لندن ـ ‘القدس العربي’ منذ ان اعلنت عن ولادتها هذا العام، برزت الدولة الاسلامية في العراق والشام (‘داعش’) كقوة مهمة في سياق الحرب الاهلية في سورية، تقود اعدادا كبيرة من المقاتلين الاجانب، وتستغل ظرف الفراغ السياسي والعسكري لصالحها، حيث يقوم مقاتلوها منذ فترة بالتقدم سريعا في البلدات والقرى في شمال وشرق سورية، يرفعون الاعلام السود على المساجد والكنائس والمؤسسات الحكومية، ويفرضون على المدرسين تعليم التلاميذ اهمية الجهاد وقتال الكفار ويحرمون التدخين.
ويرى مهتمون بالشأن الجهادي في سورية وغيرها ان ‘داعش’ تطمح الى ‘رسم معالم دولة جهادية او ارض جهادية او اي شيء اكبر منها من مثل الاطاحة بالرئيس بشار الاسد’ كما نقلت صحيفة ‘نيويورك تايمز’ عن بروس هوفمان، مدير مركز الدراسات الامنية في جامعة جورج تاون، مضيفا انه لا يعتقد ان ‘داعش’ تطمح بالسيطرة على كافة التراب السوري، ولكنهم سيكونون سعداء ان فعلوا ذلك حسبما قال.
ويشعر الكثير من السوريين ممن رحبوا بـ’داعش’ اولا كحليف مهم في الحرب ضد الاسد بالندم والاسف على تطور الاحداث لصالح هؤلاء الجهاديين الذين جاء معظمهم من الخارج في الاعم الاغلب. وما يثير غيظ السوريين اكثر هي الممارسات الوحشية وفرض ‘داعش’ للمظاهر الاجتماعية المتشددة بالقوة بدلا من ان يكون التركيز على تغيير النظام.
وقد ادت ممارسات الجهاديين بالجماعات السورية الاخرى الخائفة منها الى فتح جبهة لا ترغب بفتحها في هذا الظرف مع ‘داعش’ والفصائل المرتبطة بالقاعدة.
واندلعت المعارك بين فصائل المقاتلين بسبب مهاجمة ‘داعش’ لقواعد المقاتلين من اجل الحصول على الامدادات منهم. وكثرت الحوادث بين الطرفين كما حصل في اعزاز حيث هاجم مقاتلو الدولة الاسلامية البلدة الاستراتيجية والقريبة من الحدود مع تركيا الشهر الماضي، وحاولوا تكرار نفس الامر بالهجوم على بلدة في ريف ادلب بهدف اختطاف مقاتلين ثم انسحبوا مخلفين وراءهم 20 قتيلا.
ويتهم قادة فصائل اسلامية شكلوا حديثا تحالفا جديدا ‘التحالف الوطني السوري’ ضم ‘لواء التوحيد’ و’صقور الشام’، ‘داعش’ بالتخطيط لاقامة دولة اسلامية تتحد مع العراق فيما يقاتل السوريون للحفاظ على وحدة التراب السوري وحرية السوريين.
ودافع متحدث باسم تنظيم القاعدة يوم الاثنين في شريط مسجل عن اسهامات الدولة وان هناك تجاهلا لقتالها للاسد، ونافيا بدء ‘داعش’ الحرب مع الاطراف الاخرى المنضوية تحت لواء الجيش الحر.
انتهاز الفرصة
ومع بدء الحرب في سورية وجد هذا التنظيم في المناطق الشاسعة التي وقعت بيد المعارضة المسلحة خاصة في شمال وشرق البلاد فرصة لاعادة تنظيم صفوفه وتحقيق اهدافه.
ومما سهل من مهمة ‘داعش’ عدم وجود ادارة مركزية في هذه المناطق اضافة لكونها تفتقد الخدمات المنظمة ووقوعها رهنا للتنافس بين الجماعات المسلحة والمحلية التي يحاول كل فريق منها تحديد منطقة نفوذ له، حيث تتنافس الجماعات على المصادر.
وساعدت الحدود التركية- السورية الوعرة ‘داعش’ على نقل الاسلحة والامدادات اللازمة للمقاتلين بدون مواجهة اية مشاكل. وقد منحت هذه الظروف وضعا لـ’داعش’ افضل من وضعها في العراق حسب بريان فيشمان من نيوامريكا فاونديشين.
ويتهم المقاتلون ‘داعش’ بتركيزها على المناطق ‘المحررة’ حتى لو ادى هذا الى طرد المقاتلين منها، ونقلت ‘نيويورك تايمز’ عن ثائر شعيب وهو مقاتل في ادلب قوله ‘الفكرة انهم يحاولون السيطرة على المناطق المحررة اصلا’، مضيفا انهم يتركون وراءهم اعدادا من المقاتلين لحماية المناطق المحررة ويتقدمون لتحرير مناطق جديدة ويفاجأون بضرب ‘داعش’ لهم من الخلف.
وعندما تسيطر الدولة الاسلامية على هذه المناطق تقوم بفرض ممارسات شديدة على السكان مثل منع التدخين، وقد هاجم اتباعها القرى الكردية التي عقدت هدنة مع الجيش الحر. وفي الرقة المدينة التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة اتخذت من مراكز الحكومة مقرات لسجن وقتل ابناء الاقليات، حيث يقومون باستخدام الرعب والخوف لاحكام السيطرة ‘يقتلون ويخطفون ويمشون في الشوارع بالسلاح والاقنعة على وجوههم’.
وبنفس السياق ذكرت صحيفة ‘واشنطن بوست’ شيئا عن ممارسات عناصر ‘داعش’ في هذه المدينة، مشيرة الى عراقي يدعى ابو حمزة، قال ناشط انه يسيطر بشكل عملي على المدينة، ويتجول في احيائها برفقة قافلة من السيارات الفارهة والحرس.
ويقول الناشط الذي يتحرك بين الرقة وتركيا بشكل منتظم ان نقاط التفتيش على طول الطريق من والى المدينة يحرسها مقاتلون ليبيون وتونسيون وسعوديون ويقول الناشط ‘ من هم هؤلاء الرجال الذين جاءوا من الخارج واخذ يلقون الاوامر علينا؟ وهذا يصيبنا بالجنون’.
كيف وصلت الى هنا؟
وكان دخول ‘داعش’ للساحة السورية بعد اعلان ابو بكر البغدادي عن اندماج دولته مع جبهة النصرة لاهل الشام التي يتزعمها ابو محمد الجولاني، وادى الاعلان الى انقسام داخل الفصيل الذي كان قويا في الشمال، ورفض الجولاني الاندماج مع دولة العراق مفضلا الانضواء تحت لواء ايمن الظواهري.
وكانت ‘داعش’ في سورية حسب المسؤولين الامريكيين تنظيما ‘اقل من صغير’، ولكن تدفق المقاتلين الاجانب لصفوف الدولة هذه ادى الى زيادة قوتها وتوسع مجال نفوذها وبالتالي رؤيتها حول ‘خلافة اسلامية في سورية’ لا تتسامح مع النظام حيث اظهر شريط على اليوتيوب مقاتلين في طريقهم للمعركة وهم ينشدون ‘بالذبح جيناكم، يا علويين’.
مركز جذب
ويظهر صعود ‘داعش’ الكيفية التي تحولت فيها سورية الى مركز جذب للمقاتلين الاجانب الذين يقترب عددهم الى عدد المقاتلين السوريين. وتقول صحيفة ‘واشنطن بوست’ انه مع زيادة عدد الجهاديين من الدول العربية والعالم الاسلامي بدأ هؤلاء يأخذون مركز القيادة في العمليات وادارة المناطق تبعا للدور الجديد الذي تمارسه الدولة الاسلامية .
وتتراوح مهام المقاتلين الاجانب من ادارة نقاط التفتيش، الى قيادة الكتائب في المعارك ضد النظام او الجماعات السورية المنافسة لهم، وفي بعض الاحيان اصبحوا الحكام الفعليين للقرى والبلدات المحررة، حيث اصبحوا في مقدمة الاحداث بدلا من ان يلعبوا دورا من الخلف كما نقلت الصحيفة عن سوريين يعيشون في الشمال ومحللين تحدثوا عن هذه الظاهرة الجديدة.
اعداد متزايدة
ويتراوح عدد المتطوعين الاجانب ما بين 6-10 الاف مقاتل وهو عدد يتجاوز من ذهب الى العراق بعد الغزو الامريكي عام 2003 وربما افغانستان حسب فيشمان، الذي عمل سابقا في مكافحة الارهاب التابع لاكاديمية ‘ويست بوينت’ الامريكية. وقدر الباحث ان اكبر عدد من الجهاديين كان قد تدفق على العراق في الفترة ما بين عامي 2006 ـ 2007 حيث وصل العدد الى هناك 600 وتم تجنيد عدد كبير منهم في عمليات انتحارية.
وتوقع ان يزداد عدد المتطوعين الى سورية اكثر مما كان عليه الحال في العراق ‘هناك اجانب اكثر مما شاهدنا في العراق وسنرى تدفق اعداد جديدة منهم’.
وعلى خلاف الدور الذي لعبوه في العراق فالمقاتلون الاجانب يشاركون في ادارة المناطق التي تقع تحت سيطرة ‘داعش’ ‘ويلعب هؤلاء الاجانب دورا اكثر دينامية، ويتلقون تدريبات ويقودون الناس مما يشير الى مستوى من الكفاءات التي لم نشاهدها في العراق’. وترى ندى باكوس التي تتبعت القاعدة في العراق ان تداعيات الوضع على امريكا والغرب واضحة فقد كان الجهاديون قادرين على تأمين مناطق لهم في سورية اكثر مما كان عليه الحال في العراق وحتى في افغانستان، حيث قال انهم ‘في اي مكان انشأوا مناطق تشبه الى حد بعيد المناطق الآمنة، وهذا مشكلة للغرب’.
وادى صعود ‘داعش’ وممارساتها الى حالة من النزاع بينها وبين القوى المقاتلة، حيث ينظر الى التحالف الوطني السوري على انه محاولة من هذه الجماعات لعزل ‘داعش’ التي لم تمثل فيه.
الاسد سيرشح نفسه
ويأتي هذا الوضع في الوقت الذي بدأت فيه فرق التفتيش عن الاسلحة الكيماوية عملها في سورية. ويأمل الكثيرون ان يؤدي تدمير هذه الاسلحة الى عقد مؤتمر جنيف -2 الذي حدد موعد تقريبي له في نهاية الشهر القادم، حيث سيلتقي وفد من الحكومة واخر من المعارضة التي اخبرت الامين العام للامم المتحدة، بان كي مون بانها سترسل وفدا للمؤتمر.
ولم يطرح موضوع بقاء او رحيل الاسد في السلطة، حيث اعلن عمران الزعبي، وزير الاعلام السوري ان ‘الشعب السوري يطالب بترشيح الاسد للانتخابات’ في العام المقبل وان من حق الرئيس الاسد ترشيح نفسه، مؤكدا ان الشعب سيظهر دعمه له بدلا من دعم ‘المعارضة، الامريكيين، الخونة والجواسيس’.
وتشبه تصريحات الزعبي، تصريحات وليد المعلم، وزير الخارجية الذي رفض اي حديث عن استقالة الاسد، فيما قال الاخير في حواره مع تلفزيون ‘راي’ الايطالي انه سيسير حسب رغبة الشعب.
مجازر في كل مكان
وفي تقرير كتبه جوناثان ستيل في صحيفة ‘الغارديان’ من مدينة اللاذقية على الساحل السوري تحدث فيه عن الهجوم الذي شنه مقاتلون اجانب ومن جبهة النصرة و’داعش’ وفصائل اخرى على عدد من القرى العلوية في جبل الكرد المطل على المدينة، والتي ظلت بمأمن من القتال على الرغم من قربها من الحدود التركية التي يستخدمها المقاتلون لادخال الامدادات والاسلحة.
وهاجم المقاتلون عددا من القرى في فجرالرابع من آب (اغسطس) الماضي في عملية اطلق عليها ‘عملية تحرير الساحل’ وفي محاولة لارسال رسالة للحكومة ان المناطق العلوية لم تعد آمنة.
وانتشرت اخبار عن ارتكاب المهاجمين مجازر حيث هرب ما يقرب عن 25 الفا من هذه القرى العلوية الى اللاذقية فيما واصل الجهاديون تقدمهم وسيطروا على بلدات اخرى ووصلوا الى بلدة عرامو التي لا تبعد سوى 12 ميلا عن القرداحة مسقط رأس الرئيس حافظ الاسد وعائلته، والمكان الذي دفن فيه.
واستطاعت قوات الحكومة بعد ايام استعادة القرى التي دخلها الجهاديون بمساعدة من الطيران الحربي والميليشيات المؤيدة للنظام ‘اللجان’ او قوات الدفاع الشعبي. ويقول التقرير ان التلفزيون الرسمي اعلن في 19 آب (اغسطس) عن استعادة كل القرى العلوية، ولكنه لم يذكر اي شيء عن المجازر ولم يبث صورا عن القتل والتشويه.
والسبب وراء هذا التصرف هو تجنب اندلاع حرب طائفية حسب رجا ناصر، وهو معارض سياسي مقيم دمشق ‘ لاول مرة تصرفت الحكومة بتحفظ لخوفها من اندلاع حرب طائفية على طول الساحل، وحتى نفى النظام في البداية حدوث مجازر’.