بهدوء شديد ودون كثير من الضوضاء انتهت جماعة الإخوان المسلمين المصرية مؤخراً من تنصيب قيادة جديدة لها، بعد وفاة القائم بأعمال المرشد العام إبراهيم منير في لندن قبل شهور، والزعيم الجديد للإخوان هو «قائم بالأعمال» أيضاً، بسبب أن كلاً من المرشد العام محمد بديع ونائبه محمود عزت معتقلان في السجون المصرية مع آلاف آخرين.
الراحل إبراهيم منير كان رجلاً ضعيف البنية من الناحية الجسدية، لكنه كان شخصية بالغة القوة، وكان مؤمناً جامعاً مانعاً قوي الفهم واليقين، وكان يحظى باحترام وقبول واسع، حيث سبق أن استدعي للحديث في البرلمان البريطاني عندما أمر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بالتحقيق إن كانت جماعة الإخوان منظمة إرهابية أم لا، وسبق أن تحدث في العديد من منابر الشيعة، وحظي برضاهم وقبولهم، على الرغم من أن منير كان أحد أقطاب الخلاف الداخلي الذي أدى خلال السنوات الماضية إلى شرخ كبير داخل صفوف جماعة الإخوان.
ثمة مهمة رئيسية ملقاة على عاتق القيادة الجديدة، وهي إجراء مراجعة شاملة لمسار جماعة الإخوان، وتقييم تجربتها السياسية، سواء في مصر أو في غيرها
جماعة الاخوان أعلنت قبل أيام أنها اختارت الدكتور صلاح عبد الحق البالغ من العمر 78 عاماً خلفاً لمنير، ما يعني أنه أصبح المسؤول الفعلي الأول عن الجماعة، والمرشد العام الفعلي لها بسبب أن المرشد العام معتقل ومسلوب الإرادة وغائب، كما قالت الجماعة إنه تم أيضاً انتخاب «هيئة إدارية عليا جديدة»، وهي الهيئة التي يبدو أنها البديل عن مكتب الإرشاد، الأمر الذي يعني في نهاية المطاف أن قيادة جماعة الإخوان في مصر تغيرت بالكامل. القيادة الجديدة تأتي بعد 12 عاماً على ثورة يناير/كانون الثاني، وبعد عشر سنوات على الانقلاب العسكري الذي أدى إلى الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين وأطاح بأول رئيس مدني للبلاد منذ عقود، كما تتولى هذه القيادة مهامها على وقع خلافات داخلية قاسية وغير مسبوقة، أدت إلى خروج أعداد كبيرة عن التنظيم، وأدت إلى انشقاق عدد من عناصر التنظيم وتشكيلهم قيادة في تركيا، تدعي أنها تمثل جماعة الإخوان وأنها تهيمن على كل شيء في الجماعة (علماً بأن هذا الادعاء ليس صحيحاً، والانشقاق بطبيعة الحال ليس كبيراً من حيث العدد، لكن القائمين عليه هم قادة سابقون ومشايخ رفيعو المستوى). المهم أن القيادة الجديدة التي تتولى زمام جماعة الإخوان تواجه جملة من التحديات الكبيرة، وعليه فإن على كاهلها واجبات لم تكن على كاهل أحد من قبل، وأول هذه الواجبات هو لم شمل الجماعة، التي ظلت طوال العقود الأربعة أو الخمسة الماضية هي الحزب أو التجمع السياسي الأقوى في مصر، والأكثر تأثيراً في الحياة السياسية. والأهم من إنهاء الانقسام الداخلي هو استعادة العناصر والكوادر، التي تبخرت بفعل المحنة التي مرت بها الجماعة خلال السنوات العشر الأخيرة. ثمة مهمة أخرى رئيسية ملقاة على عاتق القيادة الجديدة، وهي إجراء مراجعة شاملة لمسار جماعة الإخوان، وتقييم تجربتها السياسية، سواء في مصر أو في غيرها، لاسيما في تونس والأردن واليمن ودول الخليج، إذ ليس من الحكمة أن لا نأخذ العبرة من التجارب السابقة، وفي هذا السياق لا بد من استذكار تجربة الإخوان المسلمين في سوريا، في عام 1982 ومآلاتها البائسة، حيث ما زالوا يدفعون إلى اليوم ثمن تلك الأخطاء وثمن تلك التجربة الانتحارية. وإلى جانب ذلك أيضاً ينبغي على القيادة الجديدة أن تبحث في سبل الحل السياسي للأزمة التي تعيشها هي كحركة سياسية، والأزمة بينها وبين النظام في مصر، إذ ينبغي أن يكون لدى الإخوان تصور للحل الممكن الذي يقبلونه، وما إذا كان من الممكن أن تلعب بعض دول المنطقة دوراً في ردم الهوة بين النظام في مصر وجماعة الإخوان، على أمل التوصل إلى مصالحة مرضية للطرفين، وهذا الدور قد تلعبه بعض دول المنطقة القريبة من الإخوان، التي استعادت علاقاتها مع القاهرة مؤخراً.
ثمة مهام كثيرة على المستوى الداخلي والخارجي، يجب أن تلتفت لها القيادة الجديدة للإخوان، وأهم ما في الأمر أن عليها تصفير العديد من المشاكل وتسويتها والتوصل إلى تفاهمات مع بعض الناس في الداخل والخارج، حتى لا يتحول أكبر فصيل سياسي في مصر إلى مجرد «دكانة» تُصدر البيانات السياسية وتبعث بها للجمهور على أرقام الواتس آب.
كاتب فلسطيني