نواكشوط- «القدس العربي»: اشترطت المعارضة الموريتانية في رد سلمته أمس رئيس الوزراء الموريتاني على وثيقته التي تضمنت مقترح بنود الحوار المرتقب، توفير مجموعة ضمانات بينها تشكيل حكومة توافقية، وإقامة مؤسسات انتخابية ذات مصداقية، وضمان حياد الإدارة إضافة للتحضير المادي والتقني الجيد.
وأكد منتدى المعارضة في رده على وثيقة بنود الحوار التي وصلت «القدس العربي» نسخة منها «أنه لا بد للتقدم نحو أي استحقاق انتخابي بروح توافقية يوفر قدرا من الاطمئنان لجميع الفرقاء ويخرج البلاد من حالة الانسداد والأزمة التي خلفتها الممارسات الاستبدادية أن يقوم على حوار جدي بضمانات بينها حكومة توافقية، ومؤسسات انتخابية ذات مصداقية، وحياد للإدارة وتحضير مادي وتقني جيد».
وبخصوص الحكومة التوافقية أكد رد المعارضة «أنها يجب أن تكون حكومة ذات صلاحيات واسعة تحترم قوانين الجمهورية، حيث برهنت التجارب الأخيرة أن مثل هذه الحكومة هو الضامن الأمثل للحياد التام للإدارة، والمانع من تجيير المصالح والخدمات العمومية في المنافسة السياسية».
وتوقف المنتدى في رده على وثيقة الأغلبية عند قضية المؤسسات القائمة على الانتخابات، فاشترط «إعادة تشكيل كل من المجلس الدستوري والإدارة العامة للسجل السكاني والوثائق المؤمنة واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، والإدارات ذات الصلة بالعملية الانتخابية بوزارة الداخلية مع تعيين قائمين عليها ممن يحظون بثقة الجميع».
وفيما يتعلق بحياد الإدارة أكد المنتدى أنه «ضمان حياد نفوذ الدولة وسلطانها وتحييد المال العام عن اللعبة السياسية، وهو ما يستلزم إجراءات منها إعداد قانون جديد يتناول حياد الدولة في اللعبة السياسية والمنافسة الانتخابية، وتفعيل القوانين ذات الصلة والنأي بالإدارة عن تعاطي السياسة، وتعيين المسؤولين في الوظائف الادارية، على أساس معايير الكفاءة دونما تمييز في الانتماء السياسي، ووضع حد نهائي لما هو معهود من احتكار الجهاز الاداري وتسخيره لخدمة طرف سياسي واحد، على أن تتخذ إجراءات ملموسة في هذا الإطار قبل أي انتخابات مرتقبة».
واشترطت المعارضة كذلك «فصل الصفقات العمومية والتراخيص المختلفة والخدمات العامة عن السياسة قبل أي انتخابات مرتقبة، مع مراجعة وتطبيق قانون ميزانيات حملات المترشحين، وتحديد سقف مالي لمشاركة الشخص الواحد في ميزانية المترشح».
ومن أبرز ما اشترطته المعارضة في ردها «المطالبة بإعلان رسمي من قبل القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس الجمهورية، بتحريم أي ممارسة للعبة السياسية على أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن الوطني، وإدلاء قادة المؤسسة العسكرية والأمنية بتصريح علني يؤكد الطبيعة الجمهورية للمؤسسة، والتزامهم بأن يكونوا على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين».
وطالبت المعارضة كذلك بإجراء عمليات «تصويت العسكريين في اليوم نفسه الذي يصوت فيه المدنيون وبالطريقة نفسها».
واشترط منتدى المعارضة من ناحية أخرى، «فتح وسائل الإعلام العمومية أمام جميع الفرقاء السياسيين بصورة عادلة ومستمرة على أن تدار هذه المؤسسات من طرف كفاءات مستقلة».
وفيما يتعلق بالتحضير المادي اشترطت المعارضة «مراجعة النصوص الانتخابية بصورة توافقية، والإسراع في إكمال تسجيل المواطنين في السجل السكاني والوثائق المؤمنة في الداخل والخارج وإلغاء الرسوم على بطاقة التعريف، مع القيام بالتدقيق في السجل الانتخابي، وإشراك جميع الفرقاء في إعداد اللائحة الانتخابية».
وينتظر الجميع رد الحكومة على شروط المعارضة وهو الرد الذي يتوقع أن يكون قبولا للتحاور حول ما ورد في الوثيثة بالنظر للاهتمام الكبير غير المسبوق الذي أبدته السلطات بخصوص البدء في حوار سياسي شامل مع المعارضة القصية.
وقد عبر إزيد بيه ولد محمد محمود الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية عن هذا الاهتمام في تصريحات أدلى بها الجمعة وأكد فيها «أن النظام الحاكم في موريتانيا مستعد للحوار مع المعارضة الموريتانية بشقيها الوسط والقصي حول جميع الأمور بما في ذلك تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة».
وأوضح الوزير «أن النظام مستعد للتحاور حول جميع المطالب التي سبق للمعارضة أن تقدمت بها في عرائضها المختلفة».
وقال «لكن ليعلم الجميع أن مسألة الانتخابات الرئاسية المبكرة لم تطرحها الأغلبية الحاكمة وإنما هي مطلب للمعارضة».
وأشار ولد أحمد محمود إلى «أن أطياف الأغلبية اجتمعت واستعرضت مطالب المعارضة وانتقت منها محاور جمعت في وثيقة لتكون جدول أعمال الحوار المتوقع إذا أقرتها الحكومة وقبلت المعارضة التحاور حولها».
وتشتمل هذه الوثيقة التي اطلعت عليها «القدس العربي» مجموعة من القضايا بينها إعادة جسور الثقة بين السلطة والمعارضة عبر إجراءات منها العدول عن إقصاء الأطر ورجال الأعمال المنتمين للمعارضة (إن وجدوا)، وإعادة النظر في تشكيل المجلس الدستوري وتنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، وتنظيم انتخابات بلدية وبرلمانية توافقية جديدة، وتأجيل انتخابات مجلس الشيوخ، وإعادة تشكيل جديدة للجنة المستقلة للانتخابات، والتوافق حول جدولة الانتخابات.
ونصت الوثيقة كذلك على التحاور حول إجراء تعديلات دستورية لإلغاء تحديد السن القصوى للترشح لرئاسة الجمهورية، ومنع تدخل الجيش في الأنشطة السياسية، وإعادة النظر في سلطات الوزير الأول وفي السلطات الدستورية الممنوحة للبرلمان.
وتضمنت الوثيقة النظر في متفرقات أخرى من ضمنها الوحدة الوطنية، والأمن العمومي والخارجي، وقانون الشفافية في تسيير الشأن العام، وحياد الادارة، واستقلالية القضاء، وعلاقات الأحزاب الحاكمة مع الإدارة، وإعادة تعريف زعامة المعارضة».
والذي يجمع عليه المراقبون هو أن هناك أسبابا لم تتضح بعد لتوجه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز الجاد نحو التحاور مع معارضيه.
فمن قائل بأن سبب هذا التوجه هو ضعف داخلي في النظام الحاكم ومن قائل بأن الأمر مجرد مناورة سياسية يحضر الرئيس من ورائها لطبخات عدة بينها السعي لتفكيك المعارضة وخلق وضعية تمكنه من إطالة فترة رئاسته عبر تعديل للدستور.
ويرى البعض أن أطرافا خارجية تضغط باتجاه هذا الحوار لضمان ظهور مؤسسات تشرعية وتنفيذية ذات مصداقية.