متابعة سريعة لما يجري في العالم العربي تظهر مشهدا في منتهى المأساوية، بحيث لا يمر يوم من دون أن يسقط فيه مئات من الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ وعجزة ومعاقين، ضمن ما يسميه النظام الرسمي الحرب على الإرهاب. مئات المدنيين يقتلون بالبراميل المتفجرة أو بالمدفعية والطائرات أو بالسيارت المفخخة أو يقعون ضحايا للانتحاريين، وبعضهم يسقط لمجرد المشاركة في مظاهرة سلمية أو لرفع أربعة أصابع إشارة إلى موقف سياسي. لقد تسلم النظام العربي الراية من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، لكن الفرق أن بوش شن حربا على أعداء الخارج ممن سماهم الإرهابيين لحماية شعبه وبلده، أما النظام العربي فيشن حربا على الداخل ممن يعترضون على سياسة النظام ويعبرون عن هذا الاعتراض بطرق في معظمها سلمية، مما يؤدي إلى قهر الشعوب وتفتيت البلاد.
لقد أصبح مفهوم الإرهاب متداولا في العالم العربي أكثر من أية منطقة أخرى في العالم وكأن هذا المصطلح تم تفصيله على مقاس النظام للتخلص من كل من يعترض على هيمنة النظام على الشعب، واجتثاث أية محاولة للتمرد أو التذمر أو رفع الصوت احتجاجا . النظام الرسمي وحده من يقرر من هو الإرهابي ومن هو المواطن الصالح، ويقرر حجم العقوبة وأدواتها، ويقرر ما هي الأفكار والطروحات التي تودي بصاحبها إلى الهاوية بحجة الإرهاب، وهو الذي يملك حق العفو إذا ما قرر أن تشمل رحمته بعض المحكومين. وأود أن أؤكد منذ البداية أن الإرهاب نتيجة مباشرة للترهيب وأن من يزرع الخوف والموت والتعذيب وكتم الحريات لن يجني إلا الإرهاب أو التزلف والنفاق والانتهازية.
تعريف الإرهاب
الإرهاب لدى النظام العربي ثوب فضفاض يتسع لكل المقاسات وكل الأجسام وينسى كثير من هؤلاء الذين يستخدمون شماعة الإرهاب للقضاء على المعارضة السياسية والشرعية أن المجتمع الدولي لغاية هذه اللحظة لم يتفق على مصطلح موحد للإرهاب، وأن هناك خلافات عميقة حول هذا المفهوم سأتعرض لبعضها لأبين أن هذا المصطلح الذي ظهر حديثا والتقطته الدول الاستعمارية لتصف كل من يعترض على هيمنتها على الشعوب ونهب ثرواتهم لا يعني أبدا اجتثاث تحركات الشعوب السلمية ضد حاكم قاهر وظالم ومجرم.
دخل مصطلح الإرهاب بمفهومه الحديث لغة الأمم المتحدة لأول مرة على إثر قيام عصابة ستيرن اليهودية برئاسة إسحق شامير باغتيال مندوب الأمم المتحدة السويدي الكونت برنادوت يوم 17 أيلول/سبتمبر 1948 على إثر موقــــف بدأ يبلوره حول تطبيق قرار التقسيم الذي رأى فيه ظلما بحق الفلسطينيين وحول إعلان الهدنة وخطوط وقف إطلاق النار. أدان مجلس الأمن اغتيال برنادوت في اليوم التالي في القرار 57 (1948) حيث قال إن هذا العمل الجبان’ يبدو أنه من فعل مجموعة مجرمة من الإرهابيين في القدس’.
عاد موضوع الإرهاب إلى الواجهة في أوائل السبعينيات بعد انتشار خطف الطائرات بشكل خاص، وقد حاول الأمين العام السابق كورت فالدهايم أن يدخل على جدول أعمال الجمعية العامة بندا تحت عنوان محاربة الإرهاب على جدول أعمال الدورة السادسة والعشرين (1971) ولكن دول العالم الثالث رفضت هذا البند بالطريقة التي طرح فيها لأسباب ثلاثة:
أولا: أصرت مجموعة دول عدم الانحياز على ربط الإرهاب ‘بالجذور المسببة لظاهرة الإرهاب’ وقد عددتها بالحرف في الاضطهاد والقمع والاحتلال والاستعمار واليأس’؛
ثانيا: أصرت هذه الدول على التفريق بين الإرهاب وحق الدول الخاضعة للاستعمار أو الاحتلال الأجنبي في المقاومة ولا يجوز الخلط بينهما؛
ثالثا: أصرت هذه الدول على تضمين أي بحث لمسألة الإرهاب موضوع إرهاب الدولة، لأن الدول الغربية كانت تصر على بحث مسألة الإرهاب الذي تقوم به المجموعات.
وقد أضيف لاحقا شرط رابع يثير مسألة الإرهاب المنبثق محليا من ظروف محلية وبين الإرهاب العابر للحدود، وذلك لأن الدول الغربية كانت تصر على أن الإرهاب يأتي من الآخرين ضد العالم المتمدن، كما كان يحلو لمارغريت ثاتشر أن تسمي الغرب، في إشارة خبيثة إلى أن هناك عالما متوحشا.
لم تستطع الدول الغربية أن تفرض على الدول النامية تعريفا محددا للإرهاب، وبقي الموضوع معلقا في الجمعية العامة إلى أوائل التسعينات وبعد انتهاء الحرب الباردة تمكنت الولايات المتحدة من خطف بند الإرهاب من الجمعية العامة إلى مجلس الأمن، كما اختطفت مواضيع أخرى مثل محاربة الجوع، مساواة المرأة وإدماجها في التنمية المستدامة، وتجنيد الأطفال، وغير ذلك من المواضيع التي ظلت من اختصاص الجمعية العامة لغاية أوائل التسعينات.
بعد نهاية الحرب الباردة
تسيدت الولايات المتحدة في مجلس الأمن بدون منافسة وبدأت تفرض رؤيتها وأجندتها وتعريفاتها على مجلس الأمن. وبمراجعة سريعة لقرارات مجلس الأمن في فترة التسعينات، التي كانت مخصصة أساسا للعرب والمسلمين، أصبح مفهوم الإرهاب حسب الطبعة الأمريكية هو الوحيد المعتمد. وقعت ليبيا تحت الحصار بتهمة ممارسة الإرهاب في حادثة لوكربي (القرار 748 لعام 1992) ووقعت السودان تحت طائلة العقوبات بتهمة مساندة الإرهاب (القرار 1054 لعام 1996) ووقع من قبلها العراق بعد احتلال الكويت لرزمة من القرارات استنادا إلى الفصل السابع، من بينها عدم التعاون مع الجماعات الإرهابية. واعتمد القرار 1267 (1999) لفرض عقوبات على حركة طالبان. قد أصبح العمل من خلال مجلس الأمن أمرا سهلا للولايات المتحدة وحلفائها، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية حيث استطاعت الولايات المتحدة أن تعتمد قرار لجنة مكافحة الإرهاب المكونة من ممثل واحد لكل دولة عضو في مجلس الأمن، حسب القرار 1377 (2001)، التي من بين مسؤولياتها أن تقدم تقارير دورية للمجلس حول تعاون الدول في موضوع مكافحة الإرهاب.
انتشرت في هذه الفترة تعريفات للإرهاب تزيد عن مئة تعريف لا حاجة للخوض فيها. لكن القواسم المشتركة لهذه التعريفات تعتمد في معظمها على ثلاثة أبعاد لظاهرة الإرهاب: استخدام العنف أو التهديد باستخدامه، ضد مدنيين أبرياء من أجل تحقيق هدف سياسي.
الإرهاب والنظام العربي
لا يوجد في كل ما طرحنا شيء يتحدث عن تجريم الاحتجاجات السلمية أو تنظيم المظاهرات أو الاعتصامات والضغط بكافة الوسائل المتاحة لتحقيق مطالب شعبية أو نقابية أو مهنية. لقد ظل الاحتجاج والتظاهر والاعتصام أدوات حضارية في أيدي الشعوب ترفعها متى تشاء في وجه تعسف الدولة. وكلما زاد هذا التعسف انفتحت الطرق واسعة على مسيرات الاحتجاج. وإذا منع الاحتجاج السلمي فلا بد إذن من تنفيس الاحتقان بطرق سرية أخرى قد تؤدي إلى انفجار حالة من الصراع الداخلي ضد من يمنع ذلك الحق كما أسلفنا.
ونظرة إلى قانون الإرهاب السعودي المكون من 41 مادة، الذي أعتمد مؤخرا ونشر يوم الجمعة الماضي (30 كانون الثاني /يناير) تكتشف بكل سهولة أن هذه القوانين لا هدف لها إلا حماية النظام. تقول منظمة هيومن رايتس واتش إن من شأن هذا القانون أن يتيح للدولة إلصاق تهمة الإرهاب بكل معارضيها، وواضح أن القانون يهدف أساسا إلى حماية النظام الملكي. وأنه قانون يتسم بالوحشية ويهدف إلى الإجهاز على المعارضة والمطالبين بالإصلاح. لقد تراجعت الحكومة السعودية عن تمرير هذا القانون عام 2011 في ظل ثورات الربيع العربي. والآن بعد إن اطمأنت إلى حركة الردة على تلك الثورات تستطيع أن تمرره بشيء من العنجهية.
وما ينطبق على قوانين السعودية حول المفهوم الفضفاض للإرهاب ينطبق بشكل أوسع على ممارسات تقوم بها السلطات المصرية ضد أي شكل من أشكال المعارضة السلمية. وكأن السلطة استعارت شعار بوش المشهور ‘إما معنا أو مع الإرهاب’. فالطلاب في جامعاتهم يتحولون بقدرة قادر إلى إرهابيين والفتيات يتم اعتقالهن لأنهن شاركن في مظاهرة لدعم منظمة إرهابية، بل وصل الأمر أخيرا إلى دعوة الرجال المتزوجين من نساء من الإخوان المسلمين إلى تطليقهن.
وفي العراق يشن المالكي حربا على منطقة الأنبار ويشتت أهلها ويدمر مقدراتها بحجة محاربة الإرهاب الذي تمثله داعش. وهل كانت خيمة الاعتصام معقلا للارهابيين كل هذه السنين. والوضع في سوريا أسوأ من كل المواقع الأخرى مع أننا نقر بأن هناك مناطق يسيطر عليها الإرهابيون لكن البراميل المتفجرة لا تسقط على رؤوس الإرهابيين الذين يحتلون الرقة، بل تتجاوزها في الطريق إلى حلب لاستهداف المدنيين والأبرياء.
لقد وضعت الأمم المتحدة بعــــض الضــــوابط لمحاربة الإرهاب إن كان لا بد منه. يقول كوفي عنان في مداخلة حول تلك القوانين:
‘يجب ألا تستخدم الحرب على الإرهاب مبررا للتخفيف من الجهد لوضع حد للصراعات وهزيمة الفقر والمرض. كما أن الحرب تلك لا يجوز أن تكون عذرا يقوض مبدأ الفهم القائم على سيادة القانون والقيادة الحكيمة واحترام حقوق الإنسان’.
لقد أخطأ النظام العربي في التعامل مع هذه الظاهرة مرتين: مرة في استخدام القوة المفرطة من دون النظر في شرعية الاحتجاج السلمي، مما سيؤدي بالضرورة إلى ردة فعل عارمة؛ والخطأ الثاني تناسيه موضوع المجتمع الدولي وأثر ذلك على صورة البلاد ووضعها عالميا.
في النتيجة نرى أن الإرهاب نتيجة حتمية ومنطقية للترهيب. فالعنف يولد الحقد والإحباط والغضب ويبدأ ينتظر لحظ الانفجار كالقنبلة الموقوتة. إن تجفيف منابع الإحباط والقهر والتصرف بعقلانية والتحفظ الشديد في استخدام القوة والتعامل مع أبناء الوطن بالعدل والمساواة واحترام إنسانية كل شخص ـ حتى لو ارتكب جريمة ـ كل هذه المواصفات هي التي تجتث الارهاب. ومن يراجع تاريخ السلفادور الحديث ونيكاراغوا وغواتيمالا وسيراليون وليبيريا وغيرها من الدول التي كانت مرتعا للإرهاب كيف اختفت تلك الظاهرة بعد أن أطيح بالطغاة واستتب الأمن وانطلقت الحريات ومعها الإبداعات، ويذكرني هذا بمقولة القبطي الذي جاء ليشكو لعمر بن الخطاب ظلما لحق به فوجده نائما تحت شجرة فقال قولته المشهورة ‘عدلت فأمنت فنمت’.
‘ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك
تحليل المقال حول الارهاب يقودنا الى أن العنف المفرط الذي مارسه النظام السوري هو الذي جذب الارهاب لسوريا ولاننسى أن النظام دعا حزب الله لسوريا ليساعده في العنف وحزب الله هو على لائحة الارهاب الأمريكية منذ فترة طويلة.
بالمناسبة رسول كسرى هو من قال العبارة الشهيرة ‘عدلت فأمنت فنمت’ وليس القبطي.
احسنت
يأتي الإرهاب ممن يقف على رأس الهرم أي من الحاكم المتنفذ المتأمر والمنصاع لأوامر الغرب لتمرير مصالحهم العدوانية في نهب ثروات شعوب عانت من القهر والظلم دون أن تجد من يغيثها ويرفع الظلم عنها .