الرباط ـ «القدس العربي»: بينما تتواصل عملية تطعيم المواطنين والأجانب المقيمين في المغرب، يترقب المغاربة ما ستعلن عنه السلطات العمومية بخصوص التدابير والإجراءات الاحترازية التي سيتم اعتمادها خلال شهر رمضان الكريم.
هذا الترقب يأتي وسط العديد من التكهنات، منها ما يستمد استنتاجاته من تصريحات مسؤولين، وأخرى مجرد تخمينات تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي والتي لا تتعدى مسافة الاجتهاد الشخصي لأصحابها.
بين هذا المد والجزر، يبقى أصحاب المقاهي والمطاعم مثلاً في حيص بيص، حائرين تائهين يترقبون ما ستقرره السلطات العمومية، خاصة بعد شهور الحجر الصحي القاسية، وشروط إعادة الفتح التي كانت صارمة من أجل مواصلة احتواء الوباء والحد من تفشيه وفق النهج الاستباقي الذي سار عليه المغرب منذ أول حالة ظهرت في المملكة في آذار/ مارس من السنة الماضية.
مشهد مربك
أصحاب المقاهي ليسوا وحدهم، أغلب المغاربة افتقدوا تلك الحميمية التي يأتي بها رمضان، وتلك المساءات المنعشة للروح خلال صلاة التراويح وللعاطفة بالتجمعات العائلية، الغالبية العظمى تتمنى أن يتم تخفيف الإجراءات، لكن هذا يبدو صعب المنال في ظل حالة وبائية، رغم أنها مستقرة إلا أنها تخيف السلطات الصحية، حتى لا تتكرر التداعيات نفسها التي خلفها عيد الأضحى وما تراكم من حالات إصابة.
يبدو المشهد مربكاً ليس في المغرب وحده، بل في غيره من البلدان الإسلامية على اعتبار قدسية الشهر الفضيل ولوازمه الروحية والعائلية التي تمنحه ذلك البعد الموغل في التوادد والتراحم وصلة الرحم وما إلى ذلك من صفات يتميز بها رمضان عن باقي الشهور.
لحد الآن، يبدو أن تصريحات المسؤولين المغاربة تسير في اتجاه واحد، وهو لا تخفيفَ للتدابير حرصاً على السلامة الصحية للمواطن، وكان آخر ما قاله رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في هذا الإطار، إن نجاح عملية التلقيح ضد وباء فيروس كورونا المستجد “لا يعني أن الإجراءات المطبقة يجب أن نخفف منها، فما زلنا ننتظر التقييم المستمر للجهات الصحية المكلفة، وهي التي ستقول لنا متى سنخفف الإجراءات”.
تشاور
تصريح رئيس الحكومة كان خلال المجلس الوطني لحزب “العدالة والتنمية”، وهو ما يحيل على أنباء إعلامية تفيد أن اللجنة القيادة التي جرى إحداثها منذ الإعلان عن حالات الالتهابات التنفسية الحادة الناجمة عن “كوفيد-19″، والتي تضم خبراء وباحثين ومتخصصين في مجال الفيرولوجيا، تستعد بالتشاور مع اللجنة العلمية والتقنية الخاصة بمواكبة جائحة فيروس كورونا المستجد، للإعلان الأسبوع المقبل عن مجموعة من التدابير الاحترازية الخاصة بشهر رمضان الذي يتميز بوضع خاص، بالاعتماد على المؤشرات الوبائية، التي من بينها معدل الإصابات وعدد الحالات المصابة وعدد الوفيات والحالات الموجودة في غرف الإنعاش، إذ ستتم دراستها للخروج بقرار يهم إجراءات الحجر الصحي المفروضة حالياً، خاصة أن المغرب اليوم، يتوفر على تتبع وبائي ويقظة وبائية تقوم بها وزارة الصحة عبر ائتلاف المختبرات لتتبع الحالة الوبائية والبحث عن الطفرات المتحورة للفيروس.
ونقلت صحيفة “المساء” أمس الخميس عن الدكتور سعيد عفيف، عضو اللجنة العلمية للتلقيح، قوله: “إننا ما زلنا نحتاج إلى الاستمرار في احترام التدابير الوقائية والاحترازية والتخفيف التدريجي للحجر، ففتح الحمامات وقاعات الرياضة لا يعني أن الفيروس قد انتهى، بل على العكس، يجب الاستمرار في التقيد الصارم بالتدابير التي تصدر عن اللجنة العلمية المكلفة بتتبع الحالة الوبائية، في انتظار الوصول إلى المناعة الجماعية بتطعيم أزيد من 60 في المئة من الساكنة، خاصة أننا نرى ما وقع في بعض الدول كفرنسا، التي انتكس الوضع الصحي بها، وعادت إلى فرض حجر صحي مشدد على المواطنين، مع ما يعنيه ذلك من أضرار اقتصادية ونفسية على الجميع، لذلك يجب أن نستمر في التقيد الصارم بهذه التدابير حتى الخروج من الأزمة سالمين”.
هكذا إذنْ، يهيمن شهر رمضان على جميع الانتظارات الشعبية، فزمن “كورونا” لم يترك للزمن الإنساني مكاناً، ذهب بكل شيء حتى الطمأنينة الروحية التي كانت تسري مع المصلين وهم يتجاورون في المساجد يؤدون التراويح بخشوع ومحبة، كل شيء تبدل وتغير ولم يعد كما كان.
اليوم ليس مثل أمس، الكل يقولها بأسف وندم على ما فات كما لو كان زمناً جميلاً ولى إلى غير رجعة، لم تعد منازل المغاربة تفوح منها روائح الاستعدادات للشهر الكريم، غابت أنسام “سلو” أو “الزميطة”، كما اختفت أصوات قلي “الشباكية”… كل تلك الهبات المطبخية التي تجتاح أنفاس العابر من تحت نافذة منزل مضت، والعهدة على فيروس “كورونا” الذي اجتاح اليوميات وحولها إلى مجرد تمنٍّ.
لكن للنساء رأياً مخالفاً تماماً، فاطمة السيدة الأربعينية تقول إن كل شيء داخل المنزل كما هو، نفس الوتيرة في المطبخ أثناء إعداد الإفطار، لا شيء بالنسبة لفاطمة تغير فهي تشقى في “الكوزينة” (المطبخ) منذ أن تستيقظ إلى أن تضع السحور على المائدة.
طبعاً “كورونا” لم يستطع تغيير العادات المطبخية كلها، فالمرأة ملزمة بما تيسر أن تعد مائدة إفطار تليق بالشهر الكريم وبيوم كامل من الصيام.
وتضيف فاطمة في تصريحها لـ “القدس العربي”: “ليس هناك ما يحز في نفسي خلال رمضان الماضي، أكثر من عدم القدرة على رؤية الأحبة والجلوس معهم..”، وهنا تقر فاطمة بأن كورونا تدخل وفرق شمل الأحبة إلى حين.
بالنسبة لعبد الرحمن فإن الأمر سيان أن يكون هناك تخفيف من عدمه، لأنه من عشاق المنزل ولا يحتاج إلى المقهى أو غيرها، فقط صلاة التراويح من تركت بصمتها في رمضان السنة الماضية، فغيابها بالنسبة إليه يشبه وجبة شهية دون ملح، حسب تعبيره.
كما أسلفنا أصحاب المقاهي يعيشون الترقب مضاعفاً، فرمضان دون ليل يعني لا عمل ولا دخل، بوبكر الذي يعمل في مقهى ويقف خلف ماكينة عصر الفناجين والكؤوس التي يشهد الجميع بأنها مميزة، وهذا يعود إلى الخبرة التي راكمها طيلة سنوات، هذا الرجل الخمسيني ينتهد بعمق ويتساءل في حيرة، ما العمل، الإجراءات ضرورية لحفظ الصحة لكن الخبز أيضاً ضروري للعيش.
ويضيف بوبكر قائلاً، إنه يتمنى الخير في الأسبوع المقبل من يدري قد يكون القرار بتخفيف التدابير وتمديد فترة العمل في الليل خير بشرى لنا في هذه “العواشر”..
نماذج عديدة من المغاربة تعيش القلق، هناك من جاءه القلق بسبب الحرمان من لقاء الأحبة وهناك من يقلق لأن المقهى لن يكون مفتوحاً بعد الإفطار وهناك من ينزعج بسبب غياب التراويح لكن هناك من يحمل همه اليومي ويترقب الفرج.. ويبقى “سيدنا رمضان” كما يحلو للمغاربة تسميته، دون منازع باعثاً على الأمل ومنشطاً للروح ومفرجاً العواطف هو شهر حتى في ظل الحجر السنة الماضية أسدل أفضاله الكريمة على الصائمين..
أما على مستوى سير عملية التطعيم، فقد بلغ عدد المستفيدين من الجرعة الأولى إلى حدود مساء أول أمس 4 ملايين و284 ألفاً و60 شخصاً. كما أوضحت بيانات وزارة الصحة المغربية أن عدد المستفيدات والمستفيدين من الجرعة الثانية من التلقيح بلغ مليونين و844 ألفاً و916 شخصاً.
إمدادات جديدة
وكشفت مصادر صحافية أن المغرب استطاع تأمين إمدادات جديدة من اللقاح لاستمرار تطعيم المواطنين والمقيمين، رغم كل الضغوط التي تواجه العملية، حيث يرتقب أن تتوصل البلاد خلال الأيام المقبلة بأربعة ملايين و200 ألف حقنة من ثلاث دول، منها مليونان من لقاح “سينوفارم”من الصين، ومليون و200 ألف حقنة من لقاحات “كوفاكس” التي تخصصها منظمة الصحة العالمية لمجموعة من الدول من بينها المغرب. كما سيتوصل بمليون جرعة من لقاح “سبوتنيك” الروسي.
في ما يخص مستجدات الحالة الوبائية في المغرب، أعلنت مساء أول أمس الأربعاء، عن تسجيل 439 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد و507 حالات شفاء، و11 حالة وفاة خلال 24 ساعة، وبذلك رفعت الحصيلة الجديدة العدد الإجمالي لحالات الإصابة المؤكدة في المغرب إلى 492 ألفاً و842 حالة منذ الإعلان عن أول حالة في 2 آذار/ مارس 2020، فيما بلغ مجموع حالات الشفاء التام 480 ألفاً و607 حالات، بينما ارتفع عدد الوفيات إلى 8786 حالة.
ووصل مجموع الحالات النشطة التي تتلقى العلاج حالياً إلى 3449 حالة. وبلغ عدد الحالات الخطيرة أو الحرجة الجديدة بأقسام الإنعاش والعناية المركزة المسجلة خلال 24 ساعة الأخيرة، 73 حالة، ليصل العدد الإجمالي لهذه الحالات إلى 418 حالة. أما معدل ملء أسرة الإنعاش المخصصة لـ(كوفيد-19)، فقد بلغ 13.2 في المئة.