أعادت المحكمة الاتحادية العليا في العراق الكرة إلى ملعب الكتل السياسية حينما صادقت يوم الاثنين 27 كانون الأول/ديسمبر على نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في العاشر من تشرين الأول/اكتوبر، كما ردت الدعوة المقدمة من قيادة كتلة الفتح التي طعنت بالتزوير في نتائج الانتخابات التشريعية، وطالبت المحكمة الاتحادية بإلغاء نتائجها، إذ أعلن القاضي جاسم محمد عبود رئيس المحكمة «رفض طلب المدعين إصدار أمر ولائي لإيقاف إجراءات المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات» وأكد أن «الحكم باتا ملزما للسلطات كافة». وأضاف أن «المحكمة الاتحادية العليا قررت ردّ دعوى عدم المصادقة على النتائج وتحميل المشتكي كافة المصاريف».
الغريب أن قرار المحكمة الاتحادية وضع ملاحظة، أو شرطا، بدا غريبا وغير مفهوم، بل وحتى غير دستوري، إذ أشار القرار إلى أن «المحكمة تجد وجوب حصول تدخل تشريعي من قبل مجلس النواب القادم لتعديل قانون الانتخابات واعتماد نظام العد الفرز اليدوي بدلا من العد والفرز الإلكتروني، إذ أن أساس نزاهة الانتخابات وترسيخ مبادئ الديمقراطية عن طريقها يعتمد على مدى ثقة الناخب بمصداقيتها ونزاهتها». وهنا يجب أن نتسائل: هل هذا الكلام توصية؟ أم نصيحة؟ أم قرار من أعلى جهة قضائية في البلد؟ علما أن الدستور لا يسمح للمحكمة الاتحادية العليا بمثل هذا الكلام الذي هو من صميم عمل السلطة التشريعية.
في قراءة لردود الأفعال على قرار المحكمة الاتحادية، نجد وبالتزامن مع انعقاد جلسة المحكمة، تظاهر محتجون رافضون لنتائج الانتخابات بالقرب من مقر المحكمة، وقد هتفوا بشعارات رافضة لأي قرار قضائي لا يلبي مطالبهم بإعادة العد والفرز لجميع المراكز الانتخابية يدويا، أو إلغاء نتائج الانتخابات. إلا أن النتيجة النهائية كانت الخضوع لإقرار المحكمة الاتحادية لنتائج الانتخابات، إذ قال هشام الركابي، مدير المكتب الصحافي لرئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، في تغريدة على منصة تويتر، إن قوى «الإطار التنسيقي توجه رسالة شكر عالية المضامين للمتظاهرين وتشكرهم على محافظتهم على السلمية وفضحهم للتزوير وترسيخ ذلك في رأي العالم أجمع وفضح الجهات التي وقفت وراءه» ودعا المتظاهرين إلى «الانسحاب، مع احتفاظهم بحق التظاهر في الأيام المقبلة».
أما هادي العامري رئيس كتلة الفتح، أكبر الكتل الخاسرة في الانتخابات التي أقرت نتائجها، فقد صرح للصحافة بقوله «من باب حرصنا الشديد على الالتزام بالدستور والقانون، وخوفنا على استقرار العراق أمنياً وسياسياً، وإيماناً منا بالعملية السياسية ومسارها الديمقراطي من خلال التبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الانتخابات، نلتزم بقرار المحكمة الاتحادية. رغم إيماننا العميق واعتقادنا الراسخ بأن العملية الانتخابية شابها الكثير من التزوير والتلاعب». لكنه، ومن جهة أخرى، طعن بقرارات القضاء عندما قال إن «الطعون التي قدمناها للمحكمة الاتحادية كانت مُحكمة ومنطقية ومقبولة، ولو قدمت لأي محكمة دستورية في أي بلد يحترم الديمقراطية لكان كافياً لإلغاء نتائج الانتخابات، ومع كل هذا نؤكد إلتزامنا بقرار المحكمة الاتحادية التي تعرضت لضغوط خارجية وداخلية كبيرة جداً».
وصرح زعيم قوى الإطار التنسيقي ومرشحها لرئاسة الحكومة، نوري المالكي، عن إحباطه من قرارات المحكمة الاتحادية العليا، وعلق في تغريدة له على منصة تويتر قائلاً «كان متوقعاً ولأسباب تتعلق بوضع البلد، أنه لا يمكن إلغاء الانتخابات وإعادتها، مع أن الخلل الواضح وبالوثائق والأدلة موجود. ولكن كنا نأمل من المحكمة الاتحادية أن تنصف المتضررين من الكتل والقوائم، وما يتعلق بمشكلة الكوتا النسائية». ولم يفهم المحللون والمراقبون ماذا قصد المالكي بالضبط بإنصاف المتضررين.
بينما علق رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي زعيم ائتلاف النصر، على قرار المحكمة الاتحادية العليا بقوله «إن الأساس في العملية الانتخابية والسياسية أنها قائمة على السياقات الدستورية والقانونية، وبالتالي فإنه – ورغم تحفظنا على العديد من الإجراءات التي رافقت العملية الانتخابية وعمل المفوضية – إلا أننا نؤكد أن الالتزام بالسياقات القانونية والدستورية للدولة يحتم علينا القبول بتلك السياقات، رغم الحيف الذي وقع على تحالف النصر، سواء في هذه الانتخابات أو التي سبقتها».
أما عمار الحكيم رئيس تحالف قوى الدولة في العراق الحاصل على خمسة مقاعد فقط في البرلمان المقبل بعد تعديل النتائج وفقا للاحتجاجات والطعون المقدمة، فقد صرح في بيان رسمي قال فيه «إنطلاقا من إيماننا العميق بسيادة الدستور والقانون، نعبر عن إلتزامنا بقرار المحكمة الاتحادية بخصوص النتائج بالرغم من ملاحظاتنا الجدية على العملية الإنتخابية» وأضاف «نجدد تهانينا للفائزين ونحثهم على العمل بما تتطلب مسؤوليتهم الملقاة على عاتقهم في خدمة الشعب، والإسراع بتشكيل حكومة كفوءة ومنسجمة تجمع الأطراف الراغبة بالمشاركة فيها والمستعدة لتحمل المسؤولية أمام الشعب العراقي» مؤكداً «عدم المشاركة في الحكومة المقبلة».
وعلق مقتدى الصدر زعيم كتلة التيار الصدري الفائزة في الانتخابات الأخيرة، مغردا في تويتر على قرار المحكمة الاتحادية بالقول «شكرا لكل من ساهم في هذا العرس الديمقراطي الوطني ولا سيما القضاء الأعلى» وأضاف «الشكر موصول للشعب العراقي الذي صبر وظفر، وشكرا للمرجعية الراعية والداعية لهذا الكرنفال الانتخابي الذي يستحق منا الحمد والشكر والاحتفال». وسارع الصدر للتصريح بأنه الفائز في الانتخابات التشريعية عبر المطالبة «بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، لا شرقية ولا غربية، يضيء نورها من أرض الوطن ويفيء على الشعب بالخدمة والأمان» و«للحفاظ على السلم والسلام» على حد قوله.
«لا شرقية ولا غربية»
لكن هل يعني الصدر بـ «لا شرقية ولا غربية» الحياد وعدم الانسياق مع الأجندات الإيرانية أو الأمريكية؟ علما أن عددا من المراقبين قرأوا فوز التيار الصدري على انه فوز للكتلة القريبة من أمريكا وخسارة للكتل القريبة من طهران وقد اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» يوم الثلاثاء 28 كانون الأول/ديسمبر، مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات التشريعية العراقية «انتصارا لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في العراق». وقالت الصحيفة في تقريرها إن «قرار المحكمة الاتحادية المصادقة على نتائج الانتخابات بمثابة فوز لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي يعتبر حليفا محتملا للولايات المتحدة في العراق». وأضافت أن «انتصار الصدر أدى إلى زعزعة التوازن التقليدي للقوى الشيعية». وحسب الصحيفة، فإن «الصدر كان ذات يوم معارضًا للوجود الأمريكي في العراق لدرجة أن الولايات المتحدة أمرت بقتله، لكنها تراجعت عن قرارها في وقت لاحق».
المحصلة النهائية لكل ذلك ووفقا للمادة 54 من الدستور العراقي هي: يجب على رئيس الجمهورية برهم صالح أن يدعو مجلس النواب للانعقاد بمرسوم جمهوري خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة، ويجب أن تعقد الجلسة الافتتاحية للبرلمان برئاسة أكبر الأعضاء سناً لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه، ولا يجوز التمديد لأكثر من المدة المذكورة آنفاً.
إذن قرع جرس بدء لعبة تشكيل الحكومة، متضمنا الاتفاق على اختيار الرئاسات الثلاث، إذ بات العرف السياسي في العراق يحدد عمليات الاتفاق على مرشح الكرد لرئاسة الجمهورية، ومرشح السنة لرئاسة البرلمان، ومرشح الشيعة لرئاسة الوزراء، في صفقة واحدة تمررها كتل الترويكا في العراق، فهل وصل الفرقاء السياسيون اليوم إلى مثل هذا الاتفاق؟ وفي حال عدم موافقة كتل الإطار التنسيقي على تمرير مرشح الصدريين لرئاسة الوزراء، هل سيتم التوافق على تمرير بقية الصفقة؟ والجواب المعلوم للقاصي والداني هو بالتأكيد لا، لن تمر الصفقة إلا مكتملة.
تصريحات كتل الكرد والسنة أوضحت في الأيام السابقة أنها لن تتفق مع إحدى الكتل الشيعية (المقصود الكتلة الصدرية) على حساب الكتل الأخرى (كتل الإطار التنسيقي). وأنها ستسعى لأن يكون هناك اتفاق شيعي كامل على مرشح رئاسة الحكومة ليتم الاتفاق لاحقا على إكمال اختيار الرئاسات الثلاث، وهذا الأمر يعني، وبشكل لا لبس فيه أن الصدر الحاصل على 73 مقعدا في الانتخابات الأخيرة لن يستطيع الانفراد باختيار رئيس الحكومة المقبلة، بل يجب أن يكون هناك اتفاق مع الغرماء السياسيين الشيعة لتمرير أي اسم سيطرحه الصدريون، وهنا يرى المراقبون أن المشهد العراقي سيتجه إلى نوع من التوافق بين الرابحين والخاسرين في الانتخابات، وسيتم الخروج بمعطيات يوافق عليها الكرد والسنة، وأن مثل هذه الاتفاقات حتى الآن لا يمكن اعتبارها سهلة أو يمكن تمريرها بانسيابية.
إذن من المتوقع أن نشهد جولات تفاوض، وبالتالي سيتم تجاوز المدد الزمنية التي حددها الدستور، ولن يلتفت أحد من الطبقة السياسية لذلك، حتى يتم الخروج بصيغة توافقية تقترب من معطيات انتخابات 2018 التي جاءت بعادل عبد المهدي كمرشح توافقي بين كتلتي سائرون والفتح. فإذا تم عقد اجتماع البرلمان القادم منتصف شهر كانون الثاني/يناير 2022 سيكون ذلك بمثابة خطوة أولى في مارثون تشكيل الحكومة المقبلة.
الكاظمي هو الأنسب في الإستمرار برئآسة الوزراء في العراق!
لقد تم تنفيذ العديد من المشاريع بعهده!! ولا حول ولا قوة الا بالله