“الناتو العربي”..هل يولد ميتا؟

حجم الخط
0

إسطنبول: جدد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الجمعة الماضية، دعوة بلاده التي سبق أن أعلنت عنها قبيل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للعاصمة السعودية في مايو/أيار 2017، لدعم خطة بناء تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي MESA – الناتو العربي، للتصدي للنفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة.
جاءت دعوة بومبيو، في لقاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ضم وزراء خارجية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ووزيري خارجية مصر والأردن، أكد فيه على ضرورة مواجهة التهديدات الإيرانية لدول المنطقة والولايات المتحدة.
يهدف الناتو العربي، إلى خلق حالة توازن قوى أمنية وعسكرية في المنطقة بين إيران والسعودية. وسبق أن طرحت هذه الفكرة في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، دون التقدم بأي خطوات عملية أو إجراء المزيد من المشاورات بشأنها.

يهدف الناتو العربي، إلى خلق حالة توازن قوى أمنية وعسكرية في المنطقة بين إيران والسعودية.

يركز تحالف الناتو العربي، إلى جانب تنسيق إدارة النزاع في سوريا واليمن، على تعميق التعاون الأمني والعسكري بين الدول المعنية والولايات المتحدة لبناء منظومة دفاع صاروخية والتدريب العسكري لمواجهة الإرهاب والتطرف ورفع القدرات القتالية والدفاعية للدول الشريكة بهدف التصدي للنفوذ الإيراني والحد من تهديدات القدرات العسكرية والصاروخية التي تعمل إيران على تطويرها.
إلى جانب الضغوطات الاقتصادية الأمريكية على إيران، يركز الرئيس الأمريكي في استراتيجيته على بناء إجماع إقليمي ودولي مع الدول الحليفة والشريكة، لمناهضة التهديدات الإيرانية، والحد من نفوذها في المنطقة عموما.
وفي 8 مايو 2018، أعلن الرئيس الأمريكي الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعته الدول الخمس الكبرى إضافة إلى ألمانيا، مع إيران في 2015، وإعادة العقوبات الأمريكية على طهران.
واتخذت الولايات المتحدة، إجراءات مشددة بعد انسحابها من الاتفاق النووي، شملت إعادة فرض العقوبات على إيران ضمن سقف زمني ينتهي في 4 نوفمبر/تشرين الأول 2018، ويفضي إلى بلوغ تصدير النفط الإيراني إلى مستوى “صفر”، بالتوازي مع فرض عقوبات إضافية من قبل الولايات المتحدة على الدول والشركات التي تنتهك العقوبات.
ويأتي بناء “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”، كخطوة متقدمة نحو جعل المزيد من الدول الحليفة تحت مظلة منظومة متكاملة أمنياً وعسكرياً مع وفرة مالية لتمويل التحالف المناهض لإيران.
لم يتطرق وزير الخارجية الأمريكي، خلال اجتماعه مع نظرائه العرب، إلى النزاعين في سوريا واليمن، وبعيدا عن هذا، شدد على أهمية هزيمة تنظيم داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى، وإرساء الأمن والاستقرار في العراق، وإنهاء ما وصفه بـ”النشاط الإيراني الخبيث في المنطقة”.
لا يزال من السابق لأوانه تقرير إمكانية ولادة تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، بانتظار القمة الأمريكية مع دول الخليج العربية الست ومصر والأردن، في يناير/كانون الثاني 2019.
غير أنه لا يبدو من المجدي بناء تحالف يضم دولاً تتنازع فيما بينها، كما أنها لا تتبنى موقفا موحدا من الخطر الإيراني، أو على الأقل أنها تجد سبلا أخرى للتعامل مع الخطر والتهديدات الإيرانية بعيدا عن بناء تحالف طابعه العام تحالف أمني عسكري يتصدى لإيران في المنطقة.
من بين أهم التحديات التي تواجه بناء الناتو العربي، الأزمة التي تعيشها منظومة دول مجلس التعاون الخليجي بين قطر وثلاث دول قطعت كامل علاقاتها معها، ودول أخرى تقف على الحياد مثل سلطنة عمان أو دولة الكويت، التي تبذل جهود وساطة بين طرفي الأزمة دون تحقيق أي تقدم، ولا يبدو أن هناك فرصة أمام الكويت لإحداث خرق في الأزمة، كما أن الولايات المتحدة فشلت في ذلك سواء بجهود وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، أو الجهود التي بذلها ترامب شخصيا، وأشار إلى فشلها وزير الخارجية القطري قبل أيام.
بعيدا عن المواقف السياسية التي تعلنها قطر أو الكويت أو سلطنة عمان، فإن أية إمكانية لتشكيل تحالف حقيقي لمواجهة إيران، لا يمكن أن تكون هذه الدول جزءاً منه في حال مضت الولايات المتحدة، لتشكيله في يناير/كانون الثاني القادم، بقيادة السعودية.
تنظر السعودية والامارات إلى إيران على أنها العدو الأكثر خطرا، وتقودان تحالفا من عشر دول، بينها البحرين والكويت، في الحرب على جماعة الحوثيين الحليفة لإيران في اليمن، في إطار الحرب على القوى الحليفة لطهران خارج حدودها.

يبدو أنه من غير المجدي بناء تحالف يضم دولاً تتنازع فيما بينها، كما أنها لا تتبنى موقفا موحدا من الخطر الإيراني

إلى جانب العلاقات التجارية والشراكة الاقتصادية في حقل الغاز، ترتبط قطر باتفاقية تعاون وتنسيق أمني مع إيران، وتطورت العلاقات بينهما بعد أزمة يونيو/حزيران 2017، وحاجة الدوحة إلى تجاوز تداعيات المقاطعة على مستوى سد حاجة سكانها من المواد الغذائية، حيث كانت تشكل وارداتها من تلك الدول النسبة الأكبر من حاجة السوق المحلي.
وتهتم الكويت بشكل خاص بالمحافظة على علاقات متوازنة مع إيران، لاعتبارات تتعلق بتركيبة المجتمع الكويتي، والجوار الجغرافي، والتبادل التجاري، وعوامل أخرى تدفع باتجاه القناعة الكاملة بأن الكويت لا يمكن لها أن تنخرط في أي تحالف حقيقي يناهض إيران أو يعاديها.
وما يقال عن قطر والكويت، يقال أيضا عن سلطنة عمان، التي تحتفظ بعلاقات استراتيجية وتعاون على كافة الأصعدة مع إيران، يمتد إلى عقود طويلة، أعطى السلطنة ميزة الدخول في وساطات بين إيران والعراق لإنهاء الحرب بين البلدين في ثمانينيات القرن الماضي، كما أن الوساطة العمانية والدبلوماسية الهادئة البعيدة عن الإعلام نجحت في عقد صفقة الاتفاق النووي بين إيران والدول الست في 2015.
تتفهم إيران تماما مواقف قطر والكويت وعمان، في اجتماع نيويورك، والبيان الصادر عن وزير الخارجية الأمريكية الذي تحدث عن “إجماع” المشاركين في الاجتماع على “ضرورة مواجهة التهديدات الإيرانية الموجهة لدول المنطقة والولايات المتحدة” من أجل تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ومواصلة المشاورات خلال الفترة المقبلة.
وتعتقد الدوحة، أن التحالف الإقليمي، لن ينجح ما لم يتم حل الأزمة الخليجية، وأن تحالفا كهذا له أهمية لكنها ليست أولوية في مواجهة التحدي الحقيقي الذي يواجه بناء التحالف، والمتمثل في الأزمة الخليجية، التي تهدد بنية منظومة دول مجلس التعاون ووحدتها وتماسكها.
لا يوجد إذن اتفاق بين الدول الثمانية التي ينتظر أن يتشكل منها التحالف الجديد حول الموقف من إيران وتقويم التهديدات والمخاطر على أمن الدول مجتمعة أو على أمن كل دولة من دوله.
وتقف الولايات المتحدة موقف العاجز في توفيق سياساتها تجاه أهم حلفائها في المنطقة؛ السعودية الحليف الأهم والأوثق والمستورد الأكبر للسلاح الأمريكي في العالم، وقطر التي تستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية خارج الولايات المتحدة لمهام تتعلق بالحرب على الإرهاب في المنطقة والعالم.
عمليا، يمكن إدارة تحالف مناهض للنفوذ الإيراني في المنطقة دون بناء هيكلية خاصة به على غرار ما يراد لتحالف الناتو العربي؛ في سوريا تواجه إسرائيل النفوذ الإيراني وتتصدى له من خلال أكثر من مائتي ضربة جوية استهدفت مواقع تابعة لإيران والقوات الحليفة لها في سوريا خلال أقل من عام ونصف العام، وفي اليمن تقود السعودية تحالفا عربيا للقضاء على جماعة الحوثي، أحد أهم الأذرع الخارجية للحرس الثوري الإيراني.
وما لم يتم التوصل إلى حل نهائي للأزمة بين قطر ودول المقاطعة الرباعية، وهم جميعا أعضاء في التحالف الجديد، فإن فرص ظهور مثل هذا التحالف تبدو ضئيلة، وسوف لن يكون مجديا وفعالا حتى في حال ولادته لاعتبارات تتعلق بالسطوة الأمريكية وبالنظر كذلك إلى افتقار دوله إلى وحدة الموقف من التهديدات سواء الإيرانية أو تهديدات المنظمات الإرهابية والمتطرفة.
يمكن للولايات المتحدة، البحث عن بدائل فاعلة لتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، ببناء منظومة أمنية متماسكة وقدرات ردع دفاعية لضمان أمن دول مجلس التعاون والدول الحليفة في المنطقة لاحتواء التهديدات الأمنية الإيرانية.  (الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية