الرباط ـ «القدس العربي»: اقتربت الحكومة المغربية من «عش الدبابير» وهي تسعى إلى المساس بأجور الموظفين، من خلال اقتطاعات شهرية لمدة سنة، تحت مُسمّى «ضريبة التضامن الاجتماعي» بهدف التخفيف من حدة الأزمة المالية التي تسببت فيها جائحة «كورونا». صحيح أن القرار ما زال مجرد مشروع في مسودة «الموازنة العامة» للعام 2021 ولكنه بمجرد تقديمه أمام البرلمان أثار سخط هيئات سياسية ونقابية متعددة، آخرها المنظمتان العمّاليتان الرئيسيتان «الاتحاد المغربي للشغل» و»الكونفدرالية الديمقراطية للشغل» اللتان احتجا على عدم اعتماد صيغة تشاورية في إعداد مشروع الموازنة، معتبرتين أن الحكومة أخلّت بالتزامها بتقديم مشاريع القوانين المالية أمام الحركة النقابية والفرقاء الاقتصاديين، للتشاور وإبداء الرأي، قبل عرضها على المؤسسة التشريعية (البرلمان).
الشعور بالظلم
في هذا الصدد، أصدر «الاتحاد المغربي للشغل» أول أمس بلاغاً أعلن فيه رفضه
الإجراء الضريبي الجديد الذي قال إنه «يفاقم الشعور بالظلم لدى فئات واسعة من الأجراء» واعتبره تخفيضاً غير معلن لأجور الموظفين. كما طالب، في المقابل، بإحداث ضريبة على الثروة وبتضريب المستفيدين من خيرات البلاد.
وسجل افتقاد الحكومة الإرادة السياسية لمباشرة الإصلاحات الهيكلية، لتقديم أجوبة عن الأوضاع المقلقة التي تعيشها الطبقة العاملة المغربية جراء التداعيات الوخيمة الناتجة عن الوضعية الوبائية، مؤكداً أن مشروع الموازنة العامة يعكس مواصلة الحكومة استهداف الطبقة العاملة، وضرب قدرتها الشرائية عبر نهج مقاربة تعتمد التوازنات المالية والمحاسبية على حساب الأبعاد الاجتماعية والمجتمعية.
واعتبرت النقابة العمالية أن المشروع يعمل على إرهاق فئات واسعة من الأجراء من خلال إقرار إجراء ضريبي تمييزي مجحف في شكل «مساهمة التضامن الاجتماعي» بنسبة 1,5 في المئة على الدخل الشهري الذي يساوي أو يزيد عن مبلغ عشرة آلاف درهم صاف (1092 دولاراً) وأضافت أن هذا الإجراء الذي تعتزم الحكومة تطبيقه، يعد ظلماً ضريبياً جديداً وإجراء لا يأخذ بعين الاعتبار مساهمة الطبقة العاملة في القطاعين العام والخاص بنسبة 73 في المئة من الموارد الضريبية على الدخل عبر الاقتطاع المباشر من المنبع، في حين أن أصحاب مداخيل الأنشطة العقارية والزراعية والمهن الحرة، يستفيدون من نظام التصريح الحر والمرن لتخفيض التزاماتهم الضريبية، علاوة على إشكالية التهرب الضريبي وكذا الامتيازات الضريبية الممنوحة سنوياً لأصحاب المصالح.
وفسر «الاتحاد المغربي للشغل» تركيز الحكومة على الموظفين في شأن «الضريبة التضامنية» بكونه يجسد عجزاً عن توسيع القاعدة الضريبية لتشمل القطاع غير المنظَّم الذي يذر ملايير الدراهم، وتلكؤاً في محاربة الفساد والريع، متوقعة أن يؤدي هذا الإجراء الحكومي إلى تدهور القدرة الشرائية للطبقة الوسطى وفي طليعتها الطبقة العاملة، بفعل الضغط الضريبي وغلاء أسعار المواد الغذائية والخدماتية الأساسية، بالإضافة إلى تكاليف التعليم والصحة والالتزامات العائلية والقروض السكنية والاستهلاكية.
في السياق نفسه، انتقدت «الكونفدرالية الديمقراطية للشغل» بشدة مشروع الموازنة العامة للعام 2021 معتبرة أنه لم يستحضر دروس الجائحة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة لفئات عريضة من الشعب المغربي.
وقالت في بلاغ لها صدر الخميس إن مضامين مشروع الموازنة كرست التوجهات التقشفية والتراجعية وغير الاجتماعية، بالإضافة إلى استهدافها الأجور والمكتسبات الاجتماعية، وتكريس الهشاشة عبر العمل بالتعاقد، وتعميق التفاوتات الاجتماعية.
ولاحظت أن المشروع لم يقدم أجوبة واقعية عن الأزمة الاجتماعية التي يعيشها المغرب، نتيجة توسع دائرة الفقر وفقدان العمل وارتفاع معدل البطالة.
وأوضحت المنظمة النقابية أن توجهات المشروع غير قادرة على تحقيق الإنعاش الاقتصادي دون إجراءات عملية لدعم الطلب الداخلي، عبر الرفع من القدرة الشرائية للمواطنات، والمواطنين.
أما بخصوص الضريبة التضامنية التي تعتزم الحكومة فرضها على الموظفين، فقد عبرت عن رفضها الاقتطاع مرة أخرى من الأجور، مضيفة أن الأزمة تقتضي التضامن، والمساهمة من طرف من استفادوا طوال سنوات من الثروات والامتيازات وكل أشكال الريع، في اتجاه من تضرروا من تداعيات الجائحة، على حد قول البلاغ.
بين مصاب وشهيد
على صعيد آخر، وفي غياب معطيات رسمية دقيقة حول الإصابات وسط العاملين في قطاع الصحة، كشفت البرلمانية ثورية فراج (عن حزب «الأصالة والمعاصرة» المعارض) أن حوالي 1500 من الكوادر الطبية والتمريضية أصيبوا بفيروس «كورونا» منذ انتشار الوباء في المغرب. جاء ذلك في سؤال كتابي موجه إلى وزير الصحة حول حماية الكوادر الصحية العاملة في القطاعين العام والخاص من خطر الإصابة بالفيروس. وقالت البرلمانية المذكورة التي تعمل ممرضة، إن نزيف إصابات الكوادر الصحية بفيروس «كورونا» في المغرب ما زال متواصلاً، معتبرةً أن ذلك يهدد المنظومة الصحية المغربية بالانهيار في حالة استمرار المنحنى التصاعدي لهذه الإصابات. ورأت أن الأمر أصبح ينذر بالخطر أكثر، نتيجة للسياسة التدبيرية المتبعة في مواجهة هذه الجائحة داخل القطاع والذي أصبح العاملون فيه يتساقطون على التوالي بين مصاب وشهيد، وفق تعبيرها.
النائب البرلماني عن حزب «الاستقلال» المعارض، عمر حجيرة، وجه بدوره سؤالاً كتابياً إلى وزير الصحة في شأن معاناة آلاف المصابين بفيروس «كوفيد 19» في وجدة.
حجيرة الذي أصيب بالفيروس، يشغل منصب عمدة مدينة وجدة (شرق البلاد) ويلاحظ الارتفاع المستمر لعدد المصابين بكورونا في هذه المدينة، الذي يقابله خصاص في الوحدات الصحية رغم الجهود الكبيرة لرجال ونساء القطاع الصحي. وقال في سؤاله إن وحدات الاستقبال امتلأت والأسرّة المخصصة للتنفس الاصطناعي قد نفدت، وطالب وزير الصحة بإيفاد لجنة لرصد حاجيات مستشفيات وجدة والوقوف على الخصاص، وكذلك لتقديم دعم معنوي لكل الجنود الصحية التي تقف يومياً ليل نهار في الصفوف الأمامية للمعركة، داعياً إلى تمكين مستشفيات وجدة وجهة الشرق من كافة مستلزمات التطبيب والعلاج.
الجدير بالذكر أن الحالة الوبائية في المغرب شهدت رقماً قياسياً جديداً، حيث سجلت عشية الخميس 4151 إصابة جديدة بالفيروس و53 حالة وفاة خلال 24 ساعة. فيما أعلن عن شفاء 2847 شخصاً. وأوضحت وزارة الصحة أن الحصيلة الجديدة رفعت العدد الإجمالي لحالات الإصابة المؤكدة في المغرب إلى 186 ألفاً و731 حالة منذ الإعلان عن أول حالة في 2 آذار/ مارس الماضي، ومجموع حالات الشفاء التام إلى 154 ألفاً و481 حالة، أما عدد الوفيات فقد ارتفع إلى 3132 حالة.