المستوطنون مشروع كولونيالي وإجرامهم مخطط إسرائيلي

حجم الخط
1

كنت آمل أن أستطيع، مثل جدعون ليفي، أن أرى في عدد المقاعد المنخفض لـ “يمينا” دليلاً على هزيمة المستوطنين (“هآرتس”، 22/9). وكنت آمل أن أستطيع مثله رؤية المستوطنات كمشروع للمستوطنين، الذين يتركزون في هذا الحزب. وكنت آمل أن أستطيع أن أعتبرهم أقلية خلقت من خلال الخداع والتحايل هذا المسخ، ومسؤول عن العملية “الأكثر إجراماً وأكبر ضرراً في تاريخ الدولة”. ولكن للأسف الشديد، المستوطنون هم النتاج وليس المنتج للسياسة الإجرامية هذه. على الفور بعد عام 1967، تطلعت الدولة التي كانت تحت حكم مباي مع الصقور والحمائم، إلى الأراضي الفلسطينية وأملت في “تعديل” الفرصة الضائعة في 1948. لم يكن المستوطنون لينجحوا في ابتزاز وخداع الحكومات لولا أنها هي نفسها أرادت ذلك. وهذه حكومات برز فيها أشخاص علمانيون مشهورون مثل يغئال الون وليفي اشكول وإسرائيل غليلي وغولدا مئير وشمعون بيرس واسحق رابين. وبسبب التعريفات المضللة للعلوم السياسية فإن تيارهم وبقاياه المترهلة تسمى “يساراً”.

مباي، الاشتراكي ظاهرياً، عمل على تطوير طرق خداع وتضليل من أجل عرض إسرائيل أمام أحزاب مشابهة في العالم، متقدمة في نظر نفسها، كدولة تسعى إلى السلام ومنح الحقوق. وفي الوقت نفسه عمل من أجل حرمان الفلسطينيين من التبلور كتجمع قومي معترف به ويطالب بحقوقه. هذه المحاولات لم تنجح فيها إسرائيل، لكنها لا تتنازل عن مواصلة سلب الأراضي.

حكومات الليكود مدينة لمباي بالكثير: أجهزة حكومية استيطانية وتهجيرية عملت قبل إقامة الدولة وبعد ذلك. قانون الحاضرين – الغائبين دمر قرى وطرد سكانها في منطقة اللطرون وهضبة الجولان، وضم شرقي القدس والقرى المحيطة بها من خلال مصادرة كثيفة للأراضي الخاصة وبناء المستوطنات عليها، والإعلان عن مناطق عسكرية مغلقة من أجل منع وصول الفلسطينيين إليها، تحديداً غور الأردن وجنوب جبل الخليل، ومصادرة صلاحية التخطيط والبناء من المجالس المحلية الفلسطينية.

إن الذين اعتقدوا بأن حكومة رابين الثانية تريد إصلاح المظالم السابقة، خدعوا أنفسهم: مفاوضو حكومته دفنوا للفلسطينيين ومعسكر السلام شرك أوسلو: البدء بشق الطرق الالتفافية في المرحلة الانتقالية، التي أبقت أي مفاوضات لإخلاء المستوطنات إلى المرحلة الدائمة. وبعد ذلك استمروا في تقسيم الضفة الغربية إلى تقسيم مصطنع مؤقت ظاهرياً، مناطق أ وب وج (“لا توجد تواريخ مقدسة”، قال رابين). المستوطنة في الخليل لم يتم إخلاؤها حتى بعد مذبحة باروخ غولدشتاين. والفلسطينيون في المدينة عوقبوا بفرض حظر تجول طويل وقيود للحركة. وحصلت “غوش عتصيون” على هدية على شكل شارع الأنفاق. وتم طرد البدو لصالح مستوطنة “معاليه ادوميم”. وسكان قطاع غزة تم فصلهم عن سكان الضفة الغربية. وكل ذلك من أجل إحباط إقامة دولة فلسطينية.

القول بأن المستوطنين هم الذين فرضوا أنفسهم ومشروعهم على “أغلبية صامتة وغير مبالية” هو جزء من الميثولوجيا. الدولة اهتمت بأن يكسب مشروع الاستيطان المزيد من الإسرائيليين من خلال شركات بناء وتسويق، وجنرالات، وعمال في صناعة السلاح. هكذا تم ضمان تزايد المؤيدين للمشروع، حتى في أوساط من لا يعيشون في المستوطنات.

لا شك أن المستوطنين هم نتاج مخطط قام بتحسينه، وزاد التعالي وأيديولوجيا السيد التي ورثها، وهذا جزء من المشروع الكولونيالي. المسيحانية الدينية تزيد من وقاحتها وخطرها، وعمليات ديمغرافية واقتصادية، وليس مؤامرة حاكوها، فحولت المتدينين الصهاينة إلى طبقة وسطى – عليا، تسعى إلى إرضاء رأس المال. هذه الخطوات نفسها والحاجة إلى الحفاظ على الغنيمة مهدت طريقهم نحو الأجهزة الحكومية مثل الجيش والشاباك ووزارة العدل. التسامح تجاه أعمالهم العنيفة والمخادعة (التي بدأت بعد الخداع الممأسس) لا ينبع من خوف الدولة منهم، بل من الموافقة على الهدف.

بقلم: عميره هاس

هآرتس 24/9/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول زياد سمودي:

    هل يقبل اليهود ضحايا النازية ان يكونوا مجرمين بحق شعب فلسطين الذي تقاسم ارضه معهم ومنحهم الحماية من النازية، هل يقبل اليهود ان يكونوا هكذا رعاة عصابات ومجرمين وقتلة بحق شعب فلسطين. هل يمثل المستوطنين الضمير اليهودي. اين انتم ايها اليهود الرافضين لمثل هؤلاء القتلة.

إشترك في قائمتنا البريدية