حركة طالبان فرعٌ على أصل من الممكن الاصطلاح على تسميته «المسألة الباشتونية».
هي مسألة قوم يتوزّع أساساً بين بلدين، باكستان وأفغانستان.
أكثريته في باكستان حيث الباشتون أقلية طرفية، ذات نزعة انفصالية عند تأسيس هذا البلد المنبثق من تقسيم «الهند البريطانية» عام 1947.
لكنها أقليّة باتت تحلّ في المرتبة الديموغرافية الثانية خلف البنجابيين، في إثر انفصال الشطر الشرقي، البنغالي، غير المتصل جغرافياً بباكستان الغربية.
كما أن باكستان نفسها تبدّلت بعد ثورة البنغال على أساس قومي لغوي ضدها، وتدخّل الهند في حرب استقلال بنغلاديش 1971 لإنزال هزيمة ماحقة بها.
فلم تعد باكستان قادرة على الاستناد فقط الى مشروع تحويل الرابطة الدينية إلى رابطة قومية، أي مشروع بناء إسلام قومي، مُعَلمَن بشكل أو بآخر. اندفعت إلى «إعادة تديين الإسلام القومي» في قسمها الغربي المتبقي. وهذا باشر به ذو الفقار علي بوتو نفسه، قبل أن يطيح تنامي مسار «إعادة الأسلمة» برأسه. يبقى أنه، هو من أذعن لهذا المسار، عندما قبل بإخراج «الجماعة الأحمدية» من الملّة المسلمة، بقانون صوّت عليه البرلمان الباكستاني عام 1974، وتحت ضغط تصاعد التيار المتشدد. فمولانا أبو الأعلى المودودي نفسه الذي حُكم عليه بالإعدام مطلع الخمسينيات بتهمة زرع الفتنة والتحريض الطائفي على الأحمديين، عادت ورجحت له الكفة في مناخ ما بعد ضياع البنغال والهزيمة أمام الهند.
في الوقت نفسه، اكتشف حكّام اسلام آباد أنّه بخلاف النزعة العلمانية للحركة القومية البنغالية التي قصمت ظهر الدولة القائمة على جزأين غير متصلين جغرافياً، بل تفصل بينهما مسافة 2200 كلم الواحد عن الآخر، فقد تبدّل حال الباشتون في المنطقة المتاخمة لأفغانستان، وباتوا أقل تأثّراً بالنزعة الإنفصالية، وأكثر ميلاً للتيارات الإحيائية الدينية ثم الجهادية.
بعد أن كانت «المسألة الباشتونية» تحرّكها في وقت سابق طموحات ملوك أفغانستان لتوحيد هذا القوم على جانبي الحدود، صارت بالأحرى مسألة يمكن أن تستثمر فيها باكستان لمدّ نفوذها في أفغانستان.
عدد الباشتون في باكستان ثلاثة أضعاف عددهم في أفغانستان، لكن الباشتون هم الإثنية الكبرى في الأخيرة، ولو أنّهم لا يمثلون أكثرية مطلقة في السكان. والأمر لا يتوقف على العدد. في الأساس «أفغاني» و»بختاني» و»بشتوني» تطلق على القوم نفسه.
من جهة، الأفغان بالمعنى الإثني هم الباشتون فقط، ومن جه ثانية، معظمهم في باكستان لا في أفغانستان. كتلتهم الأكبر في بلد، ونسبتهم الأكبر في البلد المجاور. حركة طالبان هي إلى حد كبير وليدة هذه المفارقة.
قلّما اجتمعت» أمّة» الباشتون في مُلك واحد، إلا أنّ حلم اجتماع شملهم في «باشتونستان» واحدة كان مصدر إزعاج جدّي لباكستان لعقود بعد قيامها.
في القرن العشرين ارتبط هذا الحلم في الجانب الأفغاني بأحد تنويعات «الأسطورة الآرية» : الباشتون سيكونون بهذا المعنى « الآريون الأقحاح»، ومن بلادهم انطلقت الفتوحات الآرية لبناء الحضارات شرقاً وغرب. بيد أن هذه الدعوة لتجميع الباشتون على أساس أيديولوجيا عرقية بهذا الشكل كانت تعني تأجيج الانقسام في أفغانستان نفسها، بين «آريين» و»طورانيين». لم يكن من المقدور اذاً الاسترسال في هذه الدعوة، وما كان لها من الأساس نفاذ من النخبة التي أخذت تبثّها الى المجتمع القبلي في الأرياف، أو بين قبائل نصف الرّحل والرّحل. فشل استنهاض الهوية الإثنية لشعب الباشتون على أساس أيديولوجيا عرقية، لكنه عاد فنجح على أساس احيائي ديني حريص على إظهار توافقه مع نظام الأعراف القبلي، وعلى تقديم نفسه على أنه الأقدر على تشذيب هذا النظام في نفس الوقت.
أفغانستان الجبلية الوعرة الحبيسة البعيدة عن البحار، التي كُتَب لها الاستمرار بنتيجة انهيار الإمبراطوريات الإسلامية الكبرى حولها، فتحولت إلى «مملكة عازلة» بين آسيا الوسطى الخاضعة للاستعمار القاري الروسي، وبين شبه القارة الهندية
والباشتون، كما يشدّد الباحث والصحافي الباكستاني (والباشتوني) أبو بكر صديق في كتابه «المسألة الباشتونية، المفتاح المعلّق لمستقبل باكستان وأفغانستان» بأحلافهم القبلية المختلفة، هم أضخم مجتمع منظّم على أسس قبلية في العالم، وبمعنى من المعاني هم قبيلة من ستين مليون نفر. وفي حين أن ثلاثة ملايين من الباشتون لا يزالون بدواً رحّلا في أفغانستان، ويعرفون بالكوتشي، فإنّ قسماً كبيراً انزاح جنوباً خارج مضارب الباشتون التاريخية، بحيث أن كراتشي السندية الساحلية، كبرى مدن باكستان قاطبة، تعدّ خمسة ملايين باشتوني من أصل عشرين مليون نسمة من سكانها.
وهذا يختلف عن أفغانستان، الجبلية الوعرة الحبيسة البعيدة عن البحار، التي كُتَب لها الإستمرار بنتيجة انهيار الإمبراطوريات الإسلامية الكبرى حولها، فتحولت إلى «مملكة عازلة» بين آسيا الوسطى الخاضعة للاستعمار القاري الروسي، وبين شبه القارة الهندية الخاضعة للاستعمار البريطاني الآتي من وراء البحار، بخاصة بعد أن فشلت دولة القاجار في حصار هراة 1837-1838 بإعادة إلحاق خراسان الشرقية بها. ولدت فكرة أفغانستان الحديثة على أنقاض التاريخ الذي كان اسمه خراسان غربها، وبلاد ما وراء النهر (ترنسوكسيانا) شمالها، وعلى قاعدة انقسام الباشتون بينها وبين الراج البريطاني ثم باكستان.
لكن أفغانستان نمت بالنتيجة كحصيلة اجتماع مفارقتين. فمن جهة، القومية الكبرى فيها هي الباشتون دون أن يشكلوا أكثرية، لكن من جهة ثانية، الثقافة المسيطرة على مملكتها كانت فارسية بامتياز، وباشتون المدن فيها مُفَرَّسين، ويصعب في بعض المدن الفصل بدقة بين الأصول الباشتونية والطاجيكية.
وأكثر من هذا، أكثرية الأفغان اليوم تتكلم لغة الداري، وهي لغة شرق – فارسية، مثلها مثل اللغة الطاجيكية. ثلاثة أرباع الأفغان يتكلمون الداري، في حين لا يتكلم الباشتونية الا ثلثهم فقط. الداري عنصر توحيد وطني ناجح إلى حد بعيد، لكنه غير ثابت. الهيمنة على المدن من موقع القسم غير المديني من الباشتون يعني أيضاً إعادة خلط مقادير وحسابات لغوية. وهنا أيضاً بُعد غير ثانوي فيما يمكن أن تحمله اليوم إعادة سيطرة حركة طالبان على قندهار وكابل.
بعد آخر ينبغي عدم إغفاله لفهم مآلات الوضع، وهو أنه، اذا كانت أكثرية الباشتون في باكستان فيما الهوية الباشتونية مختلطة في العمق مع الهوية الأفغانية، فإن عدد الطاجيك في أفغانستان (10 ملايين) أكبر من عددهم في طاجيكستان نفسها (7 ملايين). والطاجيك رغم كونهم ربع سكان أفغانستان فإنهم قاعدة الوصل الأساسية التي تجعل الداري لغة الأكثرية في هذا البلد، بشكل مفارق للأعداد الإثنية. وبقدر ما أن حركة طالبان هي حركة تجمع ما بين التشدد الديني وبين نظام الأعراف القبلي «البختونوالي»، فإن أسلوب معالجتها لـ»المسألة الباشتونية» يعيد إلى الزخم المسألة الطاجيكية، بما ان أكثرية الطاجيك هم في أفغانستان، وخارج «المشاركة» اذا ما استفردت طالبان بالحكم.
يختتم عودة طالبان إلى العاصمة اليوم مرحلة كاملة. بدأت عام 1973 عندما عكست باكستان اللعبة السابقة، وأخذ نفوذها يتغلغل بين قبائل باشتون أفغانستان، رغم أن الأمير (السردار) محمد داود خان الذي قاد الانقلاب على قريبه الملك ظاهر شاه في ذلك العام كان معروفاً بولعه بتحريك المسألة الباشتونية في باكستان نفسها. نجحت باكستان طيلة هذه العقود في الاستثمار في هذه القنبلة الموقوتة لمد نفوذها، وشكّل نجاح الاستثمار الأمني في هذا اللقاء بين المعطى الإثني وبين المعطى الدعوي الديني أساساً متيناً لظهور حركة طالبان ثم لبقائها مسيطرة على معظم أفغانستان «خارج المدن» منذ 2003 إلى اليوم، أي بعد عامين فقط على التدخل الأمريكي الغربي لتقويض نظام هذه الحركة. وفي العقدين الماضيين، لم يتردد الأمريكان في ضرب أهداف لطالبان داخل باكستان نفسها، أي داخل حدود دولة نووية، بكل مفارقات ذلك، لكن باكستان حافظت رغم مظهر الهشاشة الفعلي هذا، على قدرتها التحكمية بامتياز بالمسألة الباشتونية، إلى يومنا هذا. لكنه اليوم الذي يُمهّد لمرحلة جديدة من المسألة الباشتونية تصطدم فيها بشكل أعتى من ذي قبل هذه المرة، بالمسألة الطاجيكية، بوجود شعب طاجيكي، معظمه في أفغانستان وليس في طاجيكستان، وخارج المشاركة.
كاتب لبناني
ابو الاعلى المودودي هو الاب الروحي للحركات الاسلامية و منها طالبان
دائرة المعارف الإسلامية: نظرية انحدار البشتون من الإسرائيليين من نعمة الله الهراوي، الذي جمع تاريخ خان جيهان لودهي :يُناقش كتاب «طبقات ناصري» استيطان المهاجرين من بني إسرائيل خلال نهاية القرن ال8 الميلادي في ولاية غور الأفغانية، وهو ما تشهد عليه النقوش اليهودية في غور. يقترح المؤرخ أندريه وينك أن القصة «يمكن أن تحتوي على دليل للنظر حول الأصل اليهودي لبعض القبائل الأفغانية التي تُذكر بشكل مستمر في سجلات التاريخ الفارسية الأفغانية. تتفق هذه الإشارات مع النظرة السائدة لدى البشتون أنه عندما تشتت القبائل الإثنا عشر الإسرائيلية، استقرت قبيلة جوزيف، إلى جانب قبائل عبرية أخرى، في منطقة أفغانستان. ينتشر هذا التقليد الشفهي بشكل واسع بين القبائل البشتونية. كانت هناك العديد من الأساطير على مر القرون حول الانحدار من الأسباط العشرة المفقودة بعد اعتناق جماعات للإسلام والمسيحية. من هنا جاء الاسم القبلي «يوسفزاي» الذي يُترجم في البشتونية إلى «ابن جوزيف». يحكي عديدٌ من المؤرخين قصة مماثلة، بمن فيهم رحالة القرن ال14ابن بطوطة ورحالة القرن ال16 فريشتة. (ويكيبيديا)
وانا أعتقد أن البشتون مهما كان أصلها فهي أفغانية أصيلة وليست متأفغنة
تحية للكاتب العملاق وسام سعادة
[email protected]
كاتب مفكر دائما يزودنا بزبدة المعارف وعمق التحليل. شكرا جزيلا
موضوع ثقافي معرفي جميل و مميز و خاصه في هذه الأوقات مع سيطرة طالبان علي أفغانستان.