لندن – “القدس العربي”:
يقوم المطران الفلسطيني المقدسي الدكتور منيب يونان – الرئيس السابق لاتحاد الكنائس اللوثري العالمي – بزيارة توعوية إلى لندن بدعوة من مركز كامبريدج للدراسات الفلسطينية، حيث يعقد عدة لقاءات تهدف للتحذير من مخاطر هجمة التهويد التي تتعرض لها القدس، وما يعانيه الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه جراء الاعتداءات التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون.
والتقت “القدس العربي” في لندن بالمطران منيب يونان الذي أكد على أنه يحمل رسالة إلى بريطانيا والحكومة البريطانية “بأن عليها واجبا إنسانيا ووطنيا وهو أن تنهي الاحتلال الإسرائيلي وتعطي الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة”. وكرر المطران يونان التذكير بتحذيرات أطلقها رؤساء الكنائس المسيحية “بأن هناك خطرا يتهدد الوجود العربي الفلسطيني المسيحي في القدس، كما يتهدد المقدسات الإسلامية”، وقال: “الاحتلال الإسرائيلي لا يفرق في اعتداءاته بين مسلم ومسيحي في الهجمة لتهويد القدس”، مضيفا أن الرد على خطة الحكومة الإسرائيلية في بناء مزيد من المستوطنات في الضفة الغربية يكون بالصمود والتشبث بأرضنا وحقنا حتى انهاء الاحتلال.
واستذكر المطران يونان حادثة تهجير والديه من بئر السبع إلى القدس قبل ولادته بثلاث سنوات، وما جرى لوالده عندما اصطحبه وحاول العودة إلى بيت العائلة عام 1968، فرفضت المرأة التي تحتل بيتهم السماح لهما بالدخول، مؤكدا أنه متشبث بحق العودة لكل فلسطيني على أرضه، كما أنه متشبث بحقه في العودة إلى بئر السبع برفقة أولاده وأحفاده.
وهذا نص الحوار:
سؤال: سيادة المطران منيب يونان، أتيتم من القدس إلى لندن التي شهدت يوما إصدار وعد بلفور، وهو يُعتبر بأنه وعد ضَيّع القدس، فماذا تنتظر من بريطانيا وما هي الرسالة التي تحملها إلى مجلس اللوردات وجميع من ستلتقي بهم؟
جواب: أولا أنا مسرور جدا أن أكون هنا مع شعبي وأهلي ومع مركز كامبريدج للدراسات الفلسطينية برئاسة الدكتور مكرم مخول خوري الذي قام بترتيب هذه الزيارة والتخطيط لها وتنفيذها وهذا أمر ليس سهلا.
ونحن يجب أن نكون هنا دائما مرفوعي الرأس لأن قضيتنا قضية عادلة.
أولا، أنا أحمل رسالة العدالة للشعب الفلسطيني، ورسالة قول الحقيقة في هذا الوضع الذي غابت فيه الحقيقة لأسباب مختلفة.
رسالة أن نقول للإنكليز والحكومة الإنكليزية، أنت ِ مسؤولة عما قمتِ به، واليوم لا تتخلي عن القضية الفلسطينية، فكما كان وعد بلفور (من بريطانيا)، فاليوم عليكِ واجب إنساني ووطني وهو أن تنهي الاحتلال الإسرائيلي وتعطي الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.
هذه هي الرسالة التي نحملها. يكفي لنا التشتت والاحتلال وانتهاك حرمة الانسان الفلسطيني في فلسطين.
اليوم حان الوقت الوقت لكي نحصل على حريتنا وعدالتنا كشعب فلسطيني، وهذه هي رسالتي.
س: ما هي أهم اللقاءات التي ستعقدها خلال زيارتك لبريطانيا؟
ج: كل لقاء أقوم به هو مهم، مع كل من نجتمع ونتحدث معه ونبدي رأينا حتى يفهموا قضيتنا العادلة. وأنا أقول دائما: لا يمكن أن يكون سلام في الشرق الأوسط دون عدالة القدس.
س: ما هو واقع الوجود المسيحي الآن في القدس في ظل ما يحكى عن التهجير ومصادرة الأراضي؟
ج: نحن كنا في وقت من الأوقات نشكل 12 بالمئة كعرب فلسطينيين مسيحيين في فلسطين، وأصبحنا اليوم نشكل 1 بالمئة.
رؤساء الكنائس المسيحية حذروا بتاريخ 3 كانون أول /ديسمبر 2021 بأن هناك خطرا على الوجود العربي الفلسطيني المسيحي في القدس للأسباب التالية:
أولاً، في كثير من الأحيان يتم الاعتداء علينا من المستوطنين المتطرفين، حيث يقومون بالبصاق على رؤساء الكنائس عندما نحمل صلباننا، علما أن السلطات (الإسرائيلية) لا تعاقبهم.
ثانيا، لاحظنا في هذا العام بالذات حصول 8 اعتداءات على الأوقاف المسيحية من كنائس وأديره ومقابر.
وحصل الاعتداء الأول في بداية العام الحالي (بتاريخ 1 كانون ثاني) على المقبرة البروتستانتية في جبل صهيون، حيث قاموا بتكسير الصلبان والشواهد. وهناك اعتداء حصل أيضا على حارة الأرمن، وأيضا دخلوا على حبس المسيح، حيث أزالوا تمثال العذراء والمسيح.
ولهذا السبب، نحن كرؤساء كنائس مسيحية استنكرنا ونستنكر ما يحدث، ونقول إنهم مسؤولون عن هذه الأعمال التي يقومون بها.
وهناك أمر آخر، ثمة “عَبرنة باب جديد”، حيث تستعمل بلدية القدس الباب الجديد يومي الأربعاء والخميس للقيام باشياء غريبة عن مجتمعنا الفلسطيني، وفي ذاك الحي فإن غالبية السكان هم من المسيحيين، ويفكرون أنه طالما هناك ازعاج فينبغي عن نترك (الحي).
إضافة على ذلك، هناك عقود مشبوهة في باب الخليل، إن كان لفندق البيترا أو فندق الامبريال التي هي ملك للكنيسة الأرثوذكسية، ونحن نخاف كفلسطينيين أنه أذا أخذ المستوطنون باب الخليل، فعندها يصبح ثمة صعوبة للحج المسيحي الداخلي أو الدولي، أن يأتي إلى كنيسة القيامة. فالخوف أنه إذا استلم المستوطنون باب الخليل فقد يفرضوا أخذ الإذن للدخول، وهذا يخيفنا.
لهذا السبب، ما أريد أن أقوله بوضوح، نحن نربط بين ما يحدث لنا، بالاقتحامات على الأقصى، وموقفنا من الأقصى واضح، فكما أن كنيسة القيامة هي للمسيحيين فقط، فإن الأقصى هو للمسلمين فقط، فنحن واضحون مئة بالمئة وهو أن كل الأقصى هو للمسلمين.
ونحن نربط أيضا بما يحدث في الشيخ جراح، وحي البستان وما يحدث في العيسوية، وهذا يعني أن الهجمة هي لتهويد القدس، وكلنا مستهدفون، فأين العالم؟ وأين الساسة ليقفوا مع العدالة؟ وهذا موقفنا إذ إن أي تعدٍ على أي مكان فلسطيني هو تعد علينا جميعا.
س: سيادة المطران منيب يونان، في ظل رؤيتكم هذه، هل هناك تعاون بينكم وبين المسلمين في القدس لمواجهة ما تتعرضون جميعا له؟
ج: أريد توضيح أمر مهم، هو أننا نحن العرب الفلسطينيين المسيحيين، مكونٌ أصيل من النسيج العربي الفلسطيني، وأول شيء نؤكد عليه للجميع هو أننا لسنا ذمة، ولسنا أقلية وليس عندنا عقدة الأقلية، ولسنا جالية، حتى لو كنا نشكل واحدا بالمئة أو حتى نصف واحد بالمئة، لأننا مكون أصيل وهذا أمر مهم جدا ينبغي معرفته.
ولهذا السبب، ثمة تعاون كبير في القدس، بيننا وبين الأوقاف الإسلامية، وبيننا وبين الشيوخ المسلمين، لأننا نعتبر أننا نحن شعب واحد، وهذا الشعب لا ينفصم إلى قسمين وإنما هو شعب واحد.
أيضا، نحن نثّمن جدا الوصاية الهاشمية على المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس، والتي هي حافظت على عروبة القدس، وحافظت أيضا على الوضع القائم التاريخي القانوني للقدس. ولذا نعمل مع بعضنا البعض ومع جميع الذين يعملون من أجل العدالة في القدس، وهذا مهم جدا أن نركز عليه.
س: عندما تؤكدون أن الأقصى كله للمسلمين، ألا يثير هذا الموقف لكم مشاكل مع الإسرائيليين والمستوطنين تحديدا، هل تدفعون ثمنا لهذا الموقف؟
ج: لكل شيء ثمن، ولكن هذا موقفي ولن أتخلى عنه… نحن موقفنا واضح، فنحن في القدس كعرب فلسطينيين مسيحيين، نمثل المسيحية في العالم أيضا التي تقف موقف العدالة، ولا نقبل أي تعدٍ على الأقصى كما لا نقبل أي تعدٍ على أي مؤسسة مسيحية، وهذا موقفنا واضح ولا نخاف من أي شيء. لذلك نحن نقولها بصراحة، نحن لن نسمح بأي تعد، ونقف مع بعضنا البعض في أي موقف مثل هذا. يعني عندما تحدث تعديات، فنحن رؤساء الكنائس أو المطارنة أو القساوسة أو رجال الدين، نذهب على الأقصى ونقف مع المسلمين، وهم يقفون معنا، فنحن شعب واحد، وعلينا أن نعرف أن الاحتلال لا يميز بين مسيحي أو مسلم، فكلنا نعيش تحت هذا الاحتلال ونريد إنهاءه حتى نعيش بحريتنا، وهذا مطلبنا.
س: في ظل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، هل تتوقعون مزيدا من أعمال المصادرة والمضايقة؟
ج: نعم، لقد سمعنا أن الحكومة الجديدة تحدثت عن إنشاء 155 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية… طبعا هذا كله ننتظره، لكن كيف نجيب على كل ذلك؟ نجيب بصمودنا في القدس وصمودنا على أرضنا، وهذا بحد ذاته هو الجواب لكل هذه الاعمال: سنبقى صامدين على ارضنا حتى نحصل على حريتنا.
س: ما هي طبيعة التعاون بينكم وبين الكنائس الموجودة خارج فلسطين، وماذا يمكن لتلك الكنائس أن تفعل من أجل تثبيت المسيحيين في ارضهم وحقهم وكنائسهم في فلسطين؟
ج: أود القول إنه ثمة دراسة تمت في بداية هذا العام عن دور العرب الفلسطينيين المسيحيين، وأثبتت هذه الدراسة أنه لدينا 296 مؤسسة مسيحية داخل فلسطين. والمؤسسات الكنسية هي ثالث أكبر مُوَظِف في السلطة الوطنية، وهذا يعني أن لدينا دورا قويا فاعلا نقوم به لشعبنا.
فنحن في مدارسنا لا نخدم فقط المسيحي، بل نخدم الفلسطيني إن كان مسلما أو مسيحيا. نريد في مدارسنا أن يكون كل من المسيحي والمسلم، مخلصا لشعبه ووطنه ودينه، وهذا موقفنا دائما.
وكثير من كنائسنا في الخارج تقف معنا، أنا الان قادم من اجتماعات الاتحاد اللوثري العالمي والتي وضَعت بيانا واضحا يدعو لانهاء الاحتلال وعدم التعدي على الوجود العربي الفلسطيني المسيحي.
كنائسنا المسيحية في جميع أنحاء العالم تقف معنا وتريد لهذا الوجود أن يتقّوى. نحن دائما نقول: ما هي القدس وما هي فلسطين دون المكون الأصيل العربي الفلسطيني المسيحي؟
س: سيادة المطران منيب يونان، أنت ولدت في القدس (عام 1950)، وذلك بعد ثلاث سنوات فقط من تهجير أهلك من بئر السبع إلى القدس. ماذا يعنيه لك ذلك التهجير، وهل ما زال الحنين قويا لبئر السبع؟
ج: طبعا، طبعا. وأنا أريد أن أخبرك بقصة حدثت لي مع والدي (رحمه الله) عام 1968، حيث اصطحبني والدي معه إلى بيتنا في بئر السبع، ولم يجد البيت بسهولة بسبب التغييرات التي حصلت في منطقتنا، ولكنه استطاع التعرف على البيت من خلال شجرة السرو التي بقيت صامدة أمامه في دار يونان.
وعندما وصلنا البيت، قرعنا الجرس، فخرجت سيدة (مستوطنة إسرائيلية) من داخل بيتنا، فقال لها والدي هل تسمحين أن أدخل البيت، فقالت له: “لقد أخذتُ أنا هذا البيت من الحكومة (الإسرائيلية) وليس منك”، ثم قامت بإقفال الباب (بوجهنا)، وبسبب تأثير جوابها هذا، بقي والدي ممتنعا عن تناول الطعام مدة ثلاثة أيام، كما أثرت بي هذه الحادثة كثيرا. وأقول لك أيضا عن حادثة أخرى، لقد كُتِب عني كتاب قبل أربع سنوات، وأخذت كاتبه الدكتور وليد الشومري معي إلى بئر السبع، وذهبنا لرؤية البيت، وعندي الوثائق والطابو، وكان صعبا أن أجد البيت لأنهم غيروا الكثير من المعالم بعد 75 سنة (من احتلاله)، لكنني تعرفت على البيت أيضا من خلال شجرة السرو ذاتها التي دلت والدي على بيتنا، وهذا يعني أنني اشعر مع كل لاجئ فلسطيني مهجر، وأنا لا أزال أحمل بطاقة وكالة الاونروا… لم استعمل هذا البطاقة، ولكني أحافظ على حقي. نعم عندي حنين إلى بئر السبع رغم أنني لم أعش فيها. وذات الشيء (الحنين) موجود لدى أولادي وأحفادي، فاللجوء ليس أمرا هيناً… التشرد ليس أمرا هينا (يتحدث بحسرة)، وأنا أشعر مع كل لاجئ يتألم من هذا الوضع. وعندما أرى أي لاجئ فإن قلبي يتحرك، لأنني أشعر أن هذا جزء لا يتجزأ من هويتي التي لن تهدأ قبل أن أحصل على العدالة والحرية، التي تتلخص في إنهاء الاحتلال وإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.
س: بعد الشكر لك سيادة المطران لإتاحة الفرصة لنا لإجراء هذا الحوار، بقي عندي سؤال أخير من باب الفضول، وهو عن تشبثك أكثر من مرة بتكرار تعبير “نحن مسيحيون عرب ولنا دور أساسي”، فهل لنا بتوضيح أكثر عن هذا الدور؟
ج: أنا أحب القول دائما إنني عربي فلسطيني مسيحي، فالقدس علمتني كيف أعيش مع إخوتي المسلمين والكنائس الأخرى، وعلمتني القدس أن الله الذي خلقني فيها وسمح لي أن أعيش فيها، علمني أنني كعربي فلسطيني مسيحي، لي دور هام لخدمة الشعب ولخدمة العالم. وهذا الدور الذي نلعبه نحن كعرب فلسطينيين مسيحيين بجميع طوائفنا وكنائسنا هو دور مهم جدا، ويهدف للوئام والتفاهم والعدالة والسلام.
أنا أعرف هذا الدور الذي لعبته في (رئاسة) الاتحاد اللوثري العالمي بتوقيع مصالحة تاريخية واجتماع في السويد بيني وبين قداسة البابا فرنسيس، حيث وقعنا (عام 2016) مصالحة تاريخية بعد 500 عام من النزاع (بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة اللوثرية)، وهذا الأمر خلق في داخلي وفي العالم المسيحي روحا إيجابية، حيث رأوا أن الانسان العربي الفلسطيني المسيحي له دور في هذا العالم ويخدم فيه هذا العالم. وهذا بالنسبة لي أمر ضروري هو أن نؤكد للعالم أن الوجود العربي المسيحي في الشرق الأوسط هو وجود خدماتي أي خِدمَتِيٌ ووجود صُموديٌ من أجل أن نحمل رسالة لنا ولغيرنا ولشعبنا وللعالم أجمع.