أدى الاضطراب السياسي المستمر في مصر إلى تدهور الاقتصاد وتعلق الحكومة الحالية معظم آمالها في الخروج من المأزق على قرض مقترح من صندوق النقد الدولي قيمته 4.8 مليار دولار.لكن رغم تعثر المحادثات مع صندوق النقد في الوقت الراهن، عبر المعارضون للحكومة بل وبعض حلفائها بوضوح عن معارضتهم للقرض.الإجراءت الاقتصادية الصارمة التي يطلبها صندوق النقد وأكثرها إثارة للخلاف هو رفع الدعم عن الوقود وسلع أخرى قرعت أجراس الخطر لدى كثير من المصريين خشية وقوع العبء الأكبر لتنفيذ تلك الإجراءات على المواطن البسيط.لكن رأفت سليمان نائب رئيس تحرير صحيفة (الأهرام) التي تملكها الدولة ذكر أن مصر تواجه أزمة حادة بخصوص قيمة العملة وبخصوص الميزانية وأن الحاجة تدعو إلى الحصول على قرض صندوق النقد واعتراف دولي بسلامة الاقتصاد.وقال ‘يعني هي المسألة مش مسألة مع القرض أو ضد القرض. هي المسألة ماذا يحتاج الاقتصاد المصري. يحتاج الاقتصاد المصري إلى اعتراف دولي في الوقت الحالي وأن مصر دولة تنجز مرحلة اقتصادية جديدة. هذا الإنجاز لا بد أن تعترف به المؤسسات الدولية سواء كان صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو المؤسسات زي الاتحاد الأوروبي وهكذا وكل المؤسسات الدولية.’عدم الاستقرار السياسي منذ الثورة التي أطاحت بنظام الحكم السابق وأعمال العنف والشغب والإضرابات أدت إلى عزوف السائحين عن الحضور إلى مصر وأبعدت المستثمرين وعطلت الكثير من قطاعات الإنتاح الصناعي.وتآكلت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي إلى مستوى متدن حرج كما فقد الجنيه المصري ما يزيد على ثمانية في المئة من قيمته أمام الدولار منذ نهاية كانون الأول/ديسمبر.ويواجه المصريون في ذات الوقت ارتفاعا في كلفة المعيشة.ولم تسفر محادثات الحكومة مع صندوق النقد الدولي عن اتفاق حتى الآن. لكن وزير التخطيط قال في الآونة الأخيرة إن الحكومة تتوقع إبرام اتفاق مع الصندوق وتسلم الدفعة الأولى من القرض بحلول نهاية شهر يونيو حزيران.واقترح الصندوق تقديم قرض عاجل لمصر لحين إبرام اتفاق.المعارضون اليساريون لإدارة الرئيس محمد مرسي التي يقودها الإخوان المسلمون ينتقدون قرض صندوق النقد المقترح ويقولون إنه استمرار للسياسات الاقتصادية التي كانت تنتهجها إدارة الرئيس السابق حسني مبارك.وذكر الناشط الاشتراكي سامح نجيب أن سياسات مبارك التي كان يساندها صندوق النقد لم تسفر إلا عن زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء في مصر.وقال نجيب ‘احنا ضد أي تعامل مع صندوق النقد الدولي. صندوق النقد الدولي سياساته هي سياسات حسني مبارك وجمال مبارك. هم كانوا داعمين طوال 30 سنة من حكم حسني مبارك. والسياسات الاقتصادية اللي اتبعها حسني مبارك هي سياسات صندوق النقد الدولي.. اللي هي ما جابتش إلا مزيد من الفقر للفقراء ومزيد من الثراء للأغنياء. ومش بس كدا.. ما حلتش أيا من المشاكل اللي كانت موجودة لأنها طبعا دي قروض بتدي بشروط والشرط الأساسي فيها هو إلغاء الدعم والخصخصة والحاجات اللي هي أفقرت الشعب المصري.’لكن الحكومة المصرية تقول إن قرض صندوق النقد الدولي سوف يؤدي إلى تدفق مساندات إضافية على مصر في صورة مليارات الدولارات منها مليار دولار من البنك الدولي في السنة المالية التي تبدأ في تموز/يوليو ونصف مليار دولار من البنك الأفريقي للتنمية علاوة على مساعدات من الاتحاد الأوروبي.وبلغت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي 13.5 مليار دولار في نهاية شباط/فبراير وهو أقل من المستوى المطلوب لتغطية الواردات لثلاثة أشهر.ولا غرابة في معارضة اليسار السياسي لقرض صندوق النقد لكن إدارة مرسي تواجه معارضة أيضا من بعض حلفائها الإسلاميين مثل حزب النور السلفي.وذكر نادر بكار المتحدث باسم حزب النور أن معارضة حزبه للقرض لا ترجع لرفض مبدأ الفوائد بل لأن القرض سوف يجبر مصر على مزيد من التنازل عن سيادتها على اقتصادها.وقال بكار ‘احنا مكمن اعتراضنا واجتهادنا السياسي هو أن هذا القرض قيد مكبل لانطلاقة هذا الوطن بعد الثورة ولسنوات أخرى مقبلة. فالمسألة عندنا مش مسألة سعر فائدة. فيه شروط سياسية أقسى بكثير جدا من الشروط الاقتصادية. تكبيل إرادتك.. توجيه المال دا لأغراض معينة.. بالمناسبة ليس هناك شفافية على الإطلاق في ذكر اشتراطات صندوق النقد الدولي على الحكومة المصرية لأخذ القرض. ليس هناك شفافية على الإطلاق لطرح هذا الكلام على الناس. بمعنى الضرائب اللي ح ترتفع.. الدعم اللي ح يسحب تدريجيا من السلع المدعومة.’وكان الصندوق قال إن مصر بحاجة لاتخاذ إجراءات فورية وجريئة وعرض تقديم تمويل مؤقت لمساعدة البلاد لحين انتهاء الانتخابات البرلمانية. لكن مصر أوضحت أنها تريد قرضا كاملا.وذكر محمد جودة عضو اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين أن القرض مؤجل حاليا لحين فروغ الحكومة من بحث كل خياراتها.وقال جودة ‘حتى الآن قرض صندوق النقد الدولي مؤجل. مصر تعيد النظر في خطة الإصلاح المالي والنقدي علشان ما تمسش الطبقات الفقيرة أو محدودي الدخل. أعتقد قد يتأخر قليلا قرض صندوق النقد الدولي. الحكومة المصرية الآن تعد بدائل حتى لو ما حصلتش على القرض هناك بدائل الحكومة المصرية.. هناك مصادر تمويل بعيدة عن قرض صندوق النقد الدولي. القرض.. الصندوق كان قد عرض في الأسبوع الماضي أن يعطي لمصر دفعة مؤقتة أو طارئة في حدود 750 مليون دولار.. الحكومة المصرية رفضت هذا لأن الأمر في مصر لم يصل بعد إلى حد أنها تصل إلى حد أنه مصر تحصل على مثل هذا القرض الطاريء أو العاجل. لكن الأمر ربما قد يأخذ وقت.. ربما يتأخر لحين مجيء مجلس النواب والبرلمان.’ويقول محللون إن الصندوق قد يحجم عن تقديم تمويل لمصر في ظل عدم اتضاح موعد الانتخابات البرلمانية.وبلغ العجز بالميزانية مستويات لا يمكن تحملها وتحتاج مصر إلى ضخ عاجل للأموال لمواجهة الأزمة.ويرى البعض أن قرض صندوق النقد هو طوق النجاة للاقتصاد بينما يرى آخرون أنه خطوة إلى الوراء في بلد يسعى لتحقيق أهداف ثورته ومنها ترسيخ استقلاله السياسي والاقتصادي.qec