المعاناة الدائمة والانتظار الطويل الخانق اللذان يمر بهما العمال الفلسطينيون في طريقهم للعمل داخل اسرائيل
13 - يونيو - 2013
حجم الخط
0
‘الانتقال اليوم رائع جدا’، بهذا أثنى أحد المارة في حاجز ترقوميا على المدير تسيون من وزارة الدفاع. وكان ذلك يوم الاحد في حوالي الخامسة والنصف صباحا. وأثنى عمال آخرون ايضا على سرعة مرورهم في ذلك الصباح من الأقفاص الحديدية والأبواب الدوارة. ‘ليكن كل يوم كهذا’، تمنوا لكنهم عبروا عن خشية ان يكون ذلك بسبب حضور صحيفة ‘هآرتس’ و’رقابة الحواجز’. أكان المرور من عائق القضبان والتفتيشات أسرع مما كان حقا في الاسابيع الاخيرة، لا سيما ايام الاحد الاخيرة؟ يمكن ان نستنتج من حديث تسيون لصحيفة ‘هآرتس’ ومن رد وزارة الدفاع ان التغيير هو ثمرة خيال العمال فقط، لأن الوضع حسن دائما والمرور سريع وسهل دائما. وتقول وزارة الدفاع ان مدة المرور من نقطة بدء الحاجز الى الخروج الى باحة السفر سبع دقائق في المعدل لكل شخص. لكن بحسب حسابات مراقبين مستقلين كانت مدة المسار في يوم جيد كيوم الاحد الماضي 28 دقيقة، أما في ايام اخرى فهي 71 دقيقة للشخص كما تم قياس ذلك في 26 أيار/مايو. ويلائم هذا الفرق في العدد ايضا الفرق الكبير في وصف الحاجز: ‘المنظومة الأكثر انسانية في مجال المعابر’، كما قال لصحيفة ‘هآرتس’ موظف رفيع المستوى في مديرية معابر وزارة الدفاع كان في الحاجز يوم الاحد. وهو مكان استنزاف جسمي ونفسي وإذلال واستخفاف، كما يقول العمال. يحتاج فلسطينيون من الضفة الغربية ذوو تصاريح دخول الى اسرائيل الى المرور بـ 11 حاجزا تتحمل المسؤولية عنها مديرية المعابر. وتقوم بالتفتيش الامني شركتان خاصتان وهما: ‘ثلج ابيض’ في جنوب الضفة و’موديعين إزراحي’ (استخبارات مدنية) في المركز والشمال. وتقول وزارة الدفاع انه يمر في كل يوم أكثر من 25 ألف فلسطيني من هذه الحواجز. والعدد في ترقوميا بين أعلى الاعداد إن لم يكن هو الأعلى، فبين الرابعة والسابعة صباحا يمر من 4 آلاف الى 5 آلاف شخص. في ساعات الصباح الأبكر يخرج عمال رجال: عمال الزراعة أولا ثم عمال البناء بعدهم. وبعد ذلك تخرج عاملات وتجار وآخرون ايضا. يشغل 50 مفتشة ومفتشا من شركة ‘ثلج ابيض’ مراكز التفتيش المختلفة في هذا الحاجز. ويضاف اليهم عدد من رجال الحراسة المسلحين من العمال المباشرين من وزارة الدفاع يتجولون في الحاجز، وفريق الادارة ايضا. وقد اشتكى العمال في الاشهر الاخيرة من ان المرور من الحاجز أصبح عذابا حقيقيا: فهناك الزحام والاكتظاظ الى درجة صعوبة التنفس، وأناس يصابون بجروح بسبب الزحام، بل يوجد من يُغمى عليهم. وقد جاءت نشيطات رقابة الحواجز الى الحاجز في يوم الاحد الماضي وتحدثن الى العمال. وفي ذلك اليوم سمعنا ان الحال في ذلك اليوم ‘كانت أفضل مما كانت في ايام سبقت’. وأُرسل تقرير كتبته اثنتان منهن فُصلت فيه شكاوى العمال الى مديرية المعابر في يوم الخميس الماضي. ذكر متحدث وزارة الدفاع أمس في رده على صحيفة ‘هآرتس’ انه ‘خلافا لما زُعم لا نعرف دعاوى تتعلق بالزحام والاكتظاظ’، لكن صورا في الاسابيع الاخيرة مشوشة في الحقيقة لأنها تمت سرا تُظهر أناسا محشورين داخل الفراغات المحاطة بالقضبان المختلفة داخل الحاجز، ويتسلقون الشبك الحديدي ويتعلقون به أو يقفون على ارضية ضيقة مرتفعة داخل المنطقة، إما لتنفس الهواء وإما للقفز الى مقدمة الصف في اللحظة التي تُفتح فيها الأبواب الدوارة. في يوم الاحد حينما وصلنا الى الحاجز في الثالثة صباحا كان يقف في الصف نحو من 100 شخص خارج منطقة الحاجز. وكان بضع عشرات اشخاص اجتمعوا في فراغ انتظار محاط بصفيح، وهم يستلقون ويجلسون على قطع من الورق المقوى. جاءوا قبل الثانية بعد منتصف الليل قاصدين ان يكونوا أول من يدخلون منطقة التفتيش. وفي الثالثة واربعين دقيقة قاموا واحتلوا اماكنهم في ‘الكُم’ وهو قفص معوج يسوق الصف الى الباب الدوار، وهو الاول بين خمسة على الأقل يمر منها كل شخص الى ان يخرج من الحاجز. وفي الساعة الثالثة وخمسين دقيقة ضغط شخص ما زرا ففتح الباب الدوار الاول. وتقدم الصف في الخارج سريعا ووقف فجأة. ففي فراغ الانتظار الثاني بين الباب الدوار الاول والباب الدوار الثاني اجتمع بضع عشرات من العمال. وفي فراغ الانتظار هذا وهو مُشبك محاط بالصفيح ايضا، غرفة رقابة. ويمكن ان تلاحظ من خلال الزجاج القاتم ألواحا وأزرارا ومُشغلا أو اثنين ورجلا مع بندقية طويلة. ورُكبت في السقف آلات تصوير. ويقول أحد العمال انه رُكبت ايضا اجهزة تنصت تنقل كل همسة الى الموجودين في غرفة الرقابة وتُسمع توجيهات بين الفينة والاخرى بمكبرات الصوت. قُسمت المجموعة الاولى وسُيرت الى بابين دوارين يفضيان الى فراغ ثالث يتشعب الى اربعة مسارات، في كل واحد منها باب الكترومغناطيسي وآلة تصوير شفاف للحقائب والمحافظ. ولكل مسارين غرفة رقابة فيها نحو من خمسة مفتشين ومفتشات أو ستة وبعد ذلك تأتي مواقع تفتيش بطاقات الهوية، ثم موقع التفتيش البيومتري لبصمات الاصابع. ويوجد بابان آخران يفصلان بين الحاجز والباحة التي ينتظر فيها العمال نقلهم الى العمل. يبدو ان السر هو في وقت الانتظار بين فتح باب دوار وآخر، وبين الانتظار بين كل محطة تفتيش واخرى. يزعم العمال ان المفتشات والمفتشين في الايام السيئة ‘يلهون’ ببساطة في غرف رقابتهم، ويتأخرون في تفتيش البطاقات ويدعون مجموعة الانتظار الثانية تنتظر الى ان يخرج آخر شخص من المجموعة التي قبلها من محطة التفتيش، ويتضاحكون بينهم. ويدفعون في وزارة الدفاع هذه المزاعم. وعلى كل حال كان وقت الانتظار بين محطة واخرى في يوم الاحد الذي انضممت فيه الى العمال في هذا المسار، كان قصيرا. على حسب معايير لا يعرفها العمال يوجه المفتشون والمفتشات عددا منهم الى آلة رنتغن لتصوير الجسم. ويتقدمون اليها عن طريق غرفة انتظار مغلقة أُغلقت بباب من الحديد ‘كما في ملجأ’. ويجمع المفتشون والمفتشات عدة اشخاص في الغرفة المغلقة ثم ينقلونهم ليصوروا بالآلة. وقد قيل لـ’رقابة الحواجز’ انه يُجمع هناك في الأكثر 12 شخصا. لكن العمال يقولون انهم يجمعونهم في مجموعات تشمل بين 20 الى 40، وينتظرون هناك نوبة ‘تصويرهم’ بالآلة التي لا يعلمون مبلغ خطر اشعاعها على صحتهم. في يوم الاحد، تحدث لصحيفة ‘هآرتس’ شخص في نحو الخمسين من عمره عن انه يُطلب اليه ان يدخل ويخرج الى آلة التصوير ومنها اربع مرات. ويُطلب اليه في نهاية الامر ان يخلع ملابسه. وقضى ساعة هناك وحينما خرج من منطقة الحاجز تحدث باكيا تقريبا عن انه تبين له ان سيارة نقله قد غادرت وان عليه ان يعود كما جاء. وتحدث عمال آخرون عن انه طُلب اليهم ان يدخلوا الآلة ويخرجوا عدة مرات. وفي كل ذلك الوقت بقي سائر العمال في الغرفة المغلقة، يطلبون الهواء ليتنفسوا كما قالوا. واستنتجوا ان شيئا ما قد تعطل في الآلة. وجاء عن وزارة الدفاع ردا على ذلك ان ‘منظومة الفحص عن الناس مثل المنظومات الموجودة في المطارات، ترمي الى ان تضائل الى أدنى حد الحاجة الى التفتيش الجسمي فبقاء الناس في منطقة آلة الفحص لا يزيد على 6 دقائق. ومن الزائد ان نذكر ان تفتيشا آخر بآلة الفحص أفضل من تفتيش جسمي يطول أكثر’. وجاء عنها ايضا ان آلات الفحص سليمة وتجري عليها اختبارات سلامة كل يوم (لأنه لم يُطلب رخصة زيارة الحاجز مسبقا لم يُسمح لصحيفة ‘هآرتس’ ان ترى الغرفة المغلقة). في يوم الاحد الماضي أُجيبت ناشطتان من رقابة الحواجز تحدثتا الى أحد المفتشين وطلبتا الاستيضاح بشأن الغرفة المغلقة، أُجيبتا ‘آه، غرفة الموت’. وينكرون في وزارة الدفاع إنكارا تاما أن يسمي المفتشون الغرفة المغلقة بهذا الاسم. ومهما يكن الامر فان الحبس والانتظار في هذه الغرفة المغلقة في وقوف مستمر أصبحا رعب الجميع. وقبلت وزارة الدفاع دعوى واحدة من رقابة الحواجز وهي أن رقم الهاتف الذي يفترض ان يتصل به العمال في حال حدوث مشكلة لم يرد كما تم الوعد. وتم اصلاح ذلك فورا كما ورد في رد الوزارة. في الثالثة والنصف فجرا، حينما كان طرف صف الانتظار الاخير لا يُرى من بدايته، طلب داود ابن الثامنة والخمسين وهو عامل بناء يعمل في اسرائيل منذ 35 سنة ان يقول شيئا ما فقال: ‘حينما يشترون سلعة يريدونها جديدة وصالحة. أما أنتم الاسرائيليون فتشترون قوة عملنا نحن الفلسطينيين وتصل اليكم مستعملة ومتعبة’.