نينوى- أحمد قاسم، علي محمد: العراقي، أحمد حسين؛ أحد سكان مدينة الموصل (شمال) الذين دفعوا فاتورة باهظة للحرب الطاحنة بين قوات بلاده وتنظيم الدولة الاسلامية “داعش”، بعد أن فقد 12 شخصاً من أفراد أسرته، وخسر بيته، ليجد نفسه مثقلاً بجراح الحرب ومخلفاتها.
ورغم ندوبه النفسية، إلا أن “حسين” قرر التوجّه إلى صناديق الاقتراع، للإدلاء بصوته في الانتخابات البرلمانية التي جرت السبت الماضي، آملاً بأن يقشع المستقبل حلكة الحرب، ويبدد ظلمة السنوات الثلاث التي أطبقت بثقلها على مدينته المنكوبة.
** إعادة الإعمار.. حلم الموصل
أحلام “حسين”، المتماهية حدّ التطابق مع آمال جميع سكان الموصل (مركز محافظة نينوى)، باتت تدور حول هدف واحد، وهو أن يعمل البرلمان والحكومة المقبلين على إعادة إعمار المدينة، وانتشالها من واقعها المزري.
وفي حديثه للأناضول، يقول إن “إصراري على المشاركة في الانتخابات، رغم المصاعب التي أواجهها، يكمن في حرصي على اختيار الأفضل والأنسب لتمثيل شريحة المنكوبين في البرلمان”.
ويضيف أن حرصه نابع من أمله في أن “يتمكّن من يمسك بزمام القرار التشريعي، أن يكون منصفاً في جلب الأفضل للمناطق المدمرة التي تعاني، حتى الآن، من ويلات الحروب”.
أمل يحدو الجميع، وهو ما دفع “أغلب سكان المنطقة القديمة وسط الموصل، ومناطق الساحل الأيمن (الجانب الغربي)، للمشاركة بقوة في الانتخابات، وحرصوا على إعطاء أصواتهم لمن يستحق”.
والمنطقة القديمة التي يتحدث عنها “حسين” تقع بالجانب الغربي من المدينة، وكانت قد شهدت آخر المعارك بين القوات العراقية و”داعش”، ما جعلها تتحوّل في معظمها إلى أطلال.
وقبل ذلك، كانت تلك المناطق تمتاز ببيوتها المتلاصقة ذات الطراز القديم، والمتداخلة مع جامع “النوري الكبير” ومئذنة “الحدباء” الأثرية، اللذين فجرهما “داعش”، وسوّاهما بالأرض قبل خسارته المدينة صيف العام الماضي.
ولا تزال ملامح الحرب واضحة في الجانب الغربي، وخصوصاً في المنطقة القديمة، حيث أنقاض البنايات وجثث القتلى العالقة تحتها، تشهد على فظاعة ما عاشته المدينة في ظل سيطرة التنظيم الإرهابي.
مديرية الدفاع المدني في المحافظة، قالت في بيان صدر أمس الأول الاثنين، إنها بدأت بانتشال الجثث من تحت ركام المباني في الجانب الغربي من المدينة، بعد نحو 10 أشهر من انتزاعها من قبضة “داعش”.
غير أنّ التعاطي الحكومي الذي اعتبره مراقبون “بطيئا” في التعامل مع مخلفات الحرب بالمدينة، منح انطباعاً سلبياً بأن خطوات إعادة إعمار المدينة قد تستغرق سنوات طويلة.
** السكان والاقتراع.. بين الإقبال والعزوف
مشاهد الحرب الماثلة بأذهان السكان وفي كل شبر بالمدينة، لم تحبط – على ما يبدو – عزائمهم، وتطلّعاتهم لمستقبل أفضل وسط الأنقاض والركام.
زيد العابد؛ أحد مراقبي الاقتراع بالموصل، مسؤول منظمة “حريات” المحلية (حقوقية مستقلة)، يقول إن “نسبة التصويت في الساحل الأيمن (الجانب الغربي) من مدينة الموصل كانت الأقوى، وهذا ما أثار استغراب الجميع”.
ويضيف العابد، للأناضول، أن “سكان هذا الجانب مُعدمون بعد أن خرجوا من حرب طاحنة، ووجدوا أنفسهم دون ماء أو كهرباء أو مشاريع خدمية وصحية وتعليمية واجتماعية، كما أن أغلبهم خسر ممتلكاته الخاصة أو فقد أحد أفراد عائلته”.
ويتابع: “رغم ذلك، أصروا على المشاركة في التصويت، وفاقت مشاركتهم سكان الساحل الأيسر (الجانب الشرقي الأقل تضررا)، وبعض المناطق الشرقية والشمالية من محافظة نينوى”.
** النزوح.. محنة أخرى
على مدى نحو تسعة أشهر، ظلت الموصل مسرحاً لأشرس المعارك على الإطلاق بين القوات العراقية ومسلحي “داعش”، خلال الحرب التي استمرت ثلاث سنوات (2014 – 2017).
ومن بين قلة من محافظات العراق، شهدت نينوى تنافساً بين معظم الكتل الشيعية والسنية البارزة، باعتبار أن المحافظة تتنوع فيها المذاهب والقوميات والأديان.
وركزت غالبية الكتل المتنافسة، خلال حملاتها الانتخابية، على شعارات النصر على “داعش”، ووعود بإعادة إعمار المدينة.
الصحفي العراقي عمار النعيمي، وهو من سكان الموصل، يقول إن “ما شاهده الناس يوم الاقتراع، لا يمثل الصورة الكاملة لما تعيشه المدينة والمحافظة بشكل عام”.
ويعتبر، في حديثه للأناضول، أن “نتائج الانتخابات لن تعكس رغبة سكان المحافظة بشكل كامل، في ظل استمرار نزوح نحو نصف مليون شخص من سكانها”.
ونزح نحو مليون شخص من الموصل وأطرافها خلال الحرب، عاد منهم نحو 500 ألف، وفق أرقام الحكومة العراقية.
وينتظر من تبقى منهم في مخيمات منتشرة في أطراف المدينة، إلى حين إعادة إعمار منازلهم المدمرة، وتأمين خدمات الماء والكهرباء والصحة وغيرها.
** الموصل تنتظر تفعيل الوعود
وما يبعث على التفاؤل في ظل حلكة الوضع العام بالموصل، هو أنّ الانتخابات بالمدينة جرت دون تسجيل أي خرق أمني، وهي التي كانت مسرحاً لأعمال العنف لسنوات طويلة.
ويبيّن عبد الله الجبوري، الرائد في قيادة عمليات نينوى (تابعة للجيش)، أن “التعاون بين القوات الأمنية بمختلف تشكيلاتها وصنوفها، وطيران الجيش، ساهم في استتباب الأمن ومساعدة المواطن على الذهاب نحو المركز الانتخابي المخصص له دون خوف أو قلق من تهديد إرهابي”.
ويضيف الجبوري للأناضول، أن “القوات الأمنية أنجزت مهمتها على الوجه المطلوب، بعد أن تسلمت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جميع صناديق الاقتراع في نينوى، حسب الضوابط المحددة بهذا الشأن”.
وبإسدال الستار على حقبة مظلمة في تاريخ الموصل، تبقى أعين سكان المدينة، ومن بينهم أحمد حسين، شاخصة نحو النخبة السياسية المنتخبة، على أمل الوفاء بوعودها.
ويعود “حسين” ليعقّب في ختام حديثه بالقول: إن “سكان الموصل قاموا بواجبهم، وأدلوا بأصواتهم بالانتخابات رغم كل المآسي، وهم ينتظرون الأن وفاء السياسيين بجزء من وعودهم”.