الرباط ـ «القدس العربي»: كشف مصدر مغربي، أمس الإثنين، أن 30 نائباً برلمانياً ينتمون إلى مختلف الأحزاب، سواء المكوّنة للائتلاف الحكومي أو أحزاب المعارضة، متهمون في قضايا تتعلق بالفساد المرتبط بالمسؤوليات البلدية المنوطة بهم، وتبتّ محاكم مختلفة في التهم الموجهة إليهم والتي تتعلق باختلاس أموال عامة والابتزاز وتزوير الوثائق العامة والتلاعب في الصفقات.
وجاءت هذه التطورات في وقت ما زال فيه البرلمان المغربي يستحضر التعليمات التي شدد عليها العاهل محمد السادس خلال كلمة وجهها مطلع العام الحالي بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس المؤسسة التشريعية، حيث دعا إلى “تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها، تكون ذات طابع قانوني ملزم، وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، فضلاً عن العمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة”.
ووفقًا لما أوردته صحيفة “الصباح” المغربية، فإن العدد السابق للنواب البرلمانيين الذين وُجهت لهم اتهامات قضائية كان 25 نائباً، بتهم متفاوتة حسب طبيعة القضايا. وجلهم يرأسون مجالس بلدية، أو كانوا يرأسونها. وأوضحت الصحيفة نفسها أن المحكمة برّأت اثنين منهم، أحدهما ما زال يمارس مهامه البرلمانية، بينما قرر الآخر التخلي عن أي مشاركة سياسية في المستقبل. وأرجعت العدد الكبير من النواب الذين يتابعون قضاياهم أمام المحاكم، إلى تراكم المناصب. إذ يشغل عدد منهم مناصب محلية. وبهذا الصدد، جرى الكشف عن انتهاكات مختلفة، تتعلق بشكل خاص بقضايا تلاعب في أموال الميزانيات المحلية. وبالإضافة إلى ذلك، ومن أجل تمويل حملاتهم الانتخابية التي تهدف إلى إعادة انتخابهم، لم يتردد بعضهم في الاستفادة من الأموال المحلية التي يتحملون مسؤوليتها، ثم حاولوا التهرب من المراقبة التي تقوم بها جهات المراقبة في المجلس الأعلى للحسابات وفروعه في الأقاليم التي تفحص نفقات الأحزاب والمرشّحين للانتخابات البلدية.
ولاحظ المصدر المذكور أنه حتى يتم تضليل تلك الانتهاكات، يلجأ المعنيون غالباً إلى تلاعب في إبرام عقود المناقصات والصفقات العامة، أو يقومون بصفقات تتجاوز التشريعات المنظمة للمالية العامة.
وكانت المحكمة الدستورية جرّدت 10 برلمانيين من العضوية في مجلس النواب، وواحد من مجلس المستشارين، وقبلت استقالة برلمانيين اثنين ضمن العشرة، بناء على مراسلات من مكتب مجلس النواب، أو وزير العدل، أو من له مصلحة في ذلك، وفق ما ينص عليه القانون.
وفي هذا الصدد، يقترح مراقبون ضرورة إعادة النظر في بعض الجوانب المتعلقة بالانتخابات، ومراجعة القوانين المنظمة للمجالس البلدية، من أجل منع استمرار هذه الممارسات. وبالنسبة لبعض التغييرات التي يقترحونها، بما في ذلك إلغاء تمثيل بعض هؤلاء النواب في المجلس الأول، يعتبرون أنها قد تتطلب تعديلات دستورية.
وأفادت صحيفة “الصباح” أن من بين جميع النواب الذين يتابعون حاليًا في قضايا أمام المحاكم، فإن البعض منهم تعرضوا لحجز أموالهم الشخصية، بينما طُبِّقَ إجراء منع السفر على آخرين. ويدّعي الذين يُنكرون تورطهم بأن الاتهامات التي وجّهت إليهم جاءت نتيجة شكاوى يرونها كانت محرّكة بالانتقام من بعض منافسيهم، أو حتى من أعدائهم السياسيين.
وأوضح المصدر المذكور أن التحقيقات في حق المشتبه تورطهم في الفساد من البرلمانيين، بصفتهم رؤساء حاليين وسابقين لمجالس محلية، تباشر بناء على مختلف التقارير المنجزة من قبل المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، أو المفتشية العامة لوزارة الاقتصاد والمالية، أو قضاة المجالس الجهوية للحسابات، أو جمعيات حماية المال العام، وذلك بعد إلغاء المسطرة المعقدة لرفع الحصانة البرلمانية منذ دخول دستور 2011 حيز التنفيذ، التي أصبحت محصورة في ضمان حرية التعبير وفق ما ينص عليه الفصل 64 من الدستور.
واعتبر المحامي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن متابعة 30 برلمانياً قضائياً بتهم مشينة تتعلق باختلاس وتبديد أموال عمومية، سابقة في تاريخ البرلمان المغربي، وقال: “منهم من فُتحت ضده مسطرة غسل الأموال وجرى حجز ممتلكاته وأمواله”. وتساءل في تدوينة على “الفيسبوك” حول “ما إذا كان ما تبقى من البرلمانيين سيجعل من هذا الواقع المخجل أرضية للانكباب بجدية على سن منظومة قانونية لمكافحة الفساد والرشوة ونهب المال العام، وفي مقدمتها تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، أم أنهم سيقفزون هذا الواقع كأنه يعني بلداً آخر وسيستمرون في التطبيع مع الفساد والريع وحماية لصوص المال العام؟”.
وتابع موضحاً: “لا يخفى على نواب الأمة أن تقارير قد توقفت عند تفاقم الفساد والرشوة بالمغرب، وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً للسلم والأمن الاجتماعيين. ولذلك، فإن المغاربة يتطلعون إلى إرادة سياسية حقيقية للقطع مع الفساد ونهب المال العام والريع وربط المسؤولية بالمحاسبة، ويتمنون أن تستمر المعركة ضد الفساد، وذلك بمحاكمة لصوص المال العام والمفسدين وتحريك مساطر غسل الأموال ضدهم”.
وأكد أن “هذا الواقع يفرض على الأحزاب السياسية قبل فوات الأوان أن تلتقط دقة المرحلة وصعوباتها وخطورة الفساد على الدولة والمجتمع، وأن تبدأ من نفسها وذلك بتجميد عضوية كافة المتهمين في جرائم الفساد وعدم ترشيحهم لأي مسؤولية عمومية كيفما كانت، أو تكليفهم بتمثيل البرلمان في أي نشاط مع اتخاذ البرلمان لقرار نافذ يقضي بوقف صرف أجورهم وتعويضاتهم”.