الرباط ـ «القدس العربي» : مدن مغلقة، وحركة السفر والتجوال مقيّدة بإجراءات شديدة، وتقلص كبير في النشاط التجاري بسبب حصر مجاله الزمني، تلك هي الحال التي بدا عليها المغرب خلال الاحتفال بذكرى مولد الرسول محمد (ص) أمس الخميس، نتيجة التزايد المهول في أعداد المصابين والمتوفين جراء فيروس «كورونا» المستجد.
جل الأسر المغربية حُرمت من فرص صلة الرحم مع الأقارب في عطلة العيد. وحتى بعض العادات والطقوس التي دأبت على احتضانها بعض المدن العتيقة منذ سنين طويلة، غابت تمامًا وحلّ محلها السكون والترقب والحذر جرّاء أخبار مؤسفة عن سقوط أحد المعارف أو مشاهير السياسة والفن والثقافة ضحية للفيروس اللعين. فهذا الأخير لا يميز بين الناس، ويفاجئ أي واحد على حين غرة، كما حصل مع الفنان التشكيلي محمد شبعة والإعلامي إدريس أوهاب واللائحة طويلة… إنه الشر الذي لا بدّ منه ولا مناص من التعايش معه في انتظار بارقة الأمل.
غابت أجواء الفرح والاحتفال المفعمة بالروحانيات التي كانت تشهدها ـ مثلاًـ قرية «مداغ» (شرق البلاد) التي شكّل موسمها السنوي قبلة للعديد من مُريدي «الزاوية البوتشيشية» من داخل المغرب وخارجه، وفيهم سياسيون ومفكرون وفنانون ورياضيون وأطباء ورجال مال وأعمال وغيرهم ممن يرطنون بلغات متعددة، وتوحدهم المشاعر الروحية… فقد حال الوباء دون اللقاء بينهم في ذلك المحفل الكبير، وطُلب منهم الاكتفاء بمتابعة الأجواء الصوفية والمشاركة فيها عبر العالم الافتراضي.
ذكرى المولد
وفي مدينة سلا (المجاورة للعاصمة المغربية) غاب هذه السنة كذلك الاحتفال بذكرى المولد، من خلال «موكب الشموع» الذي دأب على تنظيمه منذ عقود مريدو «الزاوية الحسونية» في أجواء شعبية تشمل العديد من شوارع هذه المدينة التاريخية.
على صعيد آخر، وبعد تزايد الطلب على الأدوية التي تدخل في علاج «كورونا» خاصة مع حلول فصل الخريف، لوحظ أن بعضها اختفى تمامًا من الصيدليات، ولا سيما فيتامين «سي» و«الزنك» كما رصدت ذلك صحيفة «الأحداث المغربية» معلّقة بأن هذا الوضع يمكن أن يضاعف من معاناة المرضى، خاصة الذين يتلقون العلاج في البيوت.
وأشارت إلى أن صيدليات المستشفيات اعتذرت للعديد من المصابين بالفيروس عن نفاد تلك الأدوية وأخرى خاصة بالسعال. وعند بحثهم عنها في الصيدليات الخارجية لم يجدوها. وسبق لهيئة صيادلة المغرب أن دقت ناقوس الخطر بشأن نفاد مخزون أدوية علاج كوفيد 19 كما وجهت رسالة إلى وزير الصحة خالد آيت الطالب، ضمنتها مخاوفها من الخصاص الملحوظ المسجل في مخزون الصيدليات من الأدوية المرتبطة بعلاج الفيروس؛ مشيرة إلى أن شركات الأدوية دعت الصيدليات إلى استبدالها بأخرى متطابقة، للتقليل من انعكاسات اختفاء هذه الأدوية على صحة المواطنين، في ظل انتشار الوباء. وهذا الأمر غير ممكن لأن مدونة الأدوية والصيدلة لا ترخص هذه العملية.
وخصصت صحيفة «المساء» المستقلة افتتاحيتها، أمس الخميس، لانتقاد التعامل الحكومي مع الحالة الوبائية، فكتبت أن «الأرقام المتعلقة بالوضع الوبائي تؤكد أننا فعلًا دخلنا مرحلة صعبة تترجمها أعداد الوفيات والإصابات التي صارت تسجل نسبًا قياسية يومًا بعد يوم. الأمر تجاوز حالة القلق والتوعية إلى اتخاذ جملة من التدابير على مستوى عدد من المدن التي بلغت فيها المؤشرات الوبائية المستوى الأحمر. يتعلق الأمر بتقييد التنقل وتحديد ساعات عمل المحال التجارية والخدماتية، مع استمرار حظر بعض القطاعات، لنصبح بالتالي أمام حالة مد وجزر، يبدو أنها ستطول في انتظار اللقاح الموعود». وتثير الصحيفة نفسها الانتباه إلى «صمت الحكومة إزاء الأثر الاجتماعي والاقتصادي لهذه الإجراءات على شرائح واسعة من المغاربة، وعجزها عن تحقيق، ولو بنصر صغير في مواجهة الوضع الوبائي الذي صار يهددنا بانفلات حقيقي في ظل اتساع نطاق البؤر الفيروسية وتسجيل بعض المدن أرقاماً قد تعجل بانهيار المنظومة الصحية».
في السياق نفسه، حملت «فدرالية اليسار الديمقراطي» حكومة سعد الدين العثماني، المسؤولية عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المغرب. وحسب بلاغ صادر عن الهيئة التنفيذية للفيدرالية، فإن مسؤولية الحكومة ثابتة في تعمق الأزمة المجتمعية بمختلف أبعادها، إذ كشفت الجائحة عن عمق الاختلالات والفوارق الطبقية والمجالية وزادتها حدة، بحيث مس الفقر والهشاشة أكثر من ثلثي الأسر المغربية. وعبرت الفيدرالية عن رفضها واستنكارها الإجراءات الحكومية المدرجة في مشروع الموازنة العامة والتي تحمّل أعباء الأزمة للفئات الاجتماعية المستنزفة، بفرض ضريبة جديدة سميت «ضريبة التضامن الوطني» وكذا اللجوء المفرط للاستدانة.
وأضافت أن المشروع عمل على تجميد الترقيات وتقليص التوظيف، وهي الإجراءات السهلة التي تلجأ إليها الحكومة باستمرار، بدل إصلاح ضريبي متكافئ ومتضامن وفرض المساهمة على مراكمي الثروة، والقضاء على اقتصاد الريع من خلال إحداث ضريبة على الثروة ومحاربة فعلية للفساد ونهب الأموال العمومية، يقول بلاغ الفدرالية.
غير أن وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، دافع عن الحكومة التي ينتمي إليها بالقول إن العديد من مظاهر الخلل في السياسات العمومية التي كشفتها جائحة فيروس «كورونا» المستجد، هي نتيجة تراكمات لسنوات طويلة (في المغرب) وليست مرتبطة بالحكومة الحالية أو السابقة. فخلال مناقشة الموازنة العامة في مجلس النواب، أول أمس الأربعاء، قال إن المغرب حقق تراكمات إيجابية على مستوى توطيد المسار الديمقراطي، والحفاظ على الاستقرار الذي تفتقده العديد من دول الجوار، وتطوير مجموعة من الاستراتيجيات القطاعية، وإنجاز عدد كبير من الأوراش الكبرى، وتحقيق مستويات كبرى من التقدم على مستوى ولوج الفئات الهشة للخدمات الأساسية.
واستدرك المسؤول الحكومي قائلاً إن المغرب راكم أيضًا مجموعة من النواقص خاصة في المجال الاجتماعي، ومن بينها حجم القطاع غير المنظم، وضعف شبكة الحماية الاجتماعية، وخاصة بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، وارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية.
الحالات المسجلة
أما على مستوى الحصيلة اليومية المرتبطة بوباء «كورونا» في المغرب، فأفادت المعطيات الرسمية عشية الأربعاء بتسجيل 3985 إصابة مؤكدة جديدة و61 وفاة خلال 24 ساعة. وبذلك، رفعت الحصيلة الجديدة العدد الإجمالي لحالات الإصابة إلى 207 ألفًا و718 منذ الإعلان عن أول حالة في 2 آذار/ مارس الماضي، ومجموع حالات الشفاء التام إلى 171 ألفًا و591، فيما ارتفع عدد الوفيات إلى 3506 حالات.
وتتوزع الحالات المسجلة خلال 24 ساعة عبر جهات المغرب الـ12، بين كل من جهات الدار البيضاء – سطات (1867) والرباط – سلا – القنيطرة (536) وجهة الشرق (451) ومراكش – آسفي (255) وسوس – ماسة (230) وطنجة – تطوان – الحسيمة (198) وبني ملال – خنيفرة (142). كما تم تسجيل 84 إصابة في جهة العيون – الساقية الحمراء، و74 في جهة درعة – تافيلالت، و58 جهة فاس – مكناس، و49 جهة كلميم – واد نون، و32 جهة الداخلة – وادي الذهب.
ويبلغ مجموع الحالات النشطة التي تتلقى العلاج حاليًا 32 ألفًا و621 حالة، في حين يصل مجموع الحالات الخطيرة أو الحرجة الموجودة حاليًا في غرف الإنعاش والعناية المركزة، إلى 781 حالة، في الوقت الذي بلغ فيه عدد الحالات تحت التنفس الاصطناعي الاختراقي إلى 64 حالة، والحالات تحت التنفس غير الاختراقي 451 حالة.