المعارضة السياسية السورية.. تعددت الأسباب والموت واحد

حجم الخط
0

منذ بداية الثورة في سورية والداخل الثائر كان مستعداً لدفع أي ضريبة مقابل أن يكون لمعارضته السياسية صوت واحد، وتوصل هي بدورها صوته للخارج، وأن تكون هذه المعارضة رغم بعدها، على إحساس بألم هذا الشعب وان تقوم بدعمه.
لعل ما يؤكد هذه الأمور هو أن جمعتين من عمر الثورة السورية الأولى كانت تحت مسمى’ المجلس الوطني يمثلني’ بتاريخ 10-7-2011، والثانية تحت مسمى ‘دعم الائتلاف الوطني’ في 16-11-2012، صرختان أراد من خلالهما الشارع المنتفض إيصال رسالته للعالم، بأن من حق هاتين الكتلتين- الثانية بعد فشل الأولى – أن تمثلاه في أي محفل، ولم يكن أمام الثوار إلا السكوت عن الكثير من تجاذبات وتنافرات هذه القوى والسكوت أيضاً عن اخطائها، على أمل أن يأتي يوم وتتلاشى فيه هذه الأزمات بداخله، إلا أن الذي انتهى، على ما يبدو، المعارضة لا أزماتها. لعبت الكثير من العوامل دورها في الوصول بـ’معارضة سورية السياسية’ إلى هذه الحال، لعل أبرزها هو احتضانها في البداية من قبل تركيا، التي كان من الضروري التريث قبل اختيارها مقراً لها، لسبين مهمين، أولهما عدم وجود أي دولة محاذية لأي دولة من دون مصالح مباشرة أو غير مباشرة، والسبب الثاني هو أن هذه الدولة تحتل مساحة من جغرافية سورية، لذا فلن تكون صادقة في دعمها لمعارضة جارتها سورية. كما أن وجود المعارضة السياسية خارج الجغرافية السورية، كان له انعكاساته على مدى تفاعلها مع الداخل الذي يدفع الضريبة، وأسهم هذا الأمر في وجود شرخ كبير بينهما، على اعتبار أن للجغرافية دورا كبيرا في توحيد الاحساس والموقف، لا بل أن الكثير من صفحات التواصل الاجتماعي المؤيدة للثورة، أكدت انشغال المعارضة السياسية بخلافاتها، إبان مجازر كان ينفذها نظام الأسد على الأرض، أو خلال عمليات اجتياح لمدن كما حدث خلال اجتياح القصير، التي كانت المعارضة يومها مشغولة بقضايا التحاصص.
كما لا يمكن مطلقاً تناسي عامل الهيمنة على قرار المعارضة السياسية من قبل بعض أطرافها، وهـــو الأمر الذي أسهم في ابتعاد الكثير من القوى والشخصيات عنها، بالإضافة إلى عامل الاستماتة على منصب القيادة، وبذل كل ما هو ممكن في ســــــبيل ذلك، من دون أن ننسى عامل الأبعاد الأقليمية والدولية في محاولة ترجيــــح قوة طرف على آخر، من خلال دعمه بالمال. ويمكن القول أيضاً ان من جملة الأمور الأخرى التي ساهمت في ضـــعف هذه المعارضة هـــــو أنها في الغالب معـــارضة شخــصيات، وكان هذا العامل أيضاً من العوامل التي كانت تدق المسمار في نعشها.
في ما لو تم تلافي كل عوامل الضعف وكانت المعارضة في سورية على قدر المسؤولية، الا انها لن تحقق اي نجاح من دون توفر عامل الدعم العسكري، الذي يغير هو لا المؤتمرات والبيانات مسار الأحداث على الأرض، ومن دون توفر هذا العامل من غير الممكن للمعارضة بشقيها السياسي والعسكري أن تكون قريبة من الانتصار، أو من تلك الجماهير التي تضع كل ثقتها وآمالها فيها.
لكن ما الذي يمكن فعله، هل الأصح أن يبقى السوريون من دون معارضة سياسية؟ وما الذي يمكن أن تفعله المعارضة ومزاج القوى الحاكمة يريد أن تكون سورية بلداً يعود إلى ما قبل التاريخ، ولا يرغب في التدخل لحسم المعادلة؟
لماذا فشل المجلس الوطني السوري في حسم موازين الثورة، وتحقيق الانتصار ليأتي بعده الائتلاف ويفشل هو الآخر إلى الآن؟ لا شك أن الثورة التي خرجت وقدمت حلاً لسؤال الديكتاتورية الكبير والعقيم للأسد الأب والابن، تستطيع أن تقدم حلاً لمشكلة المعارضة، الحل من الممكن أن يكون لو أن قسماً من المعارضة تستقر في الداخل، وتشارك من هناك في أداء واجباتها، وكان بامكان المعارضة السياسية أن ترفض أي ضغط من أي جهة، وتكون ملتزمة بمسار ثورتها، وترفض أي تدخل لأي قوى خارج الجغرافية السورية في شؤونها ومحاربتها للنظام نفسه، ولو فرضت المعارضة شروطها هذه لاضطرت القوى الأقليمية والدولية للقبول بحالة الأمر الواقع، فمن المهم بالنسبة لكل تلك القوى أن يكون لها شأنها في سورية المستقبل، ولو رفضت المعارضة السياسية الاملاءات عليها من قبل القوى الخارجية، لكان باستطاعتها إعادة التوازن لصالحها وأن تجبر تلك القوى على التعامل معها بما يخدم مصلحتها هي لا مصلحة تلك القوى.
كان باستطاعة المعارضة السياسية أيضاً أن تسعى لتوجيه البوصلة نحو المعركة الحاسمة في دمشق، والاكتفاء بقوى صغيرة لمسائل الضبط والأمن في المناطق المحررة، في ما لو كانت حسمت موقفها السياسي وأمنت الدعم العسكري حسب شروطها هي، فالنظام بقي يقاوم من خلال سيطرته على المركز، وهو العاصمة دمشق، وكل حملة أو هجوم على غير العاصمة سوف يكون له من الأذى أكثر مما هو مفيد لصالح الثورة وأبنائها.
كان من المطلوب أيضاً من المعارضة السياسية عدم السكوت عن الأخطاء التي ترتكبها قوى عسكرية خارجة عن سيطرتها على الأرض، لا التغاضي عنها لحلها في وقت لاحق، فدفاعها وسكوتها في مراحل سابقة عن هذه الأخطاء، أضفيا الشرعية على قوى كثيرة خارج سرب الثورة، باتت اليوم تعمل بشكل صريح لتطبيق مشاريعها، لا بل إيذاء الثورة وناشطيها واعتقالهم وتصفية قادة للجيش الحر وإعلان حرب مفتوحة معهم. لم يسجل التاريخ على الإطلاق الخلود للطغاة، بل سجل الانتصار للشعوب عليهم، حكاية الثورة السورية أيضاً لا تختلف عن أي ثورة قامت في وجه أي طاغية. بالإمكان للثورة السورية أن تشهد ثورة أخرى داخلها لتتمكن من وضع النهاية لحكم الأسد، وربما هذا الذي بدأ يسمع صداه.

‘ كاتب سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية