في الوقت الذي يستمر الشعب الجزائري في ثورته ضد النظام السياسي القائم دون كلل أو ملل أسبوع بعد أسبوع، وبإصرار ثابت الأقدام على التغيير الشامل والكامل، ورفض كل عملية التفافية « تجميلية» سياسية لنظام يحكم الجزائر منذ صبيحة الاستقلال.
وفي خضم هذا الحدث الذي يهز الأركان السياسية التي كانت راسخة كالطود لنظام عسكري صارم يتهم اليوم بالفساد وبالمسؤولية عن تدهور أوضاع البلاد على الأصعدة المختلفة، تنطلق اليوم أصوات في الجزائر وفرنسا على حد سواء متسائلة: هل حققت الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي ما كان يصبو الشعب الجزائري إليه من حرية وديمقراطية وتقدم ورخاء ويتمتع شعبها بعد ثورة المليون شهيد بالثروة النفطية والغازية الهائلة التي يمتلكها؟
أسطورة سيزيف
هذا السؤال يعود ببعض المثقفين الفرنسيين إلى الكاتب ألبيرت كامو الحائز على جائزة نوبل للآداب ليسوغوا موقفه من الثورة الجزائرية ومن مطالبها بالاستقلال الذي كان قد أخذ موقفا مناهضا لها شريطة أن يعطى الشعب الجزائري حقه في التعبير، وكذلك أن لا يبخس حق المستوطنين الفرنسيين البالغ عددهم ما ينوف عن المليون شخص أي حوالي عشر سكان الجزائر ذلك الحين في تقرير مصيرهم أيضا والحفاظ على ممتلكاتهم وأموالهم، وأن يعيش الجميع على قدم المساواة في ظل نظام يحترم الجميع ويكون على مسافة واحدة من كل مكوناته.
مواقف الكاتب الأدبية في أعماله التي لاقت رواجا كبيرا (الطاعون، الغريب، السقوط، الرجل المتمرد، أسطورة سيزيف) استمد مادتها من طفولته في الجزائر (ولد في بلدة دريان القريبة من عنابة في العام 1913 وتوفي في العام 1960 بحادث سيارة في فرنسا)، ومن مواقفه السياسية( مواقف جريئة ضد الماركسية بعد أن أمضى سنتين في الحزب الشيوعي وينتقد بشدة الحكم المطلق دون منازع) والفلسفية (يوصف بكاتب العبثية ويناهض وجودية جان بول سارتر ويتعجب كيف للناس أن تخلط بينه وبين سارتر)، من أشهر أعماله رواية الغريب، والطاعون. وكلتاهما تجري احداثهما في الجزائر ووهران. حيث تتجلى فيها فكرة العبثية بشكل كبير، وخاصة في « الغريب» حيث تبدأ الرواية بقول بطلها مورسو:» لقد ماتت أمي اليوم أو ربما البارحة..» لا يهم وكأن المسألة من عبث الحياة ولا تهمه في شيء، لكن المسألة الأهم أن مورسو الذي كان يتمشى على أحد شواطئ الجزائر يصادف جزائريا يعتقد أنه يهدده فيقتله بكل بساطة.»
القتل العبثي
هذه الرواية التي تدور حول شخصية مورسو الفرنسي « القاتل» والجزائري « القتيل» الذي لا يذكر له اسم في الرواية وتطمس هويته تعكس واقع الجزائر تحت سيطرة فرنسا، فالجزائري ليس له هوية ويمكن أن يقتل عبثيا لمجرد الاشتباه، دون أن يحاكم القاتل استنادا لمقولة الدفاع عن النفس.
الكاتب الجزائري كمال داوود يرد على كامو بعد ستين سنة ونيف من رواية الغريب بروايته بعنوان: مورسو التحقيق المضاد. يعطي فيها كمال داوود للجزائري القتيل اسما وهوية بل وزوجة وعائلة، فالأخ هو الذي يدافع عن أخيه. (نال كمال داوود جائزة غونكورد الفرنسية على هذه الرواية) لقد جاء الرد متأخرا ولكن مفحما وأعاد الاعتبار للجزائري القتيل ولقيمته كإنسان له هوية وشخصية يجب أن تحترم.
في روايتـه الطـاعون يبدو كـامو بوصفـه أحـداث الوبـاء الذي ضرب مدينة وهران وكأن هذا الوباء يمثل عبثية الموت، ويقول عن المديــنة: «كل أذواق الشـرق المـتدنية تضـرب فـيها مـوعدا».
ألبيرت كامو المناهض لاستقلال الجزائر خلال الثورة في وقت كان لا مفر من الاستقلال الذي كان قاب قوسين أو أدنى. جلبت له هذه المواقف المتاعب ووضعته في مرمى منتقديه الذين نعتوه « بالكولونيالي» حينئذ. في الوقت نفسه يرى كامو «أن على كل انسان أن يناضل ضد المهيمنين.
أما فيما يخص الإرهاب مرض العصر فيرى أن الإرهاب هو سلاح الضعفاء الذين يدافعون عن أنفسهم عندما يجدون أن كل المنافذ قد سدت في وجوههم.» و» نتآلف مع جرائم القتل وكأنها مسألة ضرورية لوضع المثل فوق كل اعتبار انساني، وعلى المثقفين أن يرفضوا العزلة ويتضامنوا مع الشعب» بعد أكثر من نصف قرن يكتشف الفرنسيون مجددا كامو ويجدون فيه الكاتب الفذ بل والفيلسوف العبقري والقديس العلماني حتى أن الرئيس نيكولا ساركوزي كان يريد أن ينقل رفاته إلى مقبرة العظماء.
حتى بعض الجزائريين الثائرين الذين يرفضون أي التفاف على مطالبهم يراجعون اليوم مواقفهم السابقة من كامو إزاء ما عانوا من حكومات ما بعد الاستقلال. أو بالأحرى حكومات ما بعد الاستعمار. حكومات لم تقدم حلولا لكل أزمات الجزائر التي هي من صنع أيديهم جراء الفساد المستشري، و«العسكرتاريا» المتحكمة في البلاد، والمحسوبيات.
نقطة اللاعودة
كامو الذي نشأ في صلب المجتمع الجزائري وبدأ عمله كصحافي قبل أن يصبح رئيس تحرير صحيفة « كومبا» أنجز مجموعة تقارير صحافية حول وضع القبائل ( الأمازيغ ) في الجزائر والتي تحدث فيها عن تهميشهم وبؤسهم وحياتهم الخالية من كل سعادة رغم أنهم كانوا رأس الحربة في حرب التحرير. ولكن اليوم وضع الجزائريين بشكل عام لا يختلف كثيرا عن وضع الأمازيغ، وانخرط الجميع في حركة الاحتجاجات المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر وهذا يعني أن الشعب الجـزائري وصـل إلى نقطة اللاعودة إلى حكم الجنرالات فالجـزائر اليوم في نضالها شعبها من أجل التغيير إنما تكمل ثورتـها الأولـى بـعد خمسـين سـنة ونيـف من ثـورة التحـرير.
كاتب سوري
ألبير كامو ” الذي كان يعتقد الكثير من المثقفين أنه يميل للمجتمع الجزائري من كونه يتقاسم معه الهموم والظروف الاجتماعية المزرية إلا أنه نزعته الكولونالية دبت فيه فتنكر للثورة التحرية المظفرة وإهتدى للفكر الاستعماري وصار بعيدا عن الموضوعية في كتابته وسلوكاته ، عكس جون سيناك الذي تقاسم مع الجزائرين الألام والأمال _ التاريخ لا ينسى .
الجزائر بقيت تحمل معروف الشيوعيين الذين دعموا ثورتها ( من دول ومنظمات ومثقفين منهم حتى فرنسيون وأفراد عاديون…) لكن الاصطفاف إلى جانب الشيوعية بعد الاستقلال اتضح فيما بعد أنه كان اختيارا خاطئا…ولاحول ولاقوة إلا بالله