المعلق الرياضي… نجماً للوقت بدل الضائع

حجم الخط
7

كرة القدم في تطور دائم، لا تكاد تمر سنة دون إدخال تحسينات أو تعديلات من شأنها الرفع من مكانة هذه الرياضة الأكثر جماهيرية، كل مرة قوانين جديدة مع تكنولوجيا حديثة تُرافقها، القوانين لا تلبث أن تتغير أيضاً، وليس مفاجئاً أن تكون الكرة المادة الأكثر حضوراً في وسائل الإعلام، لا توجد مطبوعة أو محطة تلفزيونية أو إذاعية لا تهتم بأخبار المنافسات والبطولات المحلية أو الدولية، كما أن هذه الرياضة هي المادة الرئيسية في جلسات الثرثرة والنميمة في المقاهي، أو في الحارات المظلمة، ليست حكراً على طبقة اجتماعية دون غيرها، كل مباراة ترافقها ترسانة من الكاميرات ومن المصورين، كلهم يعملون مثل جوقة واحدة قصد ضمان إخراج جيد للحدث، والمتفرج في بيته يشاهد ما يحصل في مستطيل أخضر، لا تخفى عنه خافية مما يدور في الملعب أو في مدرجاته، بل أيضاً في غرف تبديل الملابس، أو في الرواق الذي يفضي إلى الملعب، يعرف من البداية أسماء التشكيلة والمدرب، كل المعلومات تعرض على الشاشة، تعرض عليه أيضا درجة حرارة الطقس في المكان الذي تجري فيه المباراة ومعدل الرطوبة وأعداد الجماهير الحاضرة، يعرف أسماء الحكام واللاعبين الاحتياطيين، يعرف من حضر ومن غاب، تعرض عليه الصور من زوايا مختلفة، بل من زاوية علوية أيضاً، بالاستعانة بطائرات دون طيار، يحظى برؤية ثلاثية الأبعاد لذلك الحدث الكروي، لا يغيب عن ناظريه أدنى تفصيل.
مع ذلك ورغم كل ما تناله مباراة كرة قدم من تغطية ومن حشد للكاميرات، فلا بد أن يخترق الأسماع صوت معلق رياضي، هل نحن فعلاً في حاجة إلى معلق؟ لا يفيد في شيء بحكم أن كل المعلومات التي سيلقيها سبقته إليها الكاميرا. كان في زمن سابق من المفيد توريط معلق قصد إتاحة كل المعلومات المتعلقة بالمباراة للمشاهد، أما اليوم، أليس يبدو دوره ثقيلاً؟ يكرر ما يعرفه الناس. والغريب أن المعلقين الرياضيين لم يكتفوا بدورهم في تكرار المتعارف عليه، بل صاروا يتلبسون دور أبطال بلا بطولة، لا يقدمون شيئاً مع ذلك يتقمصون دور النجومية، ماذا فعل معلق رياضي على مباريات كرة قدم كي يصير اسماً مشهوراً بين الناس؟

إذا كان للمعلق الرياضي من المنفعة فيعود له الفضل في الرفع من ضغط دم المشاهدين، لا يقوم بعمله كما تفرضه أصول، لا يكتفي بالكلام بل يهيج الأعصاب، قد ينفعل ويثير انفعال المتفرجين من لا شيء.

مثل عداء لا يركض

إلى وقت قريب لم نكن نعرف أسماء المعلقين الرياضيين، على مباريات الكرة، نسمع صوتهم دون أن نرى وجوههم، نكتفي بتعليقاتهم في وقت لم تكن المباريات تُنقل بالتكنولوجيا ذاتها كما هي عليه اليوم، أما في الفترة الأخيرة فقد صار المعلقون نجوماً يزاحمون اللاعبين، بل من المعلقين من تجاوزت شهرته اللاعب أو المدرب، مع أنه لا يفعل شيئاً يستحق ذلك الاحتفاء كله، فكل زاد المعلق المعرفي يتوقف على ثقافة عامة في شأن تلك الرياضة، جلها متاح على الإنترنت، يحدد فضاء معارفه بما يدور في كرة القدم فقط لا غيرها، لم يسبق أن سمعنا معلقا ينتقل بين رياضتين، لأنه لا يملك من الثقافة ما يسمح له بذلك، ذلك المعلق يشبه عداءً لا يركض، ينتظر المتنافسين على خط الوصول كي يشاركهم أفراحهم، هكذا صار الناس يتعلقون بمعلق، حسب نتائج فريقهم المفضل، إن فاز سوف يحبون ذلك المعلق، إن خسر فريقهم سيحصل العكس، لذلك نجد هذه الطبقة الإعلامية من المعلقين حريصة على اختيار المباريات التي تبث فيها صوتها، إن كانت مباراة خاسرة على الورق فإنهم لا يزجون بأنفسهم فيها، كي لا تسوء صورتهم في عقول الناس.
العملية أشبه بشعوذة، يتحينون الفرصة في كسب ود الناس ويتخفون كلما أحسوا أن نتيجة المباراة لن تكون في صالح جمهورهم. لم يسبق أن عرفنا معلقاً رياضيا يكتب، وإن كتب فمن أجل أن يحكي عن نفسه لا عن غيره، هم مهتمون بالصورة والصوت، بالتقاط لحظاتهم مع النجوم لا مع الجمهور الذي يستمع إليهم، يمارسون لعبة الإغواء لا الإصغاء، كما أنهم في خصومات دائمة في ما بينهم، في معارك مسكوت عنها، على الرغم من أنهم لا يقدمون إضافة إلى المباراة، فإنهم يتنافسون في ما بينهم على لقب أفضل معلق! كما يمكن أن نحكم على فلان، أنه يعلق على المباريات أفضل من الآخر؟ لا توجد معايير، فالأمر متروك للمزاج، والمعلق الناجح هو من يظفر طوال الموسم بشرف التعليق على المباريات التي يفوز بها الفريق الأكثر شعبية بين الناس، هو يلتقط ضوء الآخرين ويبني عليه مجده.

لا مكانة للنسوة

إذا كان للمعلق الرياضي من المنفعة فيعود له الفضل في الرفع من ضغط دم المشاهدين، لا يقوم بعمله كما تفرضه أصول، لا يكتفي بالكلام بل يهيج الأعصاب، قد ينفعل ويثير انفعال المتفرجين من لا شيء. كما قد يكون له دور عكسي في تحويل مباراة إلى منوم، في حال استقر به الحال في تعليق رتيب، لذلك صار من المريح مشاهدة المباريات مع قطع الصوت، أو مشاهدة المباراة من محطة أجنبية، مع معلق محايد، يعلق دون بهارات، ودون إثارة للأعصاب، وإن هذا الحال في التعليق الرجالي على مباريات الكرة، فالسؤال الذي ما يزال يراوح مكانه منذ سنين: لماذا لا توجد معلقات نساء على كرة القدم؟ مع أنهن بدأن في الظهور في البلاتوهات أو في التقاط تصريحات بعد نهايات المباريات، لكن لم يصل المقام بإحداهن أن صارت معلقة عن مباراة كاملة؟ بل إننا نشاهد مباريات في كرة القدم النسوية يعلق عليها رجال. يبدو أن مكانة المرأة ما تزال في البيت، أو على المدرجات في حالات نادرة في بعض الملاعب العربية، وما دام لم يسمح لها بالتعليق فعلى المتفرجين الاكتفاء بصوت رجالي، مع ميله غير المبرر إلى إثارة المشاعر وتحويل المباراة إلى ما يشبه حالة مصارعة إغريقية، ثم السطو على نجومية مع أنه لا يبذل أدنى جهد من أجلها.

روائي جزائري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أسامة حميد -المغرب:

    ” لذلك صار من المريح مشاهدة المباريات مع قطع الصوت” هذا ما أفعله منذ سنوات. لا أُطيق سماع صوت المعلق لأنه يزعجني ويرفع مستوى ضعط الدم عندي . بعض المعلقين يمارس التهريج وليس التعليق. أتفق تماماً مع رأي الأستاذ سعيد خطيبي فلا فائدة ترجى من المعلق لأن الصورة تقول كل شئ. ما معنى أن “يخبرني” المعلق أن فلان مرر الكرة لفلان وأنا أشاهد هذا بأم عيني بل إن نفس اللقطة قد تعاد عدة مرات وبالعرض البطيء. أظن أن هذه “المهنة” يجب أن تنقرض.

  2. يقول علي:

    كتبت في تعليق سابق لي منتقذا واحدا من المعلقين الرياضيين الذين يعتقد ان شهرته اصبحت تنافس شهرة ميسي ورونالدو… قلت بأن اي متتبع رياضي لكرة القدم يمكنه ان يصبح معلقا للدوري الانجليزي او الاسباني او الايطالي بكل سهولة. فقط عليه بمتابعة بطولة من هذه البطولات بشكل مستمر لمدة سنة وسيكتسب ويتعلم ويحفظ اسماء اللاعبين وتاريخهم وامجادهم وبعدها يمكن ان يصبح معلقا رياضيا. واذا لم يكن ذلك كافيا فتفحص الانترنت يمكن ان يجعل قاموسك الرياضي مليئا….

  3. يقول ملاحظ مغربي:

    أقل شيء يمكن مطالبة المعلق به هو مراجعة قواعد اللغة العربية. لأنه يتم الأعتداء على مسامعنا من قبل بعض المعلقين.

  4. يقول ملاحظ مغربي:

    ونظرا لما سبق ذكره أصبحت شخصيا أتابع التعليق الفرنكفوني أو الانجليزي ربما للأبتعاد عن بعض المعلقين والذين تحوم حولهم الشبهات.

  5. يقول عبد الرحيم المغربي .:

    كان التعليق الرياضي في الماضي مغربا ومشرقا عبارة عن مدارس ترتبط بكل معلق بعينه.. في جمالية الوصف…وروعة الإستعارة البلاغية…واضفاء مسحة الحماس البعيد عن المبالغة…الى درجة أن الجماهير كانوا يتمنون أن يكون معلق قمة الدوري أو الكأس فلان… أو فلان…؛ وذهب عصر الافذاذ…وحلت محله مدرسة الصراخ…والانفعال المصطنع…والوصف البعيد عن واقع ومجريات الموصوف…ولذلك أصبح الكثيرون ومنهم العبد لله يفضلون مشاهدة المباريات معزولة عن صوت المعلق…

  6. يقول إدوارد:

    تحليل جد موفق أستاد سعيد
    ظاهرة التعيلق الرياضي عارض من أعراض المرض العربي لكنها “تحورت” وصارت مرضاً مستقلاً بداته.
    العملية في الأساس هي فعلا شعوذة وأيضاً إنتحال صفة ما كان لها أن تتم لولا تدهور منظومة التعليم والأنحسار(المقصود والمبرمج) لدور المثقف.
    شعودة لأنها لعب وإستغلال لمساحات الفراغ التعليمي-الثقافي التي تنتجها أنظمة المنطقة العربية.
    إنتحال لأنها تمنح المعلق صفة شاعر, مفكروأحيانا فيلسوف بمباركة الجمهور مسلوب الأدراك معطوب الفكر معدوم الدائقة.
    لا ننسى أيضا أن الدور المتعاظم للكرة قد ساهم في عملية النصب على أكثر من مستوى. هكدا نجد المدرب الأسباني غوارديولا ( الملقب ب”الفيلسوف” لدى معجبيه) يقدم قراءات شعرية على مسرح لندن ! نزوة مليونير في زمن الرداءة الفكرية ؟ بل رغبة لاواعية في تبرير ملايينه بأدعاء أنه “أكثر من مدرب”. ما كان لغوارديولا أن يحاضر في الشعر ولا لمعلقي الكرة أن ينتحلوا صفة شاعر لولا إنهيار المؤسسة التعليمية + التغييب الممنهج للمثقف المبدع ما يتيح لمعلقي الكرة بالمنطقة العربية أن يصيروا ليس فقط أدعياء فكر بل -وهدا هو الأخطر- قادة رأي.
    تماما كما يصير الأعور ملكاً في مملكة العميان.

  7. يقول عصام:

    فكرة جيدة وجب تصديرها للغرب. وقف المعلقين الرياضيين و نقل المباريات صورة فقط

إشترك في قائمتنا البريدية