أنقرة ـ «القدس العربي»: في تصريحات لوكالة الأناضول الرسمية قبل يومين، أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أقار، أن اليونان سلحت 18 جزيرة في بحر إيجه وشرق المتوسط بشكل مخالف للاتفاقيات، وهو تصريح أثار غضب المعارضة التي وجهت انتقادات حادة للوزير والرئيس رجب طيب أردوغان لصمتهما طوال السنوات الماضية عن تسليح اليونان للجزر، الذي أكد وزير الدفاع بنفسه أنه ليس وليد الأزمة الأخيرة.
وفي تطور لافت، أعلنت البحرية التركية، الثلاثاء، إنذاراً بحرياً حول جزيرة «ساكيز» المقابلة لسواحل مدينة إزمير، جاء فيه أن اليونان تقوم بتسليح الجزيرة بشكل يخالف القوانين الدولية واتفاقية لوزان بشكل خاص، في خطوة غير واضحة اعتبرها البعض إنذاراً بإمكانية التدخل العسكري ومنع وصول سفن يونانية للجزيرة، ورأى آخرون أنها خطوة استباقية تحضيراً لنقل الملف للهيئات الدولية. ومع تصاعد الأزمة الأخيرة بين تركيا واليونان حول الحدود البحرية والجرف القاري والتنقيب عن النفط، عادت إلى الواجهة بقوة مسألة تسليح الجزر اليونانية منزوعة السلاح في إيجه وشرق المتوسط، حيث اتهم المسؤولين الأتراك اليونان بتسليح الجزر بشكل يخالف الاتفاقيات الدولية وبما يشكل تهديداً مباشراً على الأمن القومي التركي.
لكن ورغم لجوء اليونان مؤخراً إلى إرسال قوات مسلحة إلى جزيرة ميس، محور الخلاف الأول بين البلدين والجزيرة الأقرب للسواحل التركية، إلا أن مصادر تركية وتصريحات رسمية أيضاً أكدت أن أزمة تسليح الجزر بدأت من ستينيات القرن الماضي، وتصاعدت في السنوات الأخيرة وتشمل قرابة 18 جزيرة يفترض أن تبقى منزوعة السلاح، وهو أمر لم يتم إثارته في تركيا رسمياً أو إعلامياً في السابق كما هو عليه الأمر في الأيام الأخيرة.
وبعد التركيز الرسمي على مسألة تسليح الجزر وتوجيه تحذيرات لليونان، وجهت المعارضة التركية انتقادات حادة للحكومة والرئيس أردوغان ووزير الدفاع بشكل خاص بسبب ما قالت صمتهم عن هذه المسألة المتعلقة بالأمن القومي التركي طوال السنوات الماضية، وتساءل كثيرون: «أين كان الرئيس ووزير الدفاع طوال السنوات الماضية؟». أوغوز كان، مساعد زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، قال مخاطباً وزير الدفاع: «صباح الخير! أقار كان يتولى منصب قائد القوات البرية، ولاحقاً رئاسة الأركان ووزارة الدفاع. الوزير يقول إن التسليح منذ سنوات أين كنتم، لماذا الآن يتم طرح الموضوع؟، يجب على وزير الدفاع الإجابة على هذه التساؤلات».
بحرية أنقرة تطلق تحذيراً لأثينا بأنها تنتهك اتفاقية لوزان
وقال الناطق باسم حزب الجيد، ياووز آغرالي أوغلو: «الحكومة تقول إن اليونان تسلح الجزر منذ سنوات وتخترق الاتفاقيات الثنائية والقانون الدولي، وتقوم بإرسال الجنود والمعدات العسكرية، السؤال: بينما كان يحصل كل ذلك، أين كانت الحكومة؟ اليونان لم تر موقفاً حازماً من حكومتنا، ما شجعها على الاستمرار بذلك».
ومنذ سنوات، تتهم تركيا اليونان بالتحشيد العسكري في العديد من الجزر القريبة منها والتي تنص العديد من الاتفاقيات الدولية على إبقائها منزوعة من السلاح الثقيل. ومؤخراً، عادت أنقرة لطرح الملف بقوة قبل أن تظهر صور تداولتها وسائل إعلام يونانية وتركية إرسال أثينا عناصر من الجيش اليوناني مدججين بالأسلحة إلى جزيرة «ميس».
وتؤكد تركيا أن تسليح الجزر يشكل تهديداً على أمنها القومي، وتقول إن معاهدة لوزان للسلام «أحدثت وضعاً غير عسكري في جزر بحر إيجه، بعد الأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الأمنية لتركيا، وهذا الوضع استمر في معاهدة باريس للسلام عبر الاعتراف الصريح والواضح به، فهذه المعاهدة خلقت وضعاً حيادياً لصالح تركيا».
وبداية العام الجاري، عقب المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوى، على مسألة تسليح الجزر بالقول: «تنبع هذه المسألة من انتهاك اليونان لالتزاماتها المترتبة بموجب معاهدتي لوزان لعام 1923 وباريس للسلام في 1947، والقانون الدولي» موضحاً أنه «لطالما احتجت تركيا وبشكل دائم على تلك الأنشطة التي تمارسها اليونان أو دولة ثالثة وتنتهك فيها وضعية نزع السلاح، وأن أنقرة تقدمت بالعديد من المبادرات اللازمة لذلك».
وكانت صحيفة «يني شفق» التركية المقربة من الحزب الحاكم، نشرت تقريراً على رأس صفحتها الأولى بعنوان «اليونان تحول بحر إيجه إلى ترسانة أسلحة» وقالت في التقرير إن اليونان نقلت تعزيزات عسكرية هائلة إلى العديد من الجزر في بحر إيجه، ونشرت إحصائيات يتعذر التأكد من دقتها.
وتشير الإحصائيات التي نشرتها الصحيفة إلى أن الجيش اليوناني نشر 20 ألف جندي في جزر يونانية ببحر إيجه كان يمنع نقل الجنود والأسلحة الثقيلة إليها منذ عقود، ولفت التقرير إلى أن التعزيزات أرسلت إلى قرابة 16 جزيرة من أصل 23 جزيرة منتشرة في بحر إيجه وقريبة من السواحل التركية، وإرسال القوات إليها مقيد باتفاقيات دولية.
كما عاد خبراء ومختصون أتراك للتأكيد على أن التسليح اليوناني المتسارع لهذه الجزر ليس جديداً أو وليد التطورات الأخيرة في شرق المتوسط، لافتين إلى أن اليونان بدأت منذ عام 1960 في إرسال الجنود والأسلحة لهذه الجزر بشكل تدريجي ودون ضجة إعلامية، معتبرين أن تصريحات وزير الدفاع التركي، الذي أثار فيها القضية، كانت متأخرة جداً، مطالبين الحكومة التركية بنقل المسألة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.