الرباط ـ «القدس العربي»: وحّدت الاحتجاجات كوادر الصحة في المغرب من ممرضين وأطباء، وذلك بعد أن وحّدتهم يوميات مواجهة جائحة فيروس “كورونا” المستجد، والعمل لساعات طويلة ومرهقة في استقبال الحالات المصابة بالعدوى والعمل على علاجها، وهو ما نجحت فيه الأطقم الطبية في المغرب، وأعادت إليها وهجها ونالت تقدير المغاربة.
اختلفت مطالب الأطباء عن مطالب الممرضين، لكن قاسمها المشترك في عدة محطات هي الهاجس الاجتماعي والمهني وتسوية الوضعيات ناهيك عن التعويضات المالية وأيام العطل.
وصعدت النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام في المغرب من احتجاجاتها في وجه وزارة الصحة بسبب ما وصفته بـ”الموقف المبهم” للحكومة في التعامل مع ملفها المطلبي. حيث أعلنت عن إضراب وطني لمدة 48 ساعة يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين. وأكدت أن الحكومة تمارس “سياسة الكيل بمكيالين التي تنهجها الحكومة في التعاطي مع ملف الأطباء”. وحسب بلاغ نقابة الأطباء، فإن الإضراب سيشمل كل المؤسسات الصحية باستثناء أقسام الإنعاش والمستعجلات.
كما أفادت النقابة بأنها تعتزم تنظيم وقفة احتجاجية مع مسيرة في الرباط، انطلاقاً من مقر وزارة الصحة صوب وزارة المالية، سيعلن عن تاريخها لاحقاً، معلنين استئناف “الحداد المفتوح والدائم لطبيب القطاع العام بارتداء البذلة السوداء وبحمل شارة 509”.
بلاغ النقابة الغاضبة سجل “تمادي الحكومة في مسلسل التسويف وحقيقة الإهمال والتعنت في التعامل مع الملف المطلبي”، معتبرة أن أسباب هذا الموقف الحكومي “مبهمة وعصية على الفهم، رغم أن الوضع الراهن للمنظومة الصحية والظرف الصحي يقتضيان تحفيز الأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان بالقطاع العام”.
وفي المقابل، أكد الأطباء التزامهم بإنجاح حملة التطعيم ضد وباء “كوفيد-19″، فقط من خلال أيام العمل القانونية الخمسة من الإثنين إلى الجمعة، داعين وزارة الصحة إلى حذف يوم السبت حفاظاً على نجاعة الموارد البشرية المجندة لذلك، مطالبين بتفعيل الشراكة بالاتجاهين بين العام والخاص من القطاعين.
وعزت النقابة تصعيدها الجديد إلى عدة أسباب ذكرت منها في بلاغها أن الحكومة “تدير ظهرها وتتنكر لملفهم المطلبي العادل الذي قطع أشواطاً جد متقدمة بشهادة المسؤول الأول عن القطاع في أحد تدخلاته أمام إحدى اللجان البرلمانية..”.
وذكّرت النقابة بأن الأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان في القطاع العام “أبانوا عن تضحيات جسام وتفاني ونكران الذات خلال هذه الظروف العصيبة التي يمر بها المغرب من جراء تداعيات جائحة كوفيد19، حيث لم يُسجّل عليهم أي تردد أو تهاون أو تخاذل في تأدية واجبهم تلبية لنداء الوطن، رغم قساوة ظروف العمل في ظل منظومة صحية متهالكة وصلت إلى باب الإفلاس بشهادة الجميع”.
وأعلن الممرضون عن قرار يتمثل في خوض إضراب عام يومي 25 و26 أيار/ مايو، في جميع المصالح الاستشفائية والوقائية، ما عدا المستعجلات والإنعاش.
القرار الذي أعلنت عنه “حركة الممرضين وتقنيي الصحة” أكدت أنه سيكون مصحوباً بوقفات احتجاجية إقليمية أو جهوية في اليوم الأول من الإضراب، وذلك احتجاجاً على تهميش مطالب الممرضين وتقنيي الصحة.
وحسب “الهيئة المهنية الممرضين”، فإن قرار الإضراب يأتي استمراراً للبرنامج الاحتجاجي الذي سبق أن سطرته، حيث تضمن إضراباً لمدة يومين نهاية نيسان/ أبريل المنصرم.
ولم تخف حركة الممرضين وتقنيي الصحة سخطها مما آلت أوضاع جولات الحوار القطاعي من تقزيم للملف المطلبي، مستنكرة الغلاف المالي الهزيل الذي لا يكفي جميع الفئات، فضلاً عن فشل النقابات في تحصين المكتسبات.
وحمّلت الحركة مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع إلى وزارة الصحة والنقابات أيضاً بسبب الإمعان في “التجاهل والتماطل”، مؤكدين رفضهم القوانين والتشريعات الخاصة بهم، في غياب مقاربة تشاركية.
وعبر الممرضون وتقنيو الصحة في مناسبات عديدة عن إحساسهم بالميزة، خاصة بعد إقرار تعويضات تحفيزية من طرف الوزارة، حيث تفاوتت مبالغها بين الطبيب والممرض، مؤكدين أن الجميع في مواجهة واحدة وفي خطر واحد، وهو ما يتحتم على الوزارة الوصية أن تأخذه بعين الاعتبار.
قبل قرارات نقابة الأطباء ومعهم حركة الممرضين بخوض إضراب عن العمل وتحديد كل هيئة لموعد هذه المحطة الاحتجاجية، عاشت الكوادر الطبية وقائع جدل كبير نتج عنه الدعوة لعدم التوجه إلى مقار العمل خاصة مراكز التطعيم ثاني أيام عيد الفطر، على اعتبار أنه يوم عطلة رسمية.
القرار الذي دعت إليه نقابة “الجامعة الوطنية للصحة” لم يكن ساري المفعول بالنسبة للبقية، فقد كان موعد تلقيح مجموعة من المواطنين السبت المصادف لثاني أيام عيد الفطر، وتلقوا الجرعة الاولى من يد ممرضين ضحوا بعطلتهم من أجل استمرار العملية. لكن في المقابل، أصدرت النقابة المذكورة بلاغاً نوّهت فيه بالانخراط الواسع لمئات نساء ورجال الصحة في تنفيذ قرار عدم الالتحاق بمراكز التطعيم في اليوم الثاني من عطلة عيد الفطر. كما أشادت النقابة المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، بالجهود المتواصلة للكوادر الصحية في مواجهة كورونا وفي حملة التطعيم، وطالبت بتمتيع العاملين في العملية بمستحقاتهم وتخفيف الضغط عليهم وإلغاء العمل السبت.
وأكدت الجامعة أن اليوم الثاني لعيد الفطر باعتباره عطلة رسمية تكفلها التشريعات والمواثيق الوطنية والدولية ذات الصلة، لا يجوز تعليقها بتعليمات شفوية وعبر رسائل بـ”مجموعات منصات التواصل النصي السريع”، ولعدم وجود ظرف قاهر لذلك، وعدم التأصيل للقرار رسمياً.
وقبل هبوب عاصفة فيروس كورونا المستجد، كانت العلاقة بين المواطن المغربي والطبيب أو الممرض متوترة للغاية، تتسم بعدم الثقة وبنوع من النفور، خاصة في ظل الاتهامات التي توجه للأطقم الطبية بإهمال المرضى وعدم الاهتمام بصحتهم وبرعايتهم كما يجب، بل إن هناك اتهامات وجهت لأطباء ومصحات خاصة بالاتجار في المرضى وهو ما كان موضوع جدل محتد ونقاش ساخن عرفه الرأي العام المغربي.
لكن الوضع تغير تماماً بعد الجائحة، فقد صار الطبيب والممرض أبطالاً من نوع خاص، أبطالاً يتمكنون من استعادة درع بطولتهم خلال مواجهتهم للفيروس وسهرهم على رعاية وعلاج المصابين بالعدوى والعمل لساعات طويلة دون التفكير في الاستراحة.
وما زال المغاربة يتذكرون الطبيبة التي بكت على الهواء مباشرة وهي تعلن اشتياقها لأبنائها بعد أن ظلت في العمل طيلة أيام متتابعة دون أن تغفل ولو لحظة واحدة.
وكما قيل “رب ضارة نافعة”، ففيروس كورونا المرعب أعاد فرحة الثقة إلى قلوب المغاربة في أطبائهم وممرضيهم الذين أبانوا عن حس وطني ومهني وإنساني كبير، في إطار الخط العام الذي سطره المغرب لمواجهة كوفيد 19، والذي اتسم بالاستباقية والسرعة والاحتراز والصرامة وطبعاً وضع صحة المواطن قبل كل شيء.