المونيتور: لهذا تراقب موسكو الوضع الجزائري عن كثب

حجم الخط
0

لندن ـ “القدس العربي”:

“موسكو تراقب الوضع في الجزائر مع استمرار الاحتجاجات” مقال كتبه فاسيلي كوزنيتوف، مدير مركز الدراسات الإسلامية في معهد البحوث الشرقية بالأكاديمية الروسية للعلوم. وقال فيه إن موسكو تراقب الوضع في الجزائر الذي تشهد تحولا كبيرا في القيادة السياسية الناتجة عن الاحتجاجات الضخمة والتظاهرات السلمية ضد العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وجذبت التظاهرات الملايين في المدن الرئيسية بما فيها العاصمة الجزائر وقسنطينة ووهرن وبجاية والبليدة وكذا العدد الأكبر من الجزائريين الذين يعيشون في الخارج.

وأضاف الكاتب أن الجزائر تعد واحدة من أهم الشركاء التجاريين لروسيا في المنطقة. وظلت روسيا في الفترة ما بين 2014- 2018 اهم مزود للسلاج إلى الجزائر حيث وفرت لها نسبة 66% من السلاح المستورد. وهذه نسبة ليست قليلة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الجزائر كانت في هذه الفترة خامس دولة مستوردة للسلاح في العالم. كما أن روسيا والجزائر هما شريكان استراتيجيان بناء على اتفاقية عام 2001. ويعلق الكاتب أن الجزائر التي ظلت هادئة في السنوات الماضية شهدت دفقا من النشاطات بعدما أعلن الرئيس بوتفليقة عن نيته الترشح لولاية خامسة. ورغم تراجعه عن قراره إلا أن المحتجين لم يقتنعوا ببيانه وأنه يريد التنازل عن السلطة رغم ما يدور حول صحة الرجل البالغ من العمر 82 عاما. وظل الرئيس في مستشفى سويسري في الفترة ما بين 24 شباط (فبراير) و8 أذار (مارس) لإجراء فحوص “روتينية” حسبما قيل. ورغم احتجابه عن الرأي العام لسنوات، إلا أنه حاول أن يلطف الأجواء برسالة في الثالث من آذار (مارس) وعد فيها بتغييرات سياسية جذرية لو تم انتخابه من جديد. وفي السابع من آذار (مارس) هنأ المرأة الجزائرية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة لكنه أعلن في 11 آذار (مارس) تخليه عن فكرة الترشح وأجل الانتخابات المقررة في 18 نيسان (إبريل). كما وأعلن عن حل الحكومة وتعيين رئيس وزراء جديد وعن مؤتمر وطني يقوم بمناقشة الإصلاح السياسي. ومن المتوقع أن يتوصل المؤتمر لنتائجه بنهاية هذا العام حيث يتم وضعها أمام استفتاء وعندها يتم عقد الانتخابات. واكتشف الرأي العام الذي تحمس لقرارات الرئيس أنه يقوم في الحقيقة بإطالة أمد مدته الرابعة لعام ونصف تقريبا.

ويرى الكاتب أن الظروف التي تعيشها الجزائر واضحة من الانقسام داخل النخبة. ويتمتع المتظاهرون بدعم قطاعات عدة من الشعب الجزائري، من اليسار الراديكالي إلى الحركة الأمازيغية والحركات الإسلامية. وتضم أيضا كيانات كان ينظر لها في السابق كأدوات للنظام من المدراء التنفيذيين إلى رؤساء البلديات وقادة النقابات والمحاربين القدماء مثل الجمعية الوطنية للمجاهدين. وحتى السلطة التي تعارض التظاهرات بشكل جذري باتت تتعامل معها بشكل حذر. فقائد الجيش الجنرال قايد صالح، والذي يعد من القادة الأقوياء في المؤسسة أكد في 10 آذار (مارس) عن تقارب الرؤية بين الجيش والشعب وأن المؤسسة العسكرية ملتزمة بتحقيق طموحات الشعب في انتخابات يعبر فيها عن إرادته بحرية. لكنه عبر في الوقت نفسه عن مخاوفه من استخدام قوى خارجية التظاهرات وزعزعة استقرار البلاد وعاد وأكد على هذا في كلمة له في 13 آذار (مارس). إلا أن القوى الخارجية تحاول التدخل بهدوء، فقد دعمت فرنسا خطة بوتفليقة بشكل أدى لنقد المتظاهرين لها، ولم تكن جهود الرئيس إيمانويل ماكرون التوسط فاعلة. وفي الوقت نفسه عبرت الولايات المتحدة عن دعمها لحق الشعب بالتظاهر السلمي. وراقبت روسيا الوضع عن قرب وتنتظر أن تصدر بيانا خاصة أنها تأثيرها زاد بالمنطقة في السنوات الماضية، ولهذا تريد تقييما مدروسا للوضع. ولكن الموقف الظاهر في الإعلام الروسي هو النظر للتظاهرات بأنها بروفة متأخرة للربيع العربي. ويتم مقارنتها بثورة مصر عام 2011. ولم تعلق وزارة الخارجية الروسية على الوضع في الجزائر إلا في 12 آذار (مارس) حيث قالت ماريا زخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية “ننظر للأحداث في الجزائر على أنها شأن داخلي في دولة صديقة لروسيا. ونأمل بتسوية كل المشاكل الموجودة بطريقة إيجابية ومسؤولة في إطار الحوار الوطني الموجه نحو الاستقرار وتحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي وفي مصلحة الشعب الجزائري”. ويعلق الكاتب إن المجتمع الدولي بدأ في السنوات الأخيرة ينظر إلى روسيا كدولة محافظة تسعى للحفاظ على الأنظمة السياسية القائمة وترفض الثورات والاحتجاجات الشعبية. وثبت هذا من موقف الكرملين من “الثورات الملونة” في دول الإتحاد السوفييتي السابق والاضطرابات في سوريا وفنزويلا، إلا أن تحركات موسكو أكثر دقة من هذا الفهم. فقد رفضت وخلافا لما فعلته فرنسا دعم زين العابدين بن علي في الأيام الأولى من الثورة التونسية عام 2011. ولا تقديم الدعم لحسني مبارك ومعمر القذافي رغم الطلب الشعبي لدعم الأخير. وتعاملت موسكو مع الاضطرابات في أرمينيا عام 2018 بضبط النفس. ويعلق الكاتب إن الحنق النابع من الكرملين ليس من الثورات الشعبية ولكن التدخل الخارجي في الثورات. ويختم بالقول، بناء على طبيعة الوضع في الجزائر فمن المحتمل أن تظل التظاهرات داخل الحدود بشكل تتمكن فيه موسكو من الحفاظ على موقفها المتحفظ. وفي الوضع الجزائري تتقارب المواقف الروسية والأوروبية والأمريكية وهي الدعوة لمخرج سلمي. وهو ما سيسمح للجزائر الإحتفاظ بالشراكة مع روسيا وتطبيق العقود الموقعة بين البلدين. وربما تطور الوضع في الجزائر إلا أن البلد لديه قدرة استثنائية للحفاظ على زخم التظاهرات سلميا والتأكيد على جذوره ورفض إحياء الميول الديكتاتورية السابقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية