المقاومة انتصرت بردع «إسرائيل» وضعضعة نتنياهو… ماذا بعد؟

حجم الخط
0

من حق الفلسطينيين عموماً والمقاومة وحلفائها خصوصاً أن يبتهجوا للهزيمة المدوّية التي ألحقوها بالجيش الإسرائيلي في خان يونس مساء 2018/11/11. ألم يعتبر إسرائيليون وازنون من كبار القادة العسكريين السابقين والخبراء الإستراتيجيين، والإعلاميين، وأهل الرأي، ورموز الساسة الحاكمين، وفي مقدّمهم وزير الحرب المستقيل أفيغدور ليبرمان، بأن ما حدث هزيمةً عسكرية وسياسية نكراء للكيان الصهيوني؟ هؤلاء أنفسهم بادروا في اليوم التالي إلى طرح أسئلة لافتة ومحرجة، أبرزها اثنان:
* لماذا جرى تنفيذ عملية بالغة الخطورة في عمق 3 كيلومترات داخل قطاع غزة وفي منطقة كثيفة السكان، وبعد ساعات قليلة من مؤتمر صحافي عقده بنيامين نتنياهو في باريس، أوضح فيه ضرورة بذل كل جهد من أجل التوصل إلى تسوية في غزة وعدم الانزلاق إلى حرب؟
* ماذا سيفعل نتنياهو وحكومته بعد هذه الصدمة الأشد وغير المسبوقة التي تعرّضت لها «إسرائيل» منذ حربها المفتوحة على غزة عام 2014؟
للإجابة عن هذين السؤالين، تتوجب الإحاطة بأهم الواقعات والسيناريوهات والتداعيات السياسية والعملانية السابقة واللاحقة لعملية خان يونس الفاشلة. لعل أدق ما جرى استخلاصه في هذا المجال ما قاله رونين ايتسيك القائد الأسبق للواء المدرعات، والباحث حالياً في العلاقات بين الجيش الإسرائيلي والمجتمع في صحيفة «يسرائيل هيوم» (2018/11/14). ايتسيك لخّص النتائج والمفاعيل بالآتي:
*اولاً، سيناريوهات الرعب التي عرضها قادة الجيش أمام المجلس الوزاري المصغر، كانت غايتها التحذير من مغبة الإقدام على مغامرة إعادة احتلال قطاع غزة.
*ثانياً، التخوّف من اليوم التالي لاحتمال سقوط حكم «حماس» كان دافعه التحذير من صعود تنظيم آخر اكثر تطرفاً منها بكثير.
*ثالثاً، إن حرص حكومة نتنياهو في المحافظة على الانفصال الحاصل بين غزة والضفة الغربية يرمي إلى تمكينها من الادعاء بأنه لا يمكن الحوار مع الفلسطينيين في ظل «فتح» و»حماس» العاجزَتين عن التحاور في ما بينهما.
*رابعاً، تآكل النجاعة العملانية للجيش الإسرائيلي، إذ من غير الممكن فهم كيف تنجح تنظيمات معادية في إطلاق الصواريخ بكثافة وفي وقت واحد وبوتيرة مدمرة، بينما تقف مترددة في مواجهتها منظومةٌ متطورة من سلاح الجو الإسرائيلي، والدفاع ضد الصواريخ والاستخبارات.
*خامساً، عدم قدرة «إسرائيل» على التخلي عن أسلوب متجذّر مفاده أننا نفعل كل شيء فقط كي لا تشعر «حماس» للحظة واحدة بأنها في خطر فعلي، الأمر الذي أظهرنا ببساطة غيرَ مهتمين في مواجهة «حماس» وحلفائها.
*سادساً، عدم القدرة على إعطاء سكان جنوب «اسرائيل» الثقة والإحساس بالأمن، ما ولّد عدم ثقةٍ جذرياً بالجيش والحكومة، وأساء إلى خطة الحكومة الرامية إلى زيادة عدد السكان في الجنوب وتوسيع المدن.
*سابعاً، ظهرنا امام خصومنا جميعاً، وخصوصاً ايران، بأن حكومتنا مرتدعة، وجيشنا ليس لديه أجوبة، ومواطنينا يعيشون مع الإحساس بعدم الأمان.
حيال هذه الصورة القاتمة التي ارتسمت في وعي الإسرائيليين لأنفسهم ولأوضاعهم، ماذا يمكن أن يحدث على الصعيد السياسي؟
من الواضح أن صورة نتنياهو، الملقّب بـ»سيد الأمن» لدى الجمهور، قد تشوهت لدرجة أن نحو 70 في المئة من المشاركين في استطلاعٍ للرأي غداة عملية خان يونس الفاشلة، شجبوا موقفه المتخاذل، وقد تُرجمت هذه النسبة المئوية السلبية العالية بأنها مؤشر إلى خسارة مرتقبة في عدد نواب حزبه، لا تقل عن اثنين في حال جرت الانتخابات الآن. لهذا السبب فكّر نتنياهو بإسناد حقيبة وزارة الأمن (أو الحرب) إلى غريمه ومنافسه على منصب رئاسة الحكومة، رئيس حزب «البيت اليهودي» نفتالي بينيت، لتفادي استقالته وخروج نواب حزبه الثمانية من الإئتلاف الحاكم، ما يُفقد حكومته ثقة الكنيست، وبالتالي يضطرها إلى إجراء انتخابات مبكرة غير مأمونة النتائج. لكن معارضة أركان أقوياء في الإئتلاف الحاكم دفعته إلى نبذ هذه الفكرة والاكتفاء بحكومة ضيقة يتولّى هو فيها وزارة الأمن تفادياً لانتخابات مبكرة، يبدو أن لا مندوحة من إجرائها.

يجد نتنياهو وقادته العسكريون أنفسهم أمام تحدي ما يجب أن يقوموا به بعد عملية خان يونس الفاشلة

إذ تتخبط «إسرائيل» في أزمة سياسية معقدة، يجد نتنياهو وقادته العسكريون أنفسهم أمام تحدٍّ آخر لا يقل تعقيداً هو ما يجب أن يقوم به، عملانياً وإستراتيجياً بعد عملية خان يونس الفاشلة ومفاعيلها المحبِطة؟ ثمة شبه إجماع بين المعلّقين العسكريين والخبراء الإستراتيجيين الإسرائيليين على أن عملية خان يونس لم تكن محاولة لإغتيال قيادي بارز في صفوف «حماس»، كما تردَدَ بادئ الأمر، بل «كانت عملية غايتها جمع معلومات استخبارية لها علاقة بالبنية التحتية العسكرية لـ»حماس»: أنفاق وتطوير سلاح. وربما لها أيضاً علاقة بمشكلة أخرى تعانيها «إسرائيل» في غزة: الأسرى والمفقودون خلال السنوات الأخيرة. وتستغل «اسرائيل» عادةً الفوضى في العالم العربي للقيام بعمليات كثيرة مشابهة وراء الحدود، القسم الاكبر منها لا يجري الكشف عنه ولا يعرف به الجمهور». (انظر:عاموس هرئيل في «هآرتس»، 2018/11/12).
استنتاج هرئيل معقول، لكنّني أرجّح أن الغاية المركزية لعملية خان يونس كانت تتعلق بما اسماه هرئيل «تطوير سلاح»، مضمونها محاولة الكوماندوس الإسرائيلي تعطيل موقع مختص بتطوير صواريخ المقاومة لجعلها أطول مدى واكثر دقة. ذلـك أن نجاح «اسرائيل» فـي تعطيل هذه الرافعة التكنولوجيـة يساعدها على تحقيق الأغراض المتوخاة من مخطط التهدئة في غزة، والتطبيع مع دول الخليج بقصد إقامة حلف «ناتو» اسرائيلي- خليجي لترفيع فعالية حملة نتنياهو وترامب لتقويض قدرات إيران. في ضوء هذه الواقعات والتحديات والاحتمالات، يستقيم الاستنتاج بأن القيادة السياسية والعسكرية العليا في «اسرائيل» باتت في حال ارتباك سياسي وعسكري شديد يحول دون اتخاذها قرارات حاسمة خلال المرحلة الانتقالية التي يمرّ فيها الكيان الصهيوني في الوقت الحاضر، ولغاية إجراء الانتخابات في العام المقبل.
المهم أن تحرص قيادات أطراف محور المقاومة على اغتنام حال الارتباك الإسرائيلية (والامريكية) بغية هندسة ردود سياسية وعسكرية كفيلة بإحباط سيناريوهات تكتيكية واستراتيجية تمور في عقول قيادات معسكر الأعداء.
كاتب لبناني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية