظاهرة طبيعية جديدة» .
ودائما ما كان الجفاف جزءا من المشهد في الغرب الأمريكي، غير أن العلماء يقولون ان الحال قد يتجه إلى الأسوأ بسبب التغير المناخي، الذي يؤدي إلى زيادة العواصف ويقلل من كثافة الثلوج، ويسرع من معدلات التبخر من البحيرات ومخزون المياه.
وفي زيارة قام بها الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الصيف الماضي لمزرعة ديل بوسك للتعرف على أرض الواقع على مشكلة الجفاف، قال إن الوقت قد حان لتنفيذ استراتيجية جديدة.
وأضاف أوباما « إنه ينبغي على الجميع سواء من المزارعين ورجال الصناعة إلى القاطنين في المناطق السكنية أن يبدأوا في إعادة التفكير في كيفية التعامل مع قضية المياه لعدة عقود مقبلة».
وفي حالة عدم انتهاء موجة الجفاف خلال عام 2015، وإذا أوحت المؤشرات المبكرة للطقس بأن الجفاف سيستمر، فإنه يتعين أن تبدأ عملية إعادة التفكير الآن.
وتتنافس مجموعات متعددة بشدة للحصول على المياه السطحية في كاليفورنيا والمتواجدة في الأنهار والبحيرات وخزانات المياه. وتشمل هذه المجموعات أعداد السكان المتزايدة، وأصحاب المزارع التي تشكل ما نسبته 2 في المئة من اقتصاد الولاية، إلى جانب الجهات المناصرة للبيئة التي تقاوم استنزاف الأنهار والبحيرات من أجل ري المزارع.
ومع استخدام المياه السطحية لأقصى حد، تمكن المزارعون من الاستمرار في نشاطهم خلال عام 2014، وذلك أساسا عن طريق التنقيب عن المياه الجوفية، ولكن الإفراط في استخدام هذه المياه يمكن أن يعرض احتياطياتها للخطر خاصة وأن المزارعين قد يحتاجونها في عام 2015.
وفي الصيف الماضي حفر المزارعون مئات الآبار الجديدة، كما نضبت المياه من مئات أخرى من الآبار بعد أن انخفض منسوب المياه الجوفية فيها. وأصدرت ولاية كاليفورنيا في أيلول/سبتمبر الماضي قانونا يسمح للمحليات بأن تحدد كميات المياه التي يستطيع أصحاب الأراضي أن يضخوها، غير أن هذا القانون لن ينفذ بالكامل حتى حلول عام 2040.
وقال ريتشارد هاويت، وهو خبير في الاقتصاد الزراعي في جامعة كاليفورنيا «لا يوجد نظام إداري في الوقت الحالي حول استخدامات المياه، ويبدو الوضع كما لو أن الحرية متاحة للجميع للتسابق نحو استخدام مضخات المياه الجوفية».
وتسبب نقص المياه خلال العام الحالي في حدوث خسائر اقتصادية للقطاع الزراعي في كاليفورنيا تقدر بنحو 2.2 مليار دولار وفقا لتقديرات هاويت، إلى جانب فقدان 17 ألف وظيفة موسمية.
وأشارت بيانات وزارة الزراعة الأمريكية إلى أن المزارعين في كاليفورنيا قلصوا من حجم زراعة المحاصيل خلال عام 2014 بنحو 400 ألف فدان، أي بنسبة 11في المئة، وارتفعت أسعار لحوم الأبقار، ومن أسباب ذلك ندرة الأبقار في تكساس وأوكلاهوما.
وبينما استمرت أسعار الفاكهة والخضراوات في معدلها المعتاد تقريبا حتى الآن، فإن الخبير الاقتصادي هاويت يتوقع عندما ينفد مخزون المياه لدى المزارعين ولا يجدون سبيلا للتكيف مع هذه الحالة « أن تكون هناك تداعيات خطيرة دون شك «، من بينها مخاطر ارتفاع الأسعار وفقدان المحاصيل، إلى جانب انتقال بعض الأسواق الزراعية إلى دول أخرى مثل بيرو والمكسيك.
ويرى ديل بوسك أنه بدون الحصول على إغاثة من جهة ما، سواء من الحكومة أو السماء، فإن ثمة خطر حقيقي على الزراعة في كاليفورنيا التي تعد مصدر نصف الفاكهة والخضروات التي تنتج في الولايات المتحدة.
ويتساءل قائلا «هل تريد بلادنا أن تخسر إمدادات الطعام ؟. إن هذه المشكلة لا تعني كاليفورنيا وحدها ، حيث أن البلاد بأسرها تعتمد في غذائها عليها».