النشيد الوطني بين قشعريرة البدن وبذخ الفن… عنصرية «بالعربي» ضد جزائري

كان افتتاح الألعاب المتوسطية في مدينة وهران الجزائرية في نسختها 19، الحدث المحلي والعالمي الأبرز، الذي سخرت له الجزائر كل الإمكانات المادية والبشرية. وكانت رغم كل شيء احتفالات ضخمة مقارنة بما عهدناه، نظرا لظروف البلاد التي كانت تتعافى من أسقامها المتنوعة تدريجيا.
ولعل الحدث «الرمزي» الذي شغل رواد منصات التواصل الاجتماعي «النشيد الوطني»، الذي جاء بتغيرات موسيقية وتوزيع جديد، رغبة في إعادة الروح الجزائرية له، ووسمه بلمسة جزائرية. وكأن كل ذلك كان مفقودا في نشيد وطني يزعزع كيان سامعيه ويجعل الأبدان تقشعر. أو كأنه استرجاع تراث تآلف معه الجزائريون، وسكن وجدانهم، بألحان الفنان المصري محمد فوزي.
ومن بين التعليقات المنتقدة لإعادة تلحين النشيد الوطني، ما كتبه الأستاذ الجامعي والروائي عبد القادر ضيف على صفحته الرسمية على الفيسبوك «تبديل موسيقى النشيد الوطني يشبه محاولة الغراب تقليد مشية الحمام… ما صنعه محمد فوزي، حينما وضع موسيقى النشيد الوطني لن يتكرر، لأنه كان عظيما وعبر عن عظمة الشعب الجزائري وثورته، التي لن تتكرر».
وكتبت سيدة على صفحتها «بعد موتك يا أبي فقد النشيد الوطني روح الإقدام فيه»، لأن والدها كان ضمن جوق الحرس الجمهوري، الذي تخول له مهمة عزف وأداء النشيد الوطني في كل المناسبات. وهذا تعليقا على ما كتبته زهيدة زهيدة عن النشيد الوطني في طبعته «المتوسطية»: «تعودت على النغمة التي يطلع فيها العلم الوطني… النغمة الخاصة بحفل الافتتاح ما حركتش الكودا لي في داخلي»!
أما جلال آده، فكتب تدوينة طويلة ذكر فيها بعض الاخفاقات في تنظيم افتتاح الألعاب المتوسطية: «حفل لا بأس به. نقدر ندير أحسن من هكذا لو بدأت التحضيرات منذ سنوات مش من الشهر الأخير. السيد سليم دادة ألحان نشيدنا الوطني في غاية الجمال لا نحتاج إلى إعادة توزيع.
وفي صفحة تحمل اسم «الجزائر قبل كل شيء» نقرأ: « كل شيء كان رائعا في افتتاح دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط في وهران. الجمهور. كلمة رئيس الجمهورية. تواجد أمير قطر. أما الشيء الذي عكر الموقف هو كلمة عزيز درواز وتغيير لحن النشيد الوطني».
كما عبر إسماعيل لار على صفحته بما يلي: «ما أقلقني كثيرا وأزعجني حقيقة خلال افتتاح الطبعة 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط في وهران هو تغيير النمط الموسيقي للنشيد الوطني الجزائري حتى الجمهور لم يستطع التأقلم مع الأنغام التي طرأها (يقصد طرأ) عليها تغيير كبير. مع العلم أن النشيد له ميزة خاصة تزيدك حماسة وأكثر حبا للوطن عند سماعه بطبعته الأصلية. وهذا يبقى مجرد رأيي الخاص وشك».
الفنان «دادة» موهوب، لكن الإبداع الموسيقي في كل المناسبات يحتاج لكل الطاقات الموسيقية الجزائرية وليس حكرا على اسم واحد فقط يتكرر، إلا أن هناك من أثنى على النشيد الوطني المعدل موسيقيا، واعتبره قمة في الابداع، مثل عبد الرؤوف زواوي، الذي كتب على صفحته بعنوان «نحو ستينية حرة»
«رسالة نزل معه (يقصد مع الدرون) النشيد الوطني «قسما» في حلته الجديدة، بتقنية مزج اللحن القوي الثوري المألوف بالكلاسيك الخالد. إذ يجعلنا نقطع أشواطا في مسيرة الارتقاء بالفن الجزائري (مجرد وجهة نظر) وقد لا يشاطرني الرأي في هذه النقطة الكثير من الأصدقاء، لكنني على يقين بأن سليم دادة جريء إلى حد بعيد، وقد اخترق قوانين القداسة في عيدنا الستين الذي حررنا من سلطة العبودية، وقدم لنا سمفونية النشيد الوطني، غير أن رفع العلم زادني فخرا».
أما محيي الدين عميمور، فعلق على الافتتاحية بتدوينة بعنوان «فرق كبير بين نقد الذات وجلد الذات».
ويضيف «رغم الجهد الكبير الذي بذلته الأطر الوطنية في الانجاز وفي مدة لعلها كانت قصيرة فإن ما رأيته هو أسوأ افتتاح موسيقي كوريغرافي شاهدته في حياتي، وأسوأ تغطية تليفزيونية تابعتها، صوتا وصورة وإخراجا، ورسائل اللوحة الضخمة تجاهلتها التلفزة، ربما لأن المخرج لم يشارك في الإعداد، وهناك سوء كتابة بعض اللوحات (مالطا كتبت مالحا)، واستعمال أطفال في مقدمة بعض الوفود والذي كان تعذيبا لهم، خصوصا والسير كان بالخطوة الرياضية السريعة.
أما عن كلمة الافتتاح فكان المحافظ، وهو رياضي قدير، أن يراجع كلمته أكثر من مرة وأن يتفادى الاطالة».
«درواز» مثله مثل «دادة « شغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعد ارتباكه وعدم قدرته على قراءة الورقة وفك مخارج الحروف ونسيان البروتوكولات المعمول بها. فنسي الترحيب بالضيوف»، ومن حسن الحظ أن الرئيس تدارك الأمر». هناك من أشاد بما حصده من جوائز أنه وطني، لكنه لا يتقن العربية، وهذا لا يمنع من انتقاده وأن يترك المجال لمن أفصح منه ليتكلم بخطاب حسب ما تقتضيه الأعراف السياسية. فلا يمكن لمسؤول أمريكي أن يتكلم بغير الانكليزية في السياقات الرسمية، مثلا، ولكل مقام مقال.

عنصرية بـ«العربي» على «بي بي سي»

تناولت بعض المواقع والمنصات الإعلامية مؤخرا قضية الصحافي الجزائري أحمد روابة، الذي يعمل في»بي بي سي» بعنوان «صحافي جزائري في قناة «بي بي سي» يقاضي مديرها بسبب «اللهجة الجزائرية».
ومما جاء في جريدة «الشروق»، وحسب «الدايلي مايل» التي نشرت الوقائع «فقد تطوّر خلاف بين روابة (50 سنة) ومديره في «بي بي سي»، إلى دعوى قضائية رفعها الصحافي الجزائري، بعد أن وصف المدير لهجته بـ«البدوية».
وبدأت القصة، التي تعود إلى العام 2019، بتعرض «روابة «لإجراء تأديبي في القناة، بعد ردّه «بصوت مرتفع وحادّ» على مديره عندما طالبه بأن يتحدث بالعربية الفصحى بدلا من اللهجة الجزائرية. واتّهم روابة مديره بـ«التمييز العنصري» ضدّ خلفيته الثقافية، لأنه وصف طريقة حديثه بـ«البدوية»، حسب «الشروق».
وبعد شكوى روابة، تقول «الدايلي مايل» إن «بي بي سي» قبلت أن التعليقات المتعلقة بثقافته وعرقه غير مقبولة، لكنهم قرروا في النهاية أنه لم يكن يقصد بها «طريقة ضارة أو خبيثة». وأفاد آخرون أن السيد روابة، الذي يعمل في «بي بي سي» غالبا ما يغضب خلال الاجتماعات».
وأضافت الصحيفة أنه «بعد استلام آخر انذار مكتوب، قرر السيد روابة مقاضاة الشركة، بسبب التمييز العنصري والتحرش (المضايقات)، مؤكدا بأن ذلك كان تتويجا «لحملة استمرت ست سنوات من الايذاء الممنهج ضده. وادعى أن زملاءه كانوا مصممين على التخلص منه، وكثيرا ما كانوا يدلون بتعليقات عنصرية، متهما «بي بي سي» بعدم فعل أي شيء من أجل حمايتي ضد التنمر والانتهاكات العنصرية»!
لا يمكن لأحد التدخل في الدعوى التي رفعها الصحافي روابة ضد مؤسسته الإعلامية، فهي متروكة لسلطة القضاء، هذا رغم رفض الدعوى لأسباب «المماطلة» وعدم رفعها في الآجال المحددة، إذ أن الحادثة وقعت في 2019. وهذا ما جعل السيد «روابة» يخسر دعواه القضائية المتعلقة بـ«التحرش والمضايقات المرتبطة بالعرق» في محكمة مركزية في لندن. وإن «الأقوال التي شكلت جوهر ملف قضيته ضد اثنين من زملائه تم الإدلاء بها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لكن لم يتقدم بها للمحكمة إلا في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أي بعد فترة التقادم المقدرة بثلاثة أشهر».
لكن المؤسف أن تحدث مثل هذه المعاملات «العنصرية» بين زملاء عرب يتقاسمون نفس فضاء العمل وفي دولة أجنبية، وهذا بسبب الأفكار المسبقة التي يطلقها بعض الأفراد من النخبة، جزافا، ومن خلال سلوك شخص واحد، على مجتمع بأكمله ويحكمون على ثقافة بأنها منتجة للعنف، فيصبح رفع الصوت، لأي سبب كان، موسوما بـ»البداوة» والخشونة والعنف. وبأن خلفيته الثقافية مرتبطة بدولة بأكملها، وهنا يتعلق الأمر بالجزائر. هذه الخلفية الثقافية التي اعتبرها البعض حاضنة العنف الدموي سنوات العشرية الدموية في الجزائر!
وكأن الجزائري مجبول على العنف. إن عدم معرفة العرب بثقافة بعضهم البعض جعلت الحدود الجغرافية تزداد صلابة والتصورات تزداد صلافة. العرب الذين توحدهم المشتركات الكثيرة يتفرقون وينفعلون لأبسط الأسباب. ويظهرون في ما بينهم عنصرية كبيرة. وما يحدث من مناوشات على منصات التواصل الاجتماعي بين الأشقاء يكرس عدم الفهم هذا وعدم التسامح.
لكن تبقى حرمة المؤسسات تفرض قوانينها وسننها على الجميع. والجميع مطالب أن يبذل جهدا ويعمل على ذاته لينفتح على الآخر ويفهم لغة حواره عربية كانت أوعامية. أم أن العالم أصبح قرية صغيرة لا تشمل البلدان العربية وأبقتهم جزرا متفرقة العقول والوجدان. وبينما يتعلم الكل ثقافات مغايرة لأسباب مختلفة ويحفظون حتى الايماءات الثقافية، بقيت بعض الثقافات العربية مجهولة لدى الشعوب العربية ونخبها وقد يشكك، حتى، في انتمائها. وبقيت بعض اللهجات العربية عصية على البعض. وشكلت مثل هذه التصورات «المحبطة» التي ترتبط بـ«الدونية» و«العنصرية»!

 كاتبة من الجزائر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عروة بن الورد:

    بعد الفشل الذريع في حفل الافتتاح حيث تم التخلي عن العديد من أعضاء الوفود لمصيرهم ، احتجت ICMG بقوة أمام اللجنة المنظمة لوهران 2022 على ما وصفته بـ “أوجه القصور التنظيمية الهامة والأساسية في حفل الافتتاح. في رسالة موقعة من الأمين العام ، إياكوفوس فيليبوسيس ، وموجهة إلى الرئيس المفوض للجنة المنظمة لألعاب البحر الأبيض المتوسط ​​(COJM) وهران 2022 ، والتي يوجد لدى “ماتين” نسخة منها ، أطلقت اللجنة التنفيذية لـ CIJM الأحمر على اللجنة المنظمة المحلية.
    1/2

  2. يقول عروة بن الورد:

    تتحدث النغمة المستخدمة عن الكثير عن غضب اللجنة الدولية للعدالة والعدالة بعد التجربة “المؤلمة” التي مر بها حوالي ستين من أعضائها: “أوجه القصور التنظيمية الهامة والأساسية ، والتي خلقت انطباعات سلبية للغاية بين أفراد الأسرة المتوسطية وأثارت ردود فعل قوية ، “يقرأ الرسالة. استهدفت اللجنة التنفيذية CIJM بشكل خاص خطة النقل التي وضعتها اللجنة المنظمة المحلية: “كانت خطة النقل فاشلة تمامًا ، مما منع حوالي ستين شخصًا من اللجنة التنفيذية CIJM ، ورؤساء وأمناء عموم اللجان الأولمبية والاتحادات الدولية ، وكذلك كضيوف بارزين آخرين من عائلة البحر الأبيض المتوسط ​​للوصول إلى الملعب في الوقت المحدد.

    لم يتمكنوا من العثور على ملجأ هناك إلا بعد ساعات عديدة ، بعد أن تعرضوا لتهديدات خطيرة على سلامتهم أمام أبواب المدخل ، ودون أن يتمكنوا من حضور الحفل. لقد تُركوا لأجهزتهم الخاصة في وسط الجمهور العام ، الذين وصلوا بأعداد كبيرة ، واضطروا إلى دخول الاستاد في القوة ، في ظل الغياب التام لطريق دخول تفضيلي مخصص لعائلة البحر الأبيض المتوسط. إلى جانب وضعهم ، هم من النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص المستضعفين. هذه حلقة غير مقبولة وغير مسبوقة ، تسيء علانية إلى CIJM والأسرة الرياضية المتوسطية “، ينتقد CIJM.

    2/3

  3. يقول عروة بن الورد:

    كلمة أخيرة: لم تشيري لقرار إبعاد زملائك الصحافيين المغاربة من تغطية الألعاب… رغم أن كل الجسم الصحفي في العالم تضامن معهم بما فيهم منظمة صحافيون بلا حدود.

  4. يقول عبد الرحمان الجزائري:

    انهم يخططون لمسح هويتنا باستدراج الشعب المسكين بالمسكنات الغنائية الرياضية حتى ننسى عذابنا اليومي

  5. يقول شويحة وهيبة:

    استفزاز جميل تجيده على الدوام الباحثة الجزائري و الدكتورة مريم بوزيد .
    نعم… مازلت تحت وقع الصدمة من أثر التكسير الذي طال نشيدنا الوطني و الذي أبدع في تلحينه الموسيقار محمد فوزي الذي ألفّ نونات قوية تمثل الارتقاء وتوحي للسامع أن الاسود البشرية تصعد نحو الجبال الحصينة ….الا أن التوزيع الجديد جاء وكأن الجبال هوت واصبحت طيِّعة تستطيع السلاحف ارتقاءها وذلك من خلال إيقاع لا يوحي بشيء إلا بعنصرية سمجة ترفض هدية المصري لأخيه الجزائري في الايام الحالكات ..
    نحن لا نرفض التجديد لكننا نرفض تغيير الجينات لاستحداث مسخ يُنسب إلينا قسرا.
    العنصرية تأخذ أشكالا أخرى في قضية الصحفي الجزائري بقناة البيبيسي لأن هذه الممارسات لم تكفّ يوما على تصنيف الجزائري خارج دائرة العرب وفي نفس الوقت يُتَهم بالبداوة و هي التي تخص العرب في أصدق صورهم ….. وبين هذا و ذاك تتجلى جزائريتنا وبعيدا عن الموضوعية العلمية لنقول : ننتقد بعضنا البعض نعم لكننا نرفض أجناسا خارج دائرة الجزائرية تُفرغ علينا حقدا و سموما تذكرني بخونة القضية ( فلسطين )
    فالجزائر و القدس عاصمتان لدولة تمتد من المحيط إلى المحيط .
    شكرا للسيدة الباحثة مريم بوزيد على هذه المساحة الجميلة في عالم الحقيقة المنقولة كتابيا

إشترك في قائمتنا البريدية