لندن ـ ‘القدس العربي’ من القصير الى حلب، الاسلحة تتدفق على المعارضة، والجيش السوري يحضر نفسه لحملة ‘عاصفة الشمال’ اما الجيش الحر فقد اطلق على عمليته بـ’معركة القادسية’، حرب نفسية ومواجهات، واستدعاء للتاريخ، العرب والفرس والفتوحات الاسلامية، وكل هذا من نتائج القصير او سبب من اسبابها، فالقصير التي سقطت بيد القوات السورية المدعومة من حزب الله بداية الشهر الحالي يحكم الجيش السوري قبضته عليها، وعبر ضابط سوري عن ثقته بان المعارضة لن تتمكن من استعادة السيطرة على المدينة الاستراتيجية التي تقع جنوب حمص وقرب الحدود مع لبنان.
فقد كان سقوط المدينة بعد اسبوعين من القتال الضاري رسالة سياسية قوية للقوى الخارجية والداعمة للمعارضة السورية ان المعارضة بحاجة لسلاح نوعي وان نظام بشار الاسد لا يقترب من نهايته.
ومن هنا جاء الحديث عن احداث حرف لميزان الحرب لصالح المعارضة المسلحة قبل الذهاب الى مؤتمر جنيف ـ 2 حتى تكون المعارضة في موقع قوي للتفاوض مع النظام، كما يقول النقاش الحالي، وحتى يحدث هذا لا بد من زيادة الدعم العسكري للمقاتلين وتقديم اسلحة نوعية لهم.
وضمن السؤال عن عودة المقاتلين للقصير ام لا يكتب باتريك كوكبيرن، مراسل صحيفة ‘اندبندنت’ من داخل المدينة التي زارها ووجدها حطاما. حيث يقول ان عودة المقاتلين مرتبطة بالنسبة للضباط في الجيش الحكومي، بقدرة النظام الحفاظ عليها، ‘ان استمرت سيطرتنا عليها فلن يستطيعوا الرجوع’، قال احد الضباط. فالانطباع العام هو ان الجيش يحكم السيطرة عليها، ومن هنا تبدو ثقة الضباط، ومع ذلك فالمناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة تظل قريبة من المناطق الواقعة بيد المقاتلين ومن هنا فان اي طرف يظل في موقع يستطيع منه القيام بهجوم مفاجىء ضد الطرف الاخر، مشيرا الى تجربة له في مدينة حمص.
طرق خطرة
فقد لاحظ الكاتب ان الخطوط التي تفصل بين الطرفين قريبة ومتداخلة، فعندما طلب زيارة المستشفى العسكري في حي الوعر بحمص اضطر سائق السيارة وهو رجل امن القيام بدورة لتجنب الشوارع الخطرة للمستشفى، واخذ الطريق السريع الذي يقود الى مدينة حماة، وبعد اجتياز الجسر عليه لاحظ ان بقيته مغلق امام السيارات مما يعني ان الطرف الاخير منه يقع تحت سيطرة المقاتلين.
وعلى الرغم من هذه الرحلة الطويلة الا انه ومرافقيه انتظروا طويلا امام باب المستشفى ليقال لهم انهم لا يستطيعون الدخول الا ‘باذن من الاستخبارات العسكرية’.
ومن هنا فالشعور العام في المدن والاماكن الواقعة تحت سيطرة الحكومة هو عدم ترك الامور للصدف، فالترقب هو سيد الموقف. ففي داخل مدينة القصير يقول ان الجيش اقام نقاط تفتيش في كل مكان، فعلى الطريق الى سوق المدينة الذي كان يوما عامرا بالتجار والمشترين والمقام وسط اشجار الزيتون واللوز هناك نقطة تفتيش بين كل مئة يارد، حيث يقوم الجنود بفحص هويات المارين والتدقيق فيها.
ولا يخفى على الزائر اثار المعركة التي تنتشر في كل مكان على شكل حطام المباني، والبساتين المحروقة، والمسجد المدمر ومنارته الممددة على الارض والدبابات التي اشتعلت فيها النار. ويضيف الكاتب بالقول ان مبنى الاتصالات القديم تحول الى كومة من الخرسانة المحطمة، فيما كانت منارة مسجد قديم محظوظة حيث لا تزال واقفة وتحمل اثار المعركة من خلال خرق واسع فيها. ولاحظ الكاتب ان شوارع المدينة الداخلية شبه مهجورة فباستثناء صبيين كانا على دراجتهما الهوائية وغير مهتمين بالدمار المحيط بهما لم يشاهد احدا غير الجنود. ولكن في الشوارع الرئيسية تبدو حركة الناس بطيئة، حيث تبدو البساتين الغنية والمحلات التجارية المتعددة والتي دمر معظمها.
بائع عطور
وتحدث الكاتب الى شخص اسمه شبلي حلاق، بائع عطور، حيث عاد قبل عشرة ايام، بعد غياب عن المدينة مدة 14 شهرا، حيث قرر وعائلته تركها بعد سيطرة المقاتلين عليها. ومع ان العطور ليست على قائمة اولويات السكان العائدين الا انه واثق من اعادة بناء عمله من جديد وفي وقت قريب. وفي الوقت الحالي رجع حلاق مع اخوته الثلاثة لتنظيف البيت قبل ان تعود العائلة مشيرا الى ان 15 عائلة عادت لبيوتها في الشارع الذي يسكنه وان هناك عائلات في طريقها للعودة. وينتظر حلاق كذلك عودة الماء والكهرباء في ايام قليلة. في القصير ايضا لم تتعرض كل البيوت للدمار لكن التي لم يصب منها بالقذائف تعرض للنهب من هذا الجانب او ذاك الجانب كما يقول الكاتب، خاصة ان مرافقه في الرحلة بين دمار القصير كان جنديا شابا اسمه احمد الذي حمل المقاتلين مسؤولية الدمار لانهم زرعوا العبوات الناسفة والالغام في كل مكان، وقال ان عامل بناء قتل بواحد من الالغام قبل يوم. ويختم الكاتب بالقول انه على الرغم من نجاح الحكومة بالسيطرة على القصير الا ان الوضع في محافظة حمص يبدو في حالة من الجمود العسكري، وهذا ينطبق على العاصمة دمشق التي يقول الجيش انه يتقدم حولها ويقوم بعزل جيوب المقاومة حولها، فقد اضطر وسائقه الانحراف عن الطريق الرئيسي لان القناصة كانوا يطلقون النار على العربات المارة. ففي هذا الطريق المؤدي الى حرستا قتل القناصة صاحب مزارع دواجن، ومزارع كان في الطريق الى السوق محملا بزيت الزيتون.
التعلم من اخطاء القصير
وفي نفس السياق كتب ريتشارد سبنسر في ‘ديلي تلغراف’ عن تحضيرات المعارضة لمواجهة ‘ عملية عاصفة الشمال’ التي اعلن الجيش السوري انها ستبدأ في ايام’ حيث جاء الحديث عن الحملة في وسط الحماس والاحتفالات بسقوط القصير في 5 من الشهر الحالي، وفي حينه قالت المعارضة ان الالاف من جنود حزب الله يتجمعون في القريتين التي يسكن فيهما الشيعة قرب حلب وهما الزهراء ونبل، ومعهم ايضا مستشارون ايرانيون وذلك للتقدم نحو مدينة حلب المقسمة بين المعارضة والحكومة منذ دخول المقاتلين اليها صيف العام الماضي.
ويقول الكاتب ان المشهد تحول الى حالة من الجمود بعد ان تم وقف رتل من الدبابات التابعة للجيش السوري. ويصف المراسل الصحافي الوضع الجديد من مواقع المقاتلين الذين يشعرون الآن بالثقة بعد وصول اسلحة نوعية اليهم من السعودية وقطر، حيث قاموا باستخدامها وشنوا هجوما شمال – شرق المدينة، ونقل عن مقاتل من بستان الباشا، شرقي حلب قوله ان قوات المعارضة احدثت تقدما نحو مركز الابحاث الزراعية ولكن الهجوم توقف عندما تمت محاصرتهم في كنيسة واضطروا للتراجع.
قصة مهمة فاشلة
ونقل التقرير عن العقيد عبد الجبار العكيدي قائد المجلس العسكري في حلب ‘بدأنا بالهجوم على الحكومة’، مشيرا الى ان قوات الحكومة حاولت التقدم في داخل المدينة نحو الشمال لكن الجيش الحر اوقفها وكبدها خسائر حيث اضطرت للانسحاب الى قواعدها.
ويضيف ان معركة حلب ان حدثت فستكون مختلفة عن القصير. فقد قاد العكيدي حملة مع قائد ‘الوية التوحيد’ عبد القادر الصالح لتعزيز دفاعات المقاتلين في القصير وكادت الحملة ان تنتهي بالفشل وقتلهما. ويصف التقرير تفاصيل مهمة الانقاذ بالقول ان قافلة من العربات التي كانت تحمل مقاتلين تعرضت لفخ من الالغام حيث قتل تسعة منهم وعندها اكتشف المقاتلون انهم يواجهون معركة مختلفة غير تلك التي واجهوها في معاركهم السابقة.
ويقول والد احد المقاتلين الذين قتلوا في اللغم عطا عكرمة ان ابنه زياد (27 عاما) اتصل به قبل وفاته بساعات وطلب منه الصفح والدعاء له بالشهادة، واضاف العكيدي ان زياد قال ان ‘القصف على المدينة كثيف’ مضيفا ان ‘اطلاق النار كان ساحقا ولم ار مثله في حياتي’. وعندما تمكنت قافلة الانقاذ من دخول المدينة اكتشفت ان المقاتلين في داخلها كانوا يحضرون للانسحاب، مما يشير الى ضعف التنسيق بين فصائل المقاتلين.
ويقول العكيدي ان بعض القادة ‘فقدوا الاستعداد لمواصلة القتال وتراجعت معنوياتهم’. ومع ذلك وافق المدافعون عن المدينة مواصلة القتال بعد وصول التعزيزات حيث قاتلوا لمدة خمسة ايام، ولكنهم توصلوا في النهاية الى انه لا خيار امامهم الا الانسحاب، وانسحبوا واخذوا معهم الالاف من الضحايا والمدنيين كما تشير شهادات من شاركوا في المعركة ولجأ بعضهم الى لبنان وذهب اخرون الى حلب، كما وتظهر اشرطة فيديو صفوفا من الرجال والنساء والاطفال يمشون بتثاقل بين البساتين، وكانوا يتعرضون لاطلاق نار مستمر مما جعلهم يتفرقون الى جماعات.
واضطرت مجموعة حلب لاختراق خطوط اطلاق النار والخروج من المدينة، وكان الاعلام الحكومي قد تحدث عن مقتل الصالح في المعارك لكنه سرعان ما تراجع عن الخبر، وتعتبر هزيمة المقاتلين في القصير الاشد منذ انسحابهم من بابا عمرو في حمص، في شباط (فبراير) العام الماضي.
دروس الهزيمة
ومن هنا تظل دروس القصير مهمة للمقاتلين مع ان المقارنة بينها وحلب غير صحيح لان حلب تظل مدينة كبيرة وتجمع اقتصادي وتجاري مهم، كما ان سكانها في غالبيتهم من السنة، ولديهم امتداد استراتيجي مع تركيا التي يؤمن منها المقاتلون خطوط الامدادات. ولعل اهم ما يحتاج المقاتلون تعلمه من القصير هو وحدة فصائلهم والتأكد من وصول الاسلحة اليهم.
ونقلت الصحيفة عن مقاتل قوله انه بدون اسلحة فلن يتم التقدم مشيرا الى ان الجبهات لم تتحرك منذ ستة اشهر بسبب نقص السلاح الذي يمكن المقاتلين مواجهة اربعة الاف من جنود الحكومة، وكان العكيدي قد استقال من المجلس العسكري الاعلى والذي يتزعم هيئة اركانه اللواء سليم ادريس، وبرر العكيدي استقالته بأن الاسلحة التي تصل للمقاتلين وتتبرع بها السعودية وقطر تذهب الى الجماعات التي تحظى بدعم الدولتين. ويعلق العكيدي قوله ‘تم تزويد بعض الاسلحة الجديدة لكتائب مختلفة’، مضيفا ‘لكن السعودية وقطر لا تزالان تفضلان جماعاتهما’، ويقول ان الدرس الاهم من معركة القصير هو عدم انتظار العدو كي يهاجمك ‘الهجوم هو اهم شكل من اشكال الدفاع’.