الرباط ـ «القدس العربي»: يوصي خبراء في الصحة والأوبئة، الحكومة المغربية باعتماد المرونة في الإجراءات التقييدية، خاصة مع النتائج المتزايدة لعملية التطعيم التي شملت الأفراد الأكثر عرضة للوباء، فضلاً عن التحسن التدريجي الطفيف في الحالة الوبائية، قياساً مع الفترات السابقة.
ويرى جعفر هيكل، أخصائي الأوبئة والأمراض المُعدية، أنه لا مجال للحديث عن موجة ثالثة من “كوفيد 19” في المغرب، مشيراً إلى أن المنحنى شهد ذروة واحدة فقط منذ بداية آذار/ مارس المنصرم، خلافاً لما حدث في أوروبا.
وفي حوار أجرته معه صحيفة “لوبينيون” (الرأي) الناطقة بالفرنسية في عدد أمس الأربعاء، أوضح الخبير أن الوضع يثير مخاوف من تشديد حالة الطوارئ، خاصة مع اقتراب شهر رمضان. ودعا السلطات الحكومية إلى اعتماد المرونة في هذا المجال، قائلاً: “من الأفضل السماح للناس الخروج إلى الفضاءات العامة لمدة ساعة أو ساعتين إضافيتين، مع احترام التعليمات الخاصة بالإجراءات الاحترازية، وتجنب تجمعات العشرات أو المئات من الأشخاص”. وعزّز اقتراحه بأن نسبة الفتك المتعلقة بكوفيد 19 ما زالت أقل من 2 في المئة، “لذلك ـ يقول موضحاً ـ لا يمكننا إثارة مبرر الارتفاع في معدل الوفيات، وإن كانت هناك زيادة في حالات العناية المركزة والإنعاش، مقارنة بالوضع الذي تحسن بشكل واضح منذ بضعة أشهر”.
تساهل أم تشديد؟
ومع ذلك، فإن أي تطور سلبي في الوضع الوبائي قد يؤدي إلى تشديد الإجراءات الاستثنائية. وما زال أمام المغاربة أقل من أسبوعين لمعرفة الترتيبات التي سيجري اعتمادها خلال شهر رمضان. علاوة على ذلك، سيتعين على “لجنة القيادة” تحليل البيانات الحالية وتقديم رأيها للحكومة.
وهناك مخاوف، في حال التساهل في الأمر خلال ليالي رمضان، أن يتكرر السيناريو الذي حدث العام الماضي خلال السماح بإقامة طقوس عيد الأضحى، حيث حصل اكتظاظ في الطرق، وازدحام للعائلات عند تنقلها لزيارة أهاليها والاحتفال بالعيد معها، بعد شهور من الصرامة الشديدة في تطبيق الحجر؛ ما أدى إلى ارتفاع كبير في عدد الإصابات بالفيروس.
ومن ثم، يرى الخبراء أنه من الضروري اعتماد الاعتدال والتوازن في التعامل مع هذا الموضوع، لأن الإفراط في أي شيء ضار كثيراً، كما يقولون. ويلفتون الانتباه إلى أنه في حال العودة إلى الحجر الكامل سيكون هناك تأثير سلبي على مراقبة الأمراض المزمنة الأخرى والحالة النفسية للناس، بالإضافة إلى الأضرار الوخيمة التي يمكن أن تصيب الاقتصاد المحلي وسوق العمل.
وكتبت صحيفة “المساء” في افتتاحيتها أمس، أن الرأي العام المحلي يتابع التطورات الحالية بكثير من الترقب، لكونها مرتبطة بطبيعة التوقيت الذي سيُعتمد خلال شهر رمضان، وهو ما اختارت الحكومة أن تؤجل الحسم فيه إلى آخر لحظة، رغم أن المؤشرات الحالية تؤكد تمديد العمل بنفس الإجراءات الاحترازية، ما يعني أن المغاربة سيتعين عليهم لزوم منازلهم مباشرة بعد أذان المغرب إلا للضرورة المحددة قانوناً.
وقالت إن هذا السيناريو يبقى وراداً بقوة، وبالتالي فإن السؤال يطرح حول مصير عشرات آلاف المستخدمين العاملين في القطاعات التي سيلحقها ضرر بالغ، سيعمق أثر الجائحة عليها، علماً أن حالة الركود والكساد تمتد إلى عدد كبير من المجالات التي سيتعين عليها الانتظار طويلاً قبل التعافي من الخسائر الموجعة التي خلفها الفيروس وما تلاه من تدابير للسيطرة عليها.
وأوضحت أن الأمر يتعلق بشريحة واسعة من الأسر التي فاقمت ظروف الحجر الصحي من معاناتها، وزادت من استنزاف قدرتها الشرائية المنهكة أصلاً، وهو ما يفرض على الحكومة، من الآن، التفكير في الصيغ الكفيلة بدعم الأسر المعنية في حال تقرر حصر ساعات التنقل خلال شهر رمضان.
وأشارت إلى أن القطاعات التي ستتضرر معروفة، كما أن الحكومة لها أرقام حول عدد المستخدمين والأسر، وبالتالي ما عليها سوى أن تراعي الآثار الجانبية لأي قرار قد تتخذه.
قرار يبقى بكل تأكيد محكوماً بأولوية عدم حدوث انفلات وبائي، وعدم خروج الوضع عن السيطرة، وبالتالي العودة للأرقام المخيفة التي عايناها سابقاً، خاصة مع ظهور سلالات جديدة أشد فتكاً، تقول افتتاحية الصحيفة المذكورة.
ولذلك، يوصي الخبير جعفر هيكل، بالاستمرار في الحفاظ على الإجراءات التقييدية، لكن مع التقليص من حظر التجول، لإتاحة خروج الناس لمدة ساعة أو ساعتين.
في السياق نفسه، بدا البروفيسور عز الدين الإبراهيمي، مدير مختبر البيوتكنولوجيا الطبية في كلية الطب والصيدلة في جامعة محمد الخامس ـ الرباط، متفائلاً بقرب نهاية الأزمة الناتجة عن “كورونا”. وأعرب عن اعتقاده بأنه من الممكن أن نجعل من بداية فصل الصيف المقبل هدفاً منطقياً لتخفيف جل القيود والحفاظ على حالة وبائية متحكم بها؛ حتى وإن لم يتلق المغرب أي دفعات جديدة من اللقاح ولو لعدة أسابيع، ودعا إلى اعتماد “جدولة زمنية” للخروج من الأزمة.
وكتب على صفحته الرسمية في “فيسبوك”، تحت عنوان “الفرج قريب إن شاء الله”، موضحاً أن المغرب وصل إلى مرحلة أطلق عليها “كوفيد لايت”، إذ أصبح الناس أمام فيروس غير قاتل كما كان عليه الأمر في السابق.
ووصف أجواء المجتمع المغربي في تعامله مع الوباء، قائلاً: “كان بإمكاني أن أعود وأشدد على الإجراءات الاحترازية الشخصية التي تخاذلنا في الانضباط لها. ولكن، بعد سنة على الوباء، يتبين بالملموس من نبض الشارع، وتبقى الحقيقة، ويجب أن نعترف بها، أننا “عيينا وبزاف” (تعبنا كثيراً). فبعد سنة من الجهاد، مللنا كل هاته الإجراءات الاحترازية والقيود. وبقرار جماعي مسكوت عنه ومفضوح على أرض الواقع، قررنا التخلي الكامل عن الإجراءات الاحترازية، فقد أصبحت الكمامة إذا حُملت (إكسسوار) تجميلياً لجمع الشعر أو حماية الذقن أو إخفاء بعض التشوهات الخلقية. فمن منا ما زال يحمل الكمامة أو يرتديها كما يجب؟ بل أكثر من ذلك، فقد بدأ حاملوها يحسون بعزلة وغربة مؤلمة، ويعتذرون دائماً عن حملها، وقد كنا قبل سنة نتظاهر من أجل الحق في الكمامة، ونتهافت على حملها”.
واسترسل البروفيسور الإبراهيمي في وصف الوضع: “أما التباعد الجسدي فهو في خبر كان وكلنا صرنا “بالأحضان يا وطني”. وبدل بوسة، صرنا ننتقم لما فاتنا ببوسات وعناق سرمدي لا ينتهي، وأصبحنا لا نترك لبعضنا البعض أي مساحة للتنفس. فالتقارب الاجتماعي لم يعد يجدي، والجسدي أصبح لازماً ولازمة. فنحن لم نعد نهاب كوفيد 19. وعدنا لقولة “الموت مع لحباب نزاهة” (الموت مع الأحبة نزهة). وقد كنا منذ نحو سنة نكتشف تواصل “واتساب” ونحمد الله عليه… أما التجمعات فحدث ولا حرج…. فكل الحفلات والمناسبات عادت تزين وتحف مدننا وقرانا. فلقد قررنا جماعياً أن عهد كوفيد انتهى. وهناك من شكك في وجوده أصلاً”.
وأوضح الخبير المغربي أن الجواب البسيط على ذلك هو “أننا ضحايا بالنجاح الجزئي والمرحلي الذي حققناه والذي مكّن بحمد الله من حماية الأشخاص في وضعية هشاشة صحية… ولاعتقادنا بأن أغلبيتنا أصيبوا بالفيروس وطوروا مناعة طبيعية، ممهدين الطريق إلى قبولنا لمبدأ مناعة القطيع… فأصبحنا لا نهاب انتشار الفيروس مادام أنه لا يقتل، وأعطينا لأنفسنا “استراحة محارب” للاستمتاع ولو لمدة قصيرة بالعودة لحياة عادية نرنو لها ونحلم بها منذ شهور”.
وأكد أن الحقيقة العلمية تظهر أن المغرب يعيش مرحلة ما أسماه بـ”كوفيد لايت”، وأضاف: “ليست لدينا الأدلة العلمية الكافية بأننا خرجنا من الأزمة الصحية، وفي المقابل أصبح كوفيد، في الوقت الراهن، لا يشكل المرض القاتل والمميت كما عهدناه في السابق، كل هذا في انتظار ما ستسفر عنه حربنا مع السلالات”.
ولاحظ أن “هذه الضبابية العلمية تجعل المواطن يسأل ماذا نفعل الآن؟ وأهم من ذلك: إلى متى سنستمر في هذه الوضعية؟ ودعا إلى ضرورة اعتماد “خريطة طريق مبدئية ولو جزئية للخروج من الأزمة، من أجل إذكاء روح مواجهة كوفيد وشحذ همم المواطنين”، مشيراً إلى أن الجمهور العريض سئم من المجهول وعدم وضوح الرؤية.
وزاد قائلاً: “نريد جدولة زمنية للخروج من الأزمة”، كاشفاً عن مجموعة من المعطيات، من بينها أن ما بين 25 إلى 30 في المئة من المغاربة طوروا مناعة طبيعية بإصابتهم بالفيروس، وأن 12 في المئة من المغاربة طوروا أو سيطورون مناعة مكتسبة باللقاح، كما أعلن أن غالبية الأشخاص الموجودين في وضعية هشة قد استفادوا من التطعيم في المغرب، مشيراً إلى أن كل المواطنين أقل من 60 سنة وبصحة جيدة لا يطورون الأعراض الحرجة، وأن نصف المغاربة (50 في المئة) ملتزمون بالإجراءات الاحترازية.
وقال أيضاً: “وإن لم نتوصل بأي لقاح ولو لأسابيع، أظن أنه من الممكن أن نجعل من بداية فصل الصيف إن شاء الله، هدفاً منطقياً لتخفيف جل القيود والحفاظ على حالة وبائية متحكم فيها”. داعياً إلى تجديد العزم لمواجهة “كوفيد” لثلاثة أشهر مقبلة بالالتزام بالإجراءات الاحترازية والتعاضد والتضامن الاجتماعي “حتى لا نضيع الصيف و”لبنه”… ونربح تنافسية اقتصادية كبيرة لمغرب أفضل”، حسب تعبيره.
في مقابل هذه النظرة المتفائلة، حذر أطباء متخصصون مما وصفوه بـ”الانتكاسة” بعد ارتفاع عدد الحالات في أقسام الإنعاش بسبب كوفيد 19. وأوردت صحيفة “الصحراء المغربية” أمس، أن عدداً من الأطباء المتخصصين في الإنعاش والتخدير دقّوا ناقوس الخطر من حدوث محتمل لانتكاسة في الوضع الوبائي لانتشار الفيروس في المغرب، موازاة مع ملاحظة ارتفاع عدد الأشخاص المحالين على أقسام الإنعاش والعناية المركزة، منذ أيام، بسبب إصابتهم المتقدمة بـكوفيد. ونقلت عن مصادر طبية في المستشفيين الجامعيين للدار البيضاء ومراكش، أنه سجل ارتفاع في عدد الحالات التي تتطلب استشفاء لأجل الإنعاش الطبي بسبب إصابتها بفيروس كوفيد19 متوسط عمرها 60 سنة وأغلبها من المصابين بأمراض السمنة.
أما في ما يخص سير عملية التطعيم، فقد بلغ عدد المستفيدين من الجرعة الأولى من اللقاح 4 ملايين و315 ألفاً و800 وشخصين. فيما استفاد 3 ملايين و566 ألفاً و498 شخصاً من الجرعة الثانية، حسب البيانات التي أعلنت عنها وزارة الصحة المغربية مساء أول أمس الثلاثاء.
في انتظار «سبوتنيك»
وما يزال المغرب ينتظر التوصل بدفعات جديدة من اللقاحات، بعدما توصل إلى حد الآن بما مجموعه 8.5 مليون جرعة منها 6 ملايين من لقاح “أسترازينكا” و2.5 مليون من “سينوفارم”، وكانت السلطات المغربية تتوقع الحصول على الدفعة الأولى من اللقاح “سبوتنيك” الروسي، نهاية آذار/ مارس، والدفعة الثانية خلال نيسان/ أبريل الحالي، وفق ما سبق وأن صرح به وزير الصحة المغربي خالد آیت الطالب. غير أن أموراً تقنية ومالية يجري الحسم فيها، من المحتمل أن ترجئ موعد تسلم المغرب لهذه الشحنات من هذا اللقاح الذي جرى اعتماده مؤخراً، حسب ما ذكرت صحيفة “بيان اليوم” المغربية التي نقلت عن مصادر قولها إن فاليريان شوفايف، السفير الروسي المعتمد في المغرب، أفاد بأن الاتفاقية التجارية بين الرباط وموسكو لم توقع بعد في انتظار أمور تقنية ومالية يجري الحسم فيها من أجل المرور إلى مرحلة تصدير لقاح “سبوتنيك v” إلى المغرب، مشدداً في الوقت نفسه على أن روسيا مستعدة للتعاون مع المغرب في عملية التطعيم، وأن الاتفاقية في طريقها إلى التوقيع.
وعلى صعيد مستجدات الحالة الوبائية في المغرب، أعلن المصدر نفسه عن تسجيل 665 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد و580 حالة شفاء، و6 حالات وفاة خلال 24 ساعة، مشيراً إلى أن الحصيلة الجديدة رفعت العدد الإجمالي لحالات الإصابة المؤكدة إلى 495 ألفاً و421 حالة منذ الإعلان عن أول حالة العام الماضي، فيما بلغ مجموع حالات الشفاء التام 483 ألفاً و165 حالة، بنسبة تعاف تبلغ 97,5 في المئة، بينما ارتفع عدد الوفيات إلى 8813 حالة، بنسبة فتك قدرها 1,8 في المئة. فيما يصل مجموع الحالات النشطة التي تتلقى العلاج حالياً إلى 3443 حالة.
وبلغ عدد الحالات الخطيرة أو الحرجة الجديدة بأقسام الإنعاش والعناية المركزة المسجلة خلال 24 ساعة 31 حالة، ليصل العدد الإجمالي لهذه الحالات إلى 419 حالة. أما معدل ملء أسرة الإنعاش المخصصة لـ(كوفيد-19)، فقد بلغ 13.3 في المئة.