تتميز الفنانة التشكيلية رقية السميلي بتعبيراتها الرمزية المعاصرة، إذ تتخذ من التعبير بالرموز وأشكال تيفيناغ وأشكال الزيكزاك، وغير ذلك من الأشكال الهندسية المتنوعة التي تتصل بالثقافة الأمازيغية حتمية فنية في أعمالها الإبداعية التي تسمح بخروج المادة التشكيلية إلى الحيز البصري بكثير من المهارة والتقنيات العالية، فتلامس من خلال هذا المنجز سر المعاصرة وحداثة الأسلوب. وهو ما يتيح للقارئ التأمل بعمق في أعمالها، لفهم عالمها الإبداعي. فهي تتفاعل فنيا مع مختلف المناحي الثقافية والتراثية، لتبلغ نتيجة ناضجة تتعلق بقيمة الفضاء، لِتُوجه مسار التعبير على مستوى التشكيل، لنسج خيوط التكامل في التأليف بين مختلف المفردات الفنية والعناصر التشكيلية والكتل والأشكال، بحمولاتها الثقافية والفنية والجمالية.
وعملا بالقاعدة النقدية، فإن أسلوب السميلي يظهر جليا من خلال بسط مسالك التحوير وإخضاعها للتصورات الشخصية، ما يؤثر في نسبة الضوء، وفي بعض الأشكال التراثية التي تتخذ بُعدها الجمالي النهائي، خاصة أن الجديد في رؤيتها يتمثل في بروز رموز تيفيناغ والأشكال التراثية الأمازيغية على الملمس، وتداخل الشكل اللوني في السطح الناعم، ليتخذ مسارا رئيسيا تنبني عليه الرؤى الفنية. وهو ما يعني أن الفنانة رقية السميلي توظف ألوانا محددة ومتدرجة، وأشكالا معينة تستجيب لضرورة استمرار الأبعاد الفنية والجمالية، التي تخصب أعمالها التشكيلية، منها ما يتعلق بالتراث، ومنها ما يرتبط بالمجال الثقافي، ومنها ما يتعلق بالجانب الحروفي الأمازيغي، ولكي يتناغم القارئ مع بعض الأشكال الفنية التي يلفها السر؛ فإن المبدعة تلجأ إلى فك الشيفرة وفق مسلك رمزي وشكلي مباشر تطفو فوقه حروف تيفيناغ بدلالاتها الفنية والجمالية والتاريخية، والأشكال الهندسية التي تدعم القوة التعبيرية، وتُبرز المادة التراثية على نحو من الإبداع المبني على فلسفة فنية وجمالية، وعلى ملمس تشكيلي بديع، ما يسهم في تشكيل مساحة فنية رمزية معاصرة. وهذا يمنح انطباعا على أن المبدعة تتخطى الجاهز، لتقدم المادة التشكيلية في مساحة مفتوحة على عوالم تراثية، تنسجم فيها مختلف العناصر المكونة لإعمالها، إذ تصيغها في ألوان مختلفة، وتردفها بجنسها لتنسج منها المادة التعبيرية، ثم تضيف إليها أشكالا متنوعة، فتعمد إلى روابط علائقية تُكثف بها الفضاء، لتتجلى المادة الشّكلية مُثقلة بالرموز والعلامات والألوان؛ وتعمد من خلال عملية البناء إلى إنتاج توليف بين مختلف العناصر التكوينية والمفردات التشكيلية المعاصرة.
وفي سياق آخر، فإن لهذه الأعمال وظائف بنائية ودلالية مغايرة للمعتاد، إذ تعتمد المبدعة الاشتغال في هذا المنحى على مساحات متوسطة وكبيرة، وبكتل وركامات لونية خفيفة ومركزة، مع العناية الفائقة بقيم السطح، وتدريج الألوان بدقة، وبنماذج فراغية، تنسجها وفق بنائها الفضائي بإضافة عناصر جديدة مما تحمله تقنياتها المتميزة من تغيرات، تجعل من التصفيف اللوني المترابط مع جوهر الشكل بناء فنيا منظما في تواشجات عميقة المعاني، قادرة على تغيير المنحى التعبيري والانزياح به نحو تعددية القراءة. فهي تُبلور العملية الإبداعية وفق خاصيات فنية جديدة، ومسالك تقنية معاصرة، تتماشى مع نسق الأشكال التراثية ومع الرموز، ومع خصوصيات حروف تيفيناغ، ومع جميع المفردات الفنية التي توظفها بمهارة وإتقان، وبموتيفات شكلية دالة على مضامين ومعان متنوعة، تعيد صياغتها فنيا بوهج لوني، لتمنح أعمالها حركة وموسيقى دافئة تنسجم مع المادة التراثية ومع الشكل الفني المعاصر، ومع كل العناصر التشكيلية المكونة لأعمالها. وهي تصوغ كل ذلك بتقنيات عالية تُركب بين المنحى الجمالي والتعبير بأسلوب معاصر. فيتجلى حسها الفني في التوزيع اللوني الدقيق، والحركة والخيال، وفي التقاطعات، والوصل بين مختلف المفردات، التي تُدبر بها الفضاء وتغازله وفق قدُراتها العالية، وأسلوبها المتفرد. وهي خاصيات بديعة في تجربتها التشكيلية. ما يجعل أعمالها لا تنتهي عند حد معين، بل تتعدى حدود الشكل إلى التعبير بالمعايير الفنية المعاصرة الحمالة لأوجه من الإشارات والدلالات. ولعل إرساء هذا الأسلوب وتثبيته على هذا النحو؛ يحيل إلى معارف متنوعة تروم الثقافة الأمازيغية والتراث المحلي.
كاتب مغربي