تونس – الأناضول: على خلاف جيرانه المزارعين الذين يرعون أنواعا من الماشية كالماعز والأغنام والأبقار، اختار مهندس تونسي أن يوظف جزءا من ضيعة الزيتون التي ورثها عن أبيه لتربية «الأيل الأطلسي». فبين السفوح الغربية لجبل «وسلات» بمعتمدية الوسلاتية، التي تبعد 60 كلم غرب مدينة القيروان وسط تونس، اختار المهندس موفق الكعبي ضيعة الأسرة، لتربية قطيع مكون من عشرات الإناث والذكور من الغزال النادر. و«الأيل الأطلسي» نوع من الغزلان كان قد اختفى من تونس بسبب الحرب والصيد العشوائي والزحف السكاني، غير أنه عاد إلى البلاد عبر مبادرات من باحثين ومستثمرين.
مشروع متكامل
عند زيارة «هنشير» (ضيعة) الكعبي، يشد انتباهك خروج قطيع الأيل الأطلسي من بين أشجار الزيتون والصنوبر، وهو القطيع الذي يربيه المهندس التونسي، كنوع من الاستثمار الشخصي في القطاع السياحي. وقال الكعبي للأناضول: «بحكم أنني أصيل (من سكان) المنطقة، جاءتني الفكرة لتركيز (تنفيذ) هذا المشروع في منطقة الوسلاتية، من ولاية القيروان». ومنطقة الوسلاتية تحتوي على معالم أثرية مهمة، منها لوحات رسوم بدائية على الصخر تعكس حيوانات منها الغزلان، ما يشير إلى أنها كانت موجودة بالفعل قبل اختفائها من المنطقة.
وأوضح الكعبي أن «هذا المشروع ريادي وجديد ويضيف للمنطقة، ويعطينا القدرة كتونسيين على الحلم بقدراتنا على الإضافة، وتركيز مشاريع جديدة ذات بعد جديد». وخلال المقابلة مع المهندس وتصوير المنطقة وأشجارها، وحركة قطيع الأيل الأطلسي، دخل عشرات السياح للاطلاع على التجربة والاستمتاع بالأجواء الطبيعية. وهنا قال المهندس التونسي: «شيئا فشيئا نحاول تحسين المشروع وتكبيره وجعله مزارا يتمتع به التونسيون وحتى السياح القادمون من الخارج»، معربا عن أمله بأن يكون «نواة مشروع سياحي متكامل للمنطقة».
وعن أسباب اختياره هذا النوع من الحيوانات لتربيته، قال الكعبي: «هذا الغزال يسمى الأيل الأطلسي، وكان موجودا في الضفة العليا للبحر المتوسط من جنوب تركيا حتى جنوب أوروبا وفي جبال القارة».
وأضاف: «بحكم التغيرات المناخية أصبح هناك تجانس للمناخ سمح بتأقلم الحيوان (الأيل الأطلسي) مع مناخنا، ليتكاثر ويعيش ويكون متأقلما تماما مع المناخ التونسي». وأوضح أن الغزال «من صنف الحيوانات المجترة (التي تخزن الطعام في معدتها)، وهناك مشتركات كثيرة له مع الحيوانات المجترة الأخرى مثل الأبقار والماعز والخرفان مع بعض التغيير».
وتابع: «الحيوان يأكل أساسا الشعير والقرط وقشرة اللف السكري والجزر، فهو يحتاج طاقة كبيرة خاصة أنه يجري دائما وله عضلات كثيرة، لذا لابد من إعطائه إضافات غذائية تمكنه من المحافظة على الطاقة». وخلص الكعبي إلى أن «الغزال متأقلم مع الطقس التونسي بصفة عامة، ويجعلنا نطمح لإكثاره، وندعم البرامج التنموية الفلاحية التي تصب في خانة السياحة والفلاحة في أن واحد». ورغم أن الكعبي في الأساس مهندس اتصالات، فقد أطلق المشروع في محاولة لخدمة «المناطق الداخلية، التي تحتاج كثيرا لأبنائها وللاستثمارات والبرامج التنموية». ووفق المهندس التونسي فإن «الفرصة متاحة لكل شخص للقيام بأنشطة تنموية زيادة على شغله الأصلي، فقط ننظم الوقت». وعن الدعم الحكومي للمشروع والمشروعات المماثلة، قال الكعبي: «تحصلت بعض الدعم من الإدارات ومن هياكل الإدارة التونسية، لتنفيذ هذا المشروع».
تأقلم الغزال
وأضاف: «أحب منطقتي كثيرا وأعود كل نهاية أسبوع إلى الوسلاتية، وأعتبر هذا تضحية ودعما لمنطقتي، وإن شاء الله نجد الدعم اللازم لإحياء مناطقنا بما نستطيع بأفكار جديدة لبناء تونس جديدة». يذكر أنه في عام 2016، نجح باحثون تونسيون للمرة الأولى، في إطار البرنامج الوطني للمحافظة على الحياة البرية بتونس، في جلب 43 رأسا من الأيل الأطلسي من إسبانيا ليستقر في موطنه الأصلي في البلاد. وكان الحيوان البري قد اختفى من تونس، مع فترة الحرب العالمية الأولى (1914-1918) والاستعمار الفرنسي (1881-1956)، وهي فترة عرفت انقراض حيوانات عديدة بالبلاد بينها الأسد الأطلسي والنمر وغيرها.