القدس: “منذ الحرب العالمية الثانية، اغتالت إسرائيل أناساً أكثر من أي دولة أخرى في العالم الغربي”، يقول المحلل الاستخباري الإسرائيلي رونين بيرغمان في كتابه “قم واقتل أولاً”.
ويسلّط الكتاب، الصادر في 2018، الضوء على تفاصيل أبرز العمليات التي نفّذها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” في العديد من الدول حول العالم، ومنها إيران وألمانيا وتونس وسوريا ولبنان وإيطاليا وفرنسا واليونان
عنوان الكتاب مستوحى من عبارة في التلمود هي: “إذا جاء أحد ليقتلك، قم واقتله أولاً”.
ويكشف النقاب عن أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية نفذت ما لا يقل عن 2700 عملية اغتيال منذ الإعلان عن قيام دولة إسرائيل عام 1948 وحتى إصدار الكتاب.
عنوان كتاب عن عمليات الموساد مستوحى من عبارة في التلمود هي: “إذا جاء أحد ليقتلك، قم واقتله أولاً”
ويملك الموساد تاريخاً حافلاً في تصفية من يعدّهم “خصوم الدولة”، وخاصة قادة المقاومة الفلسطينية.
ويتبع الموساد لمسؤولية رئيس الوزراء الإسرائيلي مباشرة، ولا يقوم بأي عمليات اغتيال دون الحصول على مصادقة منه.
ويعمل الموساد خارج إسرائيل، فيما يعمل جهاز استخباراتي آخر في الداخل (بالإضافة للضفة الغربية وغزة)، ويحمل اسم “الشاباك”، الذي يتولى مسؤولية عمليات الاغتيال داخل الأراضي الفلسطينية.
وغالباً، لا تعلن إسرائيل بشكل صريح مسؤوليتها عن معظم عمليات الاغتيال التي طالت قادة فلسطينيين وعرباً، بالإضافة إلى اتهام طهران لها بالضلوع في عمليات اغتيال علماء إيرانيين.
لكن إسرائيل اضطرت للاعتراف بمسؤوليتها عن اغتيالات ومحاولات عمليات اغتيال فاشلة، منها محاولة اغتيال القيادي في حركة “فتح” علي حسن سلامة في النرويج، عام 1973، ومحاولة اغتيال عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل في الأردن، في 1997، واغتيال القيادي في حركة “حماس” محمود المبحوح في الإمارات، عام 2010.
وتمثل ممارسات واغتيالات الموساد انتهاكاً صارخاً لسيادة الدول، فضلاً عن أنها تضرب بعرض الحائط القانون الإنساني الدولي، ناهيك عن أنها في كثير من الأحيان تؤدي إلى مقتل مدنيين أبرياء.
ويفرض القانون الدولي الإنساني مجموعة ضوابط للحد من تأثير النزاعات المسلحة، وحماية الأشخاص الذين لا يُشاركون في القتال كالمدنيين، أو الذين لم يعودوا طرفاً في القتال، مثل الجنود المصابين، كما يرمي إلى الحد من الوسائل المستخدمة في الصراع أملاً في التخفيف من الخسائر البشرية و المادية المترتبة على النزاع المسلح.
كما يعطي القانون أولوية لفكرة سيادة الدول، ويحظر على أي دولة التدخل داخل حدود دولة أخرى دون موافقة الأخيرة.
عندما أرادت إسرائيل اغتيال علي حسن سلامة بالنرويج في 1973، قتلت مواطناً مغربياً عندما شخّصته بالخطأ بأنه سلامة
وفي سياق قتل الأبرياء، يشير بيرغمان إلى أنه عندما أرادت إسرائيل اغتيال القيادي في حركة “فتح” في النرويج علي حسن سلامة في بلدة ليلهامر بالنرويج في 1973، فإنها قتلت مواطناً مغربياً عندما شخّصته بالخطأ بأنه سلامة.
وقال: “الرجل الذي قتله الإسرائيليون في ليلهامر لم يكن علي حسن سلامة، ولكن أحمد بوشيكي، وهو مغربي كان يعمل نادلاً ورجل تنظيف في حمام سباحة”.
وينقل الكتاب عن ضابط في المخابرات الإسرائيلية “الموساد”، لم يسمه، قوله: “بعض العرب الذين قتلناهم لم نكن نعرف لماذا قتلناهم، وهم أيضاً لا يعرفون لماذا ماتوا”.
ويضرب الكاتب مثالاً آخر على ذلك اغتيال الأديب والدبلوماسي في “منظمة التحرير الفلسطينية” وائل زعيتر بالعاصمة الإيطالية روما، في 1972.
وقال: “اعترفَ مسؤول كبير في الموساد نظر في ملف زعيتر بعد فوات الأوان بأن قتله كان خطأ فادحاً، في الواقع أصرّ الفلسطينيون منذ فترة طويلة على أن زعيتر كان مثقفاً مسالماً يمقت العنف”.
ووقعت آخر عمليات الموساد مساء الثاني من يناير/ كانون الثاني 2024، حينما قصفت إسرائيل بطائرة مسيّرة مكتباً لحركة “حماس” في العاصمة اللبنانية بيروت، ما أدى إلى مقتل نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري و6 آخرين، بينهم 2 من قادة “كتائب القسام”، الجناح العسكري لـ “حماس”.
وكعادتها، لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن عملية الاغتيال هذه باعتبار أنها تمت في دولة أخرى.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال، في ديسمبر/ كانون الأول 2023، إنه أصدر تعليماته إلى “الموساد” باغتيال قادة “حماس” أينما كانوا، رداً على عملية “طوفان الأقصى”، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وامتنع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري عن التعليق على اغتيال العاروري، بينما قال عضو لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، داني دانون، عبر تغريدة: “أهنئ الجيش و(جهاز الأمن العام) الشاباك و(جهاز المخابرات الخارجية) الموساد وقوات الأمن على قتل العاروري في بيروت”.
ضابط في الموساد: بعض العرب الذين قتلناهم لم نكن نعرف لماذا قتلناهم، وهم أيضاً لا يعرفون لماذا ماتوا
وفي السطور التالية أبرز عمليات، أو محاولات الاغتيال، التي يُعتقد أن إسرائيل نفذتها، وإن لم تعترف بذلك:
– القائد في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي (25 ديسمبر 2023)
قبل عملية العاروري، كانت آخر الاغتيالات التي اتهم “الموساد” بالضلوع فيها، قتل القائد في “الحرس الثوري الإيراني” رضي موسوي، الذي كان معروفاً بقربه من قائد “فيلق القدس” السابق قاسم سليماني، الذي اغتالته واشنطن في العراق، في 2020.
وأعلنت وكالة تسنيم للأنباء الإيرانية، في 25 ديسمبر 2023، مقتل موسوي، إثر هجوم نفذته إسرائيل في سوريا، فيما لم تعلن تل أبيب رسمياً مسؤوليتها عن الحادث.
– العالم الإيراني محسن فخري زاده (27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020)
اتهمت إيران إسرائيل في 27 نوفمبر 2020 باغتيال العالم محسن فخري زاده، في عملية وصفت بـ “المعقدة”.
– محاولة اغتيال القيادي في حركة “حماس” محمد حمدان في صيدا جنوبي لبنان (14 يناير 2018).
أعلن الجيش اللبناني، في عام 2019، اعتقال أحد مواطنيه بتهمة التعامل مع جهاز “الموساد”، والمشاركة بمحاولة اغتيال القيادي حمدان، بوضع عبوة ناسفة في سيارته بمدينة صيدا جنوبي لبنان.
– العالم الفلسطيني فادي البطش (21 أبريل/ نيسان 2018)
ذكرت صحيفة “التايمز” البريطانية في سبتمبر/ أيلول 2020، أنّها توصلت لوثائق من المخابرات الإسرائيلية تؤكد ضلوع الأخيرة في اغتيال العالم الفلسطيني فادي البطش (يتبع لحركة حماس) في العاصمة الماليزية كولالمبور.
-محمد الزواري (تونسي الجنسية) (15 ديسمبر 2016)
قالت “كتائب عز الدين القسام”، في بيان رسمي، إن الزواري أحد عناصرها، واتهمت إسرائيل باغتياله.
وأضافت أن الزواري هو أحد قادتها الذين أشرفوا على مشروع “طائرات الأبابيل”، وهي طائرة صغيرة من دون طيار أعلنت عنها “القسام”، خلال الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة صيف عام 2014.
اعترف مسؤول كبير في الموساد بأن قتل زعيتر كان خطأ فادحاً، فقد “كان مثقفاً مسالماً يمقت العنف”
وبحسب وزارة الداخلية التونسية تم اغتيال الزواري، على يد مسلحين مجهولين، بمدينة صفاقس جنوبي البلاد.
-عمر النايف ( 26 فبراير/شباط 2016)
أحد كوادر “الجبهة الفلسطينية لتحرير فلسطين” (تنظيم يساري)، وقُتل في السفارة الفلسطينية في بلغاريا.
واتهمت “الجبهة” إسرائيل باغتياله، فيما أعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية، مقتله، في ظروف غامضة، وقرر الرئيس محمود عباس على خلفية ذلك، تشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات مقتله.
– اغتيال 4 علماء إيرانيين (بين 2010 و2012)
العلماء الإيرانيون داريوش رضائي نجاد، مجيد شهرياري، مسعود علي محمدي، مصطفى أحمدي روشان، اغتيلوا جميعهم في العاصمة الإيرانية طهران، بين 2010 و2012.
إسرائيل بدورها، لم تعترف باغتيالهم، لكن السلطات الإيرانية حمّلت “الموساد” المسؤولية عن ذلك، وقامت بعدد من الاعتقالات لمتهمين بالتخابر والتعاون مع إسرائيل لتنفيذ هذه الاغتيالات. أعدمت السلطات الإيرانية المتهم باغتيال مسعود محمدي، عام 2012، وقالت إنه نفذ الاغتيال مقابل 120 ألف دولار تلقاها من الموساد.
– محمود المبحوح (19 يناير 2010)
أحد قادة “القسام”، تتهمه إسرائيل بالمسؤولية وراء خطف وقتل جنديين إسرائيليين خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والمسؤولية عن تهريب الأسلحة من إيران إلى قطاع غزة.
وأعلنت شرطة دبي في دولة الإمارات عن اغتياله في غرفته بأحد الفنادق بدبي، (صعقاً بالكهرباء، ثم تم خنقه) في عملية يشتبه أنها من تدبير إسرائيل، وأثارت حينها غضباً دبلوماسياً إماراتياً.
-عز الدين الشيخ خليل (26 سبتمبر 2004)
أحد كوادر “حماس”، قُتل في انفجار سيارته في العاصمة السورية دمشق، فيما حمل مسؤولو الحركة إسرائيل مسؤولية اغتياله.
وقالت “حماس” إن “الشيخ خليل” هو أحد القادة المؤسسين لـ “القسام”.
-فتحي الشقاقي (26 أكتوبر 1995)
تم إطلاق النار على مؤسس حركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين، أمينها العام فتحي الشقاقي، في جزيرة مالطا (جنوبي إيطاليا)، أثناء عودته من ليبيا، في زيارة قيل إنها “سرية”.
وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، قد نشرت، في ملحقها الأسبوعي 8 حزيران/يونيو 2007، فصلاً من كتاب “نقطة اللا عودة”، للصحفي رونين برغمان، كشف عن وقوف “الموساد” وراء حادثة الشقاقي.
وجاء في الكتاب أنَّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، في ذلك الوقت الراحل اسحق رابين، أمر في كانون الثاني باغتيال الشقاقي “في أعقاب تنفيذ “الجهاد الإسلامي” عملية قتل فيها 22 إسرائيلياً وجرح 108 آخرين.
-عاطف بسيسو (8 حزيران 1992)
تتهم حركة “فتح” الموساد الإسرائيلي باغتيال مسؤول الأجهزة الأمنية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عاطف بسيسو، في العاصمة الفرنسية باريس.
وتقول إسرائيل إن بسيسو شارك في عملية احتجاز الرياضيين الإسرائيليين في دورة ميونخ الأولمبية، عام 1972.
-خليل الوزير (16 إبريل 1988)
تم اغتيال خليل الوزير، الرجل الثاني في حركة “فتح” في منزله بالعاصمة التونسية.
وحسب الرواية الإسرائيلية، فإنه تم في ليلة الاغتيال إنزال “24” عنصرًا مدربًا من الموساد الإسرائيلي، قرابة الشواطئ التونسية، وتسللوا إلى منزله، وقاموا بقتله.
-غسان كنفاني: (8 تموز/يوليو 1972)
تم اغتيال غسان كنفاني، وهو كاتب وأديب فلسطيني معروف، وقيادي في تنظيم “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، في العاصمة اللبنانية بيروت بتفجير سيارته بواسطة عبوة ناسفة.
-محمود همشري: (8 ديسمبر 1972)
تم اغتيال محمود همشري، وهو ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا، حيث تم قتله بواسطة قنبلة في باريس.
-حسين البشير: (24 يناير 1973)
تم اغتيال حسين البشير، وهو ممثل لـ “فتح” في قبرص، من خلال زرع قنبلة في غرفته في فندق في نيقوسيا.
-أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر: (10 أبريل 1973)
نفذت وحدة تابعة للموساد، في العاصمة اللبنانية بيروت، عملية اغتيال ثلاثة من قادة حركة “فتح” ومنظمة التحرير، وهم محمد يوسف النجار وكمال عدوان عضو اللجنة المركزية للحركة وكمال ناصر، المتحدث رسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية.
-حسن علي سلامة: (22 يناير 1979)
تم اغتيال علي حسن سلامة، القيادي البارز في حركة “فتح”، عن طريق تفجير سيارة في بيروت.
– محاولة اغتيال خالد مشعل: (25 سبتمبر 1997)
تعتبر محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل من أشهر محاولات الموساد الإسرائيلي التي فشل في تنفيذها.
ففي 25 سبتمبر 1997، استهدف الموساد الإسرائيلي، وبتوجيهات مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مشعل، من خلال 10 عناصر من جهاز الموساد دخلوا الأردن بجوازات سفر كندية مزورة، وتم حقنه بمادة سامة أثناء سيره في شارع وصفي التل في عمّان.
واكتشفت السلطات الأردنية محاولة الاغتيال، وألقت القبض على اثنين من عناصر الموساد المتورطين في العملية.
وطلب العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال من رئيس الوزراء الإسرائيلي المصل المضاد للمادة السامة التي حقن بها خالد مشعل، وهكذا تم إنقاذه.
وأطلق الأردن سراح عملاء الموساد، مقابل إطلاق سراح مؤسس حركة “حماس” الراحل أحمد ياسين، والذي كان محكوماً بالسجون الإسرائيلية مدى الحياة.
( الأناضول)