الرباط – «القدس العربي»: وجهت فرق المعارضة في البرلمان المغربي، الإثنين، انتقاداتها للحكومة بسبب ما وصفته بـ “تنامي هجرة الأطباء المغاربة” ليس من المغرب إلى الخارج، بل من الأرياف إلى المدن.
وأشار في هذا السياق النائب عن الفريق الاشتراكي المعارض، مولاي المهدي الفاطمي، إلى تكدس الأطباء في المدن الكبرى وخصّ بالذكر الرباط والدار البيضاء.
وأوضح أن الهجرة الداخلية من الأرياف إلى المدن الكبرى تشكل نسبة 38 في المئة من الأطباء، الذين يوجدون بين محوري الرباط والدار البيضاء، في مقابل معاناة البادية (الأرياف) من نقص حاد في الكوادر الصحية.
وأفاد بأن 62 في المئة من الأطباء يتوزعون على باقي مناطق المغرب، مشدداً على أن ذلك لا يعد عدلاً، ويتوجب على الحكومة أن تتدخل لتضع حداً لاختلال ميزان التوزيع الجغرافي للأطباء بين المدن والأرياف.
وتوضيحاً لما تتحمله الحكومة من مسؤولية في هذه الهجرة من الأرياف إلى المدن وتمركز الأطباء في الرباط والدار البيضاء، أوضح البرلماني الفاطمي أن رصد 7 في المئة من الميزانية العامة لقطاع الصحة غير كاف.
وحسب المتحدث المنتمي لحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” المعارض، فإن ضعف الميزانية المخصصة لقطاع الصحة يجعل المغاربة يتحملون النفقات الصحية بنسبة 60 في المئة، لذلك فمن الواجب إيجاد حلول للتخفيف من حدة معاناة الأسر مع المصاريف.
من المعارضة إلى الأغلبية، حيث حمّل حزب رئيس الحكومة الحالية مسؤولية تردي الخدمات الصحية العمومية إلى الحكومات السابقة.
جاء ذلك على لسان نائب عن فريق حزب “التجمع الوطني للأحرار” محمد غيات، الذي عقب على عرض عزيز أخنوش، بتحميله لمسؤولية تردي الخدمات في قطاع الصحة العمومية للحكومات السابقة، مؤكداً أن “الحكومة الحالية وجدت إرثاً ثقيلاً من المشكلات في القطاع الصحي”. وشدد على أن الحكومة الحالية لا يجب أن تكرر “أخطاء سابقاتها”. وبما يشبه اليقين، قال برلماني حزب رئيس الحكومة إن “الحكومة الحالية ستحقق النجاح فيما فشلت فيه الحكومة السابقة بتنزيل الحماية الاجتماعية في الوقت المحدد وتعبئة الموارد المالية الكافية والحزم في اتخاذ القرار”.
خطاب سياسي غير مفهوم
لم تتأخر المعارضة في الرد على كلمة النائب المنتمي للأغلبية حين قال رشيد حموني، رئيس فريق حزب “التقدم والاشتراكية” المعارض، إن الخطاب السياسي السائد للحكومة غير مفهوم خاصة عندما تتحدث عن الحكومة السابقة، وبالنسبة للبرلماني المعارض فإن الأمر يبدو كما لو أن المغرب سيبدأ في 2021.
وبعد أن شدد على ضرورة عدم استمرار “خطاب الجحود”، طرح تساؤلاً جوهرياً مفاده “هل قبل حكومة أخنوش لم يكن هناك شيء يذكر؟ ولم تبذل أي مجهودات؟”.
لكن السؤال الأكثر حرقة الذي طرحه النائب المعارض هو “هل حزب (التجمع الوطني للأحرار) لم يكن في الحكومات السابقة؟”. في السياق نفسه، قال مصطفى إبراهيمي، النائب البرلماني عن حزب “العدالة والتنمية”، إن حكومة أخنوش تتبنى خطاباً عدمياً بترويجها أن لا شيء تحقق خلال العشر سنوات الماضية. وأضاف قائلاً: “كما لا يصح أن تقول إن كل شيء جيد وممتاز”.
النائبة البرلمانية نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب “الاشتراكي الموحد” المعارض، أشارت إلى أن المغاربة يتطلعون لصيانة كرامتهم المرتبطة بالحق في الصحة والحماية الاجتماعية الشاملة، وتحقيق الدولة الاجتماعية التي وعدت بها الحكومة. وتساءلت: كيف ستواجه الحكومة التصحر الصحي؟ وكيف ستسد الخصاص الذي يقدر بـ100 ألف إلى 150 ألفاً من الكوادر الصحية؟
وأوضحت أنه من اللازم على الحكومة الإجابة عن الاختلالات التي رصدها “المجلس الأعلى للحسابات”، مؤكدة أن الجواب ليس في تسليع الصحة واستيراد أطباء من الخارج، في الوقت الذي يعد الأطباء المدربون في المغرب من أحسن الأطباء، علماً أن المغاربة لا يملكون الإمكانيات لأداء مصاريف مستشفيات الخاصة.
هيئة عليا للصحة
وأعلن رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، في كلمته أمام مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، عن اعتزام الحكومة إحداث “هيئة عليا للصحة”، وذلك بهدف ضمان استمرارية السياسة الصحية وجودتها. وفي رده على سؤال محوري يتعلق بـ”ورش الارتقاء بالمنظومة الصحية الوطنية”، أكد أن إحداث هذه الهيئة هو إحداث لمؤسسة استراتيجية هامة ستعمل على تقنين التغطية الصحية الإجبارية عن المرض وتقييم نجاعة أداء وجودة الخدمات المقدمة من طرف مختلف الفاعلين بالقطاعين العام والخاص. وأضاف أن هذه المؤسسة ستعمل على إعداد مراجع تدريبية ودلائل الممارسات الجيدة في المجال الصحي وحسن استخدام العلاجات وتوزيعها على المرتفقين ومهنيي الصحة.
الدواء بدوره كان له نصيب من كلمة أخنوش، حيث أفاد بأنه لتعزيز حكامة السياسة الدوائية بالمغرب، تطمح الحكومة في إطار برنامج الإصلاح الهيكلي للمنظومة الصحية إلى إحداث “الوكالة الوطنية للأدوية والمنتجات الصحية” التي ستتمتع باستقلال مالي وإداري وستعمل على تنسيق عملية تطوير السياسة الصيدلانية الوطنية والمشاركة في تنفيذها خدمة لقطاع الصحة العمومية، إضافة إلى مواكبة التحولات والتحديات المطروحة بالنسبة للسياسة الدوائية.
إلى جانب هذا الإعلان، تعهد رئيس الحكومة بتسخير كل الطاقات الممكنة من أجل تحقيق هدف إصلاح شمولي لقطاع الصحة، يرتكز على منهجية تؤطرها رؤية منسجمة ومتكاملة وتتجاوز الإصلاحات الجزئية والسطحية بما يمكن من إحداث نقلة نوعية تمنح بلادنا منظومة صحية جذابة، وتستجيب دون تمييز لتطلعات كل مواطنيها، وتضمن المساواة لجميع المواطنين في تلقي العلاجات الضرورية وتحفظ كرامتهم.
واعتبر أخنوش أن الأزمات المتتالية أثرت على ميزانية الدولة، كما فرضت تعبئة إمكانات مهمة لتفادي تفاقم تأثيراتها على المغاربة. وأضاف أن ذلك لم يمنع الحكومة من أن تواصل جهودها لدعم القطاعات الاجتماعية حتى لا تخلف التزاماتها مع المواطنين الذين منحوها ثقتهم.
وحسب أخنوش، فإنه انطلاقاً من ذلك، فقد سعت الحكومة إلى ترسيخ صرح الدولة الاجتماعية التي تعمل على تنزيلها من خلال السياسات والبرامج الاجتماعية التي تم إطلاقها منذ الأيام الأولى من عمر الحكومة التي جعلت من الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية أولى أولوياتها بالنظر للبعد التنموي الذي تكتسيه مثل هذه القضايا في المجتمع. حديث المسؤول الحكومي المغربي عن إصلاح قطاع الصحة وضمان استمرار جودة السياسة الصحية، امتد ليشمل تأكيده على أن الحكومة ستعمل على تعزيز جاذبية مهنة الطب في المغرب، مع الرفع من عدد الخريجين، بهدف سد الخصاص المسجل في الموارد البشرية في المنظومة الصحية للمملكة.
ووفق رئيس الحكومة، فإن الحكومة تسعى إلى رفع عدد المتخرجين بـ20 في المئة كل سنة بما يضمن مضاعفة العدد كل 5 سنوات، مشيراً إلى أن خطوات تفعيل هذا المسعى ستبدأ السنة المقبلة بتوفير الإمكانيات للقطاعات المعنية. وتوقف رئيس الحكومة ملياً عند مسألة هجرة الكوادر الطبية المغربية إلى الخارج، ليشير إلى أن من يهاجرون منهم لألمانيا مثلاً يتلقون أجراً مضاعفاً 5 أو 6 مرات، وهنا شدد على ضرورة تحفيز الأطباء الخريجين للبقاء في المغرب.