“المعسكر الرسمي” يلعب دور ورقة التوت لعورة نتنياهو.. وناصر القدوة: الدولة أولاً

حجم الخط
0

ناحوم برنياع

حجم قوات الجيش الإسرائيلي في “يهودا والسامرة” أكبر الآن من حجم القوات في قطاع غزة. إذا ما أصررنا على التعريف لما يجري الآن في القطاع فهو أقرب إلى القتال منه إلى الحرب. تطهير المنطقة من فوق الأرض ومن تحتها صعب وخطير. ويجبي ثمناً يومياً بالقتلى وبالجرحى. لكن النطاق والتوقعات والمخاوف التي رافقت أشهر القتال الأولى انكمشت بشكل دراماتيكي. غزة في أيدينا: ماذا الآن. إنجاز المقاتلين في الميدان هو وجع رأس السياسيين الذين انتخبوا لقيادتهم. خمس كلمات يحرص نتنياهو على قولها في كل خطاب له: حرب، انتصار مطلق، بمعونة الرب، ولا يؤمن بأي منها.

اعتاد غانتس وآيزنكوت في سنواتهما بالجيش على العمل بالأوراق. هكذا هو الحال في الجيش: الكثير من الجيوب في السترة العسكرية، وفي إحداها دفتر صغير، غالباً مع رمز الوحدة. يتوقع الجيش من الضابط أن يسجل في الدفتر كل ما قد ينساه، ثم يحول الملاحظات إلى ورقة أخرى، تكون أساساً للمداولات. قد لا يعرف جيل الجنرالات القادم ما هو الورق: ستوظف كل حكمته في الخلوي. ولكن غانتس وآيزنكوت (وكذا هرتسي هليفي) ينتمون للجيل القديم.

يعمل الناس بشكل مختلف في السياسة: الوزراء يأتون إلى الجلسات مسلحين بالمساعدين، وليس بالأوراق. الأوراق تخيفهم: فهي ملزمة ورسمية جداً، ويسهل تسريبها؛ وصعب التنكر لها. في “الكابينت الضيق” تصطدم الثقافة بالثقافة.

خمس أوراق عرضها غادي آيزنكوت على الكابينت. وقد صنفها بلقب “سري”. الأربعة الأولى لم تصل إلى وسائل الإعلام كما هي، ربما لأن الرقابة العسكرية في “الكابينت الضيق” رأت في بداية الحرب محفلاً عسكرياً سرياً وليس سياسياً. أما الخامسة فنشرها يوم الإثنين، يرون أبراهام، المراسل السياسي لأخبار 12. اعتقدت دوماً أن الطريق الأكثر حكمة لدفن وثيقة ما هي نشرها: ضيق نظر الزملاء في المهنة سيحرص على مهمة الدفن. لعله كان الدافع هذه المرة أيضاً، ولعل دوافع أخرى كانت هناك: طرائق المسرب متضاربة.

مهما يكن من أمر، فإن ما كتبه آيزنكوت جدير أن يطرح على الجدال الجماهيري. فقد ذكر ما تحقق وما لم يتحقق في الأشهر الأربعة من القتال: تحقق تقويض حماس في معظمه؛ وإعادة المخطوفين في قسم منه؛ وإعادة الأمن في قسم منه؛ وإنهاء الحرب لم يتحقق قط. ذكر سلسلة من المواضيع التي يفترض بالكابينت أن يقرر بشأنها: مخطط إطار لإعادة المخطوفين قبل دخول شهر رمضان؛ ومنع انتفاضة ثالثة في الضفة؛ والدفع قدماً ببديل مدني لإدارة غزة؛ وإعادة السكان في الغلاف وفي الشمال إلى بيوتهم. لكن نتنياهو منع أو عرقل القرارات في كل هذه المواضيع.

عندما قرر حزب المعسكر الرسمي الانضمام إلى الحكومة، اقترح آيزنكوت فحص القرار وفقاً لمعيار واحد: مدى تأثير غانتس وتأثيره على القرارات. منظمات الاحتجاج مقتنعة بأن التأثير صفري: كلاهما سترة واقية، ورقة التين لحكومة نتنياهو.

هما مقتنعان بأن تأثيرهما ذو مغزى، والمحاضر تشهد. كان لهما تأثير كبير إلى سياسة استخدام نار الجيش الإسرائيلي في غزة والشمال. وفي القائمة أيضاً: جهد منع الانفجار في الضفة في رمضان؛ والخطاب الواسع عن اليوم التالي؛ ومحاولة الوصول إلى قانون تجنيد آخر، أقل تمييزاً؛ ومشاركة إسرائيل في المحادثات على صفقة المخطوفين المتجددة في باريس اليوم. وبكلمات أخرى: الإحساس بأن بن غفير وسموتريتش يقودان الحكومة صحيح جزئياً. تأثير غانتس وآيزنكوت واضح في كل ما يتعلق بالأمن.

قد نصيغ الأمور بشكل مختلف: لنا حكومة يعرف كل وزير فيها ما يريد رئيس الوزراء عندما يتعلق القرار بمصلحته الشخصية؛ أما بخصوص المواضيع الأخرى فلا وزير يعرف ماذا يريد رئيس الوزراء. كل طرف يدفع قدر استطاعته. في هذا الواقع، من يسارع للاستقالة يترك الدولة للسموتريتشيين.

هما يتجهان إلى الانتخابات في أيلول أو كانون الأول. حتى لو أراد نتنياهو استقالتهما، فليس لهما نية للاستقالة. خصوصاً الآن.

أحد المقاطع الكلاسيكية في “حقيبة الأكاذيب” يروي عن مردخ، الصياد الطبرياني، الذي اشترى فانوساً جديداً. عندما خرج إلى الإبحار في بحيرة طبريا قال له الأصدقاء: القِ بالفانوس إلى الماء. فرفض. قالوا له، ليس لك شخصية. في النهاية، عندما ألقى الفانوس إلى الماء قال له الأصدقاء: أرأيت، ليس لديك شخصية. كل واحد يمكنه التأثير عليك.

قبل كل شيء، دولة

ناصر القدوة (70 سنة)، ابن أخت ياسر عرفات، كان لـ 15 سنة سفير م.ت.ف في الأمم المتحدة وشغل وزير خارجية السلطة الفلسطينية لسنة واحدة. في 2021 قرر التنافس في قائمة مستقلة في الانتخابات للسلطة. فدوى، زوجة مروان البرغوثي الحبيس في إسرائيل، كانت رقم 2 في القائمة. أبو مازن لم يغفر: أطاح بالقدوة من اللجنة المركزية لحركة فتح، وطرده من مناطق السلطة. وألغيت الانتخابات. أما الآن فهو يسكن في نيس، بفرنسا.

القدوة حليف محمد دحلان، الخصم الآخر لأبو مازن. مثلما كان للقرابة العائلية لمناحيم بيغن ذات مرة وزن في الليكود، فإن لقرابة عرفات العائلية وزن أيضاً في الشارع الفلسطيني. الأمير المنفي يبقى أميراً. في الأشهر الأخيرة، يسافر من عاصمة إلى عاصمة في العالم العربي في محاولة لنيل تأييد لخطته لاستبدال الحكم في رام الله وإعمار القطاع. يرى في أبو مازن الرجل السيئ، إلى جانب نتنياهو. الفجوة بين ما يعرضه وما ستكون أغلبية الإسرائيليين مستعدة لقبوله، فجوة شاسعة. أول أمس، التقينا في حديث “زوم” طويل.

أي تسوية يمكنها أن تنجح في غزة في اليوم التالي؟ سألت.

“المطالب الفلسطينية للتسوية مفهومة من تلقاء ذاتها”، أجاب. “وقف الحرب، وانسحاب إسرائيلي تام من كل القطاع. لإسرائيل مطالب أمنية يجب معالجتها. المرحلة الأولى هي تبادل السجناء. ويجب أن يؤدي هذا إلى حل أوسع للنزاع”.

يخيل أنك ترى في الحرب فرصة، وليس فقط مأساة؟

“الوضع فظيع”، قال. “نعم، مأساة. لكنه ينطوي أيضاً على وعد بمستقبل للشعبين. المشكلة أن رئيس وزرائكم يمنع كل شيء: يمنع التغيير اللازم في غزة، ويمنع الطريق إلى المستقبل. أصدقاء إسرائيل، بمن فيهم الصديقة الأفضل لكم، أمريكا، بدأوا يفهمون بوجود فرق بين مصلحة الدولة ومصلحة من يقف على رأسها. هذا بالتأكيد جديد”.

هل يمكن لحماس أن تلعب دوراً في مستقبل غزة والضفة؟ بالنسبة لنا هذه مسألة حرجة.

“الوضع سيتغير. لا شك في ذلك”، أجاب. “بعد الحرب ستكون لنا حكومة جديدة مسؤولة عن الضفة وغزة في آن واحد. لن تكون حماس جزءاً منها. يمكننا أن نضعف حماس، لكن بيانات حكومة إسرائيل عن تصفية حماس، إبادة حماس، لن تخرج إلى حيز التنفيذ”.

ماذا سيكون أساس الحكومة التي تتحدث عنها؟

أعتقد أنها ستلبي ثلاثة مطالب: ستكون لها شرعية لدى الجمهور الفلسطيني وفي ساحتنا السياسية، وستكون لها قدرة تنفيذ؛ وسيكون لها دعم الدول التي يفترض أن تقدم المال.

“القيادة الحالية يجب أن ترحل. قلت هذا حتى قبل الحرب. بعد الحرب، كل فلسطيني يفهم بأننا لن نسمح لأنفسنا بحرب داخلية. وعليه، قلنا “حسناً” نتساوم: أبو مازن يمكنه أن يبقى رئيساً، لكن بوظائف طقسية. الفلسطينيون تواقون لحكم يقدم لهم الخدمات التي يفترض بالحكومة أن تقدمها.

“في المرحلة الأولى، تكون حكومة بدون سياسيين، ثم تجرى انتخابات لاحقاً. صندوق الاقتراع هو الحل الصائب. لكن ليس الآن. علينا الآن أن نهتم بمليوني فلسطيني نزحوا من بيوتهم”.

أبو مازن طردك من قيادة فتح؟

“بخلاف ما هو دارج التفكير”، قال “صدامي مع أبو مازن حصل قبل قضية الانتخابات. بدأ هذا بانتقادي لإجراءات الرئيس المناهضة للديمقراطية. أخرجني من اللجنة المركزية، وهذا قرار غير قانوني على نحو ظاهر، بعدها أقمنا قائمة للانتخابات ودمجناها مع قائمة البرغوثي. المفارقة أنه كلما تعززت قوتنا في الجمهور، انخفض احتمال إجراء انتخابات. وبالفعل، ألغيت الانتخابات.

هل يستطيع محمد دحلان ومروان البرغوثي تأدية أدوار في السلطة الجديدة؟

“ليس صحيحاً استخدام الفيتو على أحد. سيكونان جزءاً من القيادة، لفتح وللسلطة. أما ما سيفعلانه فهذا منوط بهما”.

حتى هذه اللحظة لم تذكر في حديثنا كلمة إرهاب. نحن نتحدث عما فعله سياسيون في الطرفين، لكن أكثر منهم، الإرهاب هو العنصر الذي نجح في عرقلة كل محاولة للوصول إلى التعايش.

“ليس للفلسطينيين مشكلة في اتخاذ موقف في هذا الموضوع. المشكلة في وجود من يفترض بأن حياة الفلسطيني أرخص من حياة الإسرائيلي”.

للإرهاب آباء، مثلاً: إيران، الإخوان المسلمون.

“ذكرت إيران”. “أعتقد أن إيران امتنعت عن التدخل المباشر في الحرب، سواء هي أو وكلاؤها، وهناك نتائج. انخفض حضور إيران في المجال الفلسطيني في زمن الحرب”.

  • هل أنت خائب الأمل من عدم نشوب حرب بين إيران وإسرائيل؟

“لست خائب الأمل، إنما أعرض الحقيقة. وهو الحال بالنسبة للإخوان المسلمين. لا أنوي الدفاع عنهم: نحن مختلفون. لكن هناك إسرائيليين اعتقدوا أنه يجدر ضخ أموال نقدية لهم بسبب حرب غزة. عندما يصل السياسيون إلى قرار غير صحيح، تنشأ فوضى كبيرة”.

هل تسعى لتأدية دور في إعمار غزة؟

“اسمح لي أن أعدلك؛ لن يكون فصل بين غزة والضفة. حجوم الدمار تتطلب من الجميع التجند. أنا جاهز لأقدم نصيبي”.

ألا تخف من أن يتهم كل فلسطيني يأخذ مسؤولية عن غزة، بالتعاون مع إسرائيل؟

“لا، بشرط أن يتم هذا بطريقة تخدم المصلحة الفلسطينية. إذا انسحبت إسرائيل وأقيم إطار سياسي يسعى بجدية لإقامة دولة ولا يتورط بهراء يسمى مسيرة السلام – فالجواب: لا. إذا لم تحصل هذه الأمور، فسيكون الفشل مضمونا. لا أحد يريد تحمل المهمة على عاتقه.

“إعمار غزة مهمة صعبة حتى بدون وجود إسرائيلي. وكيف بوجوده؟ سيكون متعذراً”.

“في 2005، في زمن ما سميتموه “فك الارتباط”، لم تفكوا ارتباطكم عن غزة حقاً. الجيش أعاد انتشاره – هذا كل شيء. واصلتم التحكم بالأرض والماء والهواء. وفي وقت لاحق، فرضتم الحصار على غزة. حتى بدون وجود جنود إسرائيليين، كانت غزة أرضاً محتلة”.

أنت سياسي مجرب، تعرف بأن مشاكل الأمن لإسرائيل حقيقية. القلق من تكرار فظائع 7 أكتوبر تقض مضاجعنا. وهذا حاد بشكل خاص لدى سكان الغلاف.

“أفهم، لكن تقع على عاتق الإسرائيليين مسؤولية لما حصل. تتحدثون الآن عن سياسة سلام كانت لكم وفشلت، هذه ليست حقيقة. بل اتبعتم سياسة فرق تسد.

“الحكومات الغربية أعطتكم القوة لمنع قيام دولة فلسطينية. في اللحظة التي وافقت على أن حل الدولتين لن يأتي إلا من خلال مفاوضات مباشرة، أعطت إسرائيل الفيتو. انتقلت إقامة الدولة إلى الحسم في السياسة الإسرائيلية الداخلية”.

  • هل تعارض المفاوضات المباشرة؟

“أؤيد المفاوضات المباشرة، وهناك الكثير من المواضيع الحرجة التي يجب التوافق عليها. لكن دولة أولاً، ثم مفاوضات بعد ذلك: يجب تعديل الطاولة. التغيير في هذا الموضوع يحصل الآن. دبلوماسيون غربيون، بما في ذلك المستشار القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية، لم يعودوا يتحدثون عن حل دولتين، بل عن دولة فلسطينية”.

هل يسمحون لك بالعودة إلى رام الله؟

“نظرياً، نعم. يمكنني أن أذهب إلى الضفة الغربية. لكن هناك بضعة أشخاص… لا أصدقهم. عندنا تجربة مع مثل هذه النماذج في كل العالم. لست مستعداً للمخاطرة”.

 يديعوت أحرونوت 23/2/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية