المشروع النووي الايراني وتداعياته

حجم الخط
0

اليكم مسار استثمار جديدا ومُغريا. إن سعر الريال الايراني قفز في يوم واحد درجتين مئويتين. والتوقع هو أن يرتفع سعر هذه العملة التي خسرت أكثر من نصف قيمتها في فترة العقوبات في الاشهر التالية بعشرات الدرجات المئوية. ويُبلغ صرافون في دول الخليج عن وجود شراء مجنون للريال. وفي حين يشتغلون في اسرائيل بتحليل دقيق جدا لتفاصيل الاتفاق، واختلاف في كمية اليورانيوم التي تستطيع ايران أو لا تستطيع تخصيبها والعدد الدقيق للدولارات التي ستحول الى الخزينة العامة الايرانية، أصبحوا في طهران يفحصون عن الاتفاق بمعان تعبيرية. فليست الارقام هي المهمة بل الواقع الجديد الذي أخذ ينشأ سريعا ولم يتوقعه أحد.
إن أهم انجاز لايران هو أنها نجحت في جعل برنامجها الذري وسيلة ضغط سياسي عظيمة القوة. فقد أصبحت القوى العظمى الست وعلى أثرها أكثر دول العالم تعترف بأن ايران دولة ذات حقوق؛ ويتحدث رئيس امريكي الى رئيس ايراني على نحو مُساو؛ ويحظى النظام الايراني بالشرعية بصفته نظاما عقلانيا يقظا؛ وزال الخيار العسكري.
‘أجل لقد سارت هذه الدولة طريقا طويلا يثير الاعجاب منذ أن سيطرت بريطانيا على مصادر نفطها في بداية القرن الماضي، مرورا باحتلال بريطانيا لها والاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، وعزل رئيس حكومتها محمد مُصدق بانقلاب دبرت له الاستخبارات البريطانية والامريكية في سنة 1953، الى أن كان تعلق الشاه محمد رضا بهلوي المطلق بالدول الغربية.
إن ايران التي تحمل على ظهرها تاريخا استعماريا واستعماريا جديدا تواجه الآن تحالفا دوليا أخذ ينتقض. وقد أصبحت القوى العظمى مستعدة للموافقة على وجود شريك في الاتفاق بعد أن كان يوجد تصور غربي جامد عرّف النظام الديني بأنه غير عقلاني يعمل مستلهما أمرا إلهيا وهو أسير ما يخرج من فم زعيم واحد. وإن الهذيان الذي صاحب الغرب وكان يرى أن العقوبات ستُحدث عصيانا مدنيا يُسقط النظام الذي أفضى بالدولة الى العقوبات، حل محله هدف موضوعي يتغيا غاية وهي صد السباق نحو السلاح النووي. وقد أصبح هذا التحول الذي حاول أن يتبناه الرئيس بيل كلينتون وجدده براك اوباما، ايديولوجية امريكية جديدة: فنوع النظام هو شأن المواطنين، وتصدير الديمقراطية وتصدير الثورة الاسلامية، أي لا يمكن فرضه.
ليست ايران دولة الأحلام لا لمواطنيها ولا لجيرانها. فتقارير حقوق الانسان عن وزارة الخارجية الامريكية ومنظمات حقوق الانسان مشحونة بأوصاف تثير القشعريرة وحكايات مثقفين وممثلين وأدباء وطلاب جامعات ومواطنين معدمين يشهدون على مبلغ بُعد ايران عن المثال الليبرالي الغربي. لكن لا حكاية من هذه الحكايات أفضت الى عقوبات أو الى تهديدات بحرب. وقد أصبحت الرؤيا الاستراتيجية الجديدة للبيت الابيض هي: عدد أقل من الحروب وعدد أقل من التدخل العسكري وقدر أقل من الدعوة الى الديمقراطية.
يستطيع علي خامنئي من وجهة نظر الدول الغربية أن يشتغل حتى بالشعوذة أو أن يعذب آلاف المواطنين باسم الدين ما بقي يفصل بين الدين والدولة حينما يتجه الى تنفيذ الاتفاق. وقد يكمن هنا النجاح الأكبر الذي حظيت به ايران. إن الثورة الاسلامية قد حظيت باعتراف بأنه لا يمكن قلبها ولا سيما من الخارج. وهذا هو الرعب الذي أصاب الآن بنيامين نتنياهو لأنه حينما يصبح النظام في ايران شرعيا وحينما يُسقطون عنه النقاب المهدد الذي يجعل ايران كابوسا، فكيف يمكن التخويف؟ وكيف نقنع بأنه نظام مجنون؟ ومن يصدقنا بعد الآن في قولنا أن الشيعة هم الشيطان الحقيقي؟ ونتنياهو على حق. إن ايران تبني الآن تصنيفا خاصا بها يُعرف من جديد منظومات العلاقات في المنطقة. وقد أصبح المشروع النووي الايراني قد فعل فعله.

هآرتس’27/11/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية