إسطنبول- “القدس العربي”: تاريخياً، تعتبر فاتورة الطاقة الأكثر إنهاكاً للاقتصاد التركي، وإحدى أبرز المسببات لعجز الميزان التجاري الذي يأبى التحسن رغم وصول الصادرات التركية إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة، وذلك بسبب اعتماد البلاد بشكل شبه كامل على استيراد مصادر الطاقة المختلقة من الخارج بالعملات الصعبة بقيمة تتجاوز 40 مليار دولار سنوياً.
لكن هذه الفاتورة باتت أكبر وأصعب مع التراجع التاريخي الكبير في قيمة العملة التركية التي وصل سعر صرفها أمام الدولار الأمريكي إلى 10 ليرات لكل دولار، وهو يضغط بشكل أكبر بكثير على ميزانية الدولة، ويرفع من قيمة فاتورة الطاقة وبالتالي استمرار وتوسيع العجز في الميزان التجاري.
وتستورد تركيا الوقود والغاز الطبيعي بكميات كبيرة جداً لتغطية احتياجات البلاد المختلفة من وقود السيارات والمصانع وغاز الطبخ والتدفئة، وهي احتياجات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها أو تقليلها في أي حال من الأحوال. وبينما تسعى الحكومة لزيادة الصادرات التركية للخارج، تؤدي عملية زيادة الإنتاج وتشغيل المصانع إلى زيادة الطلب على الطاقة من الخارج، وهو ما يعيد المعادلات الاقتصادية إلى المربع الأول، وتفشل مساعي تقليص الفارق في عجز الميزان التجاري.
ومنذ سنوات، يعمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضمن استراتيجية متعددة الأوجه من أجل تقليل اعتماد البلاد على استيراد الطاقة، وذلك من خلال تكثيف التنقيب عن البترول والغاز الطبيعي براً وبحراً على نطاق واسع، وبناء السدود لزيادة الكهرباء المولدة من تدفق المياه، وزيادة مشاريع الطاقة المتجددة وبرامج توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح وصولاً لمساعي توليد الطاقة من النفايات، وغيرها من المصادر المتنوعة للطاقة.
لكن البرنامج الأكبر يتمثل في بناء المفاعلات النووية القادرة على توليد الطاقة الكهربائية، حيث تبني روسيا منذ سنوات محطة “أق قويو” للطاقة النووية التي من المقرر أن تبدأ الإنتاج الأولي عام 2023، فيما تجري مباحثات مع روسيا واليابان ودول أخرى لبناء مزيد من المفاعلات النووية لتحقيق الاكتفاء الذاتي قدر الإمكان من الطاقة الكهربائية وتقليل فاتورة استيراد الوقود اللازم لتوليد الكهرباء من المحطات التقليدية العاملة على الوقود.
وقبل أيام، وخلال افتتاح عدد من مشاريع الطاقة بالبلاد، أكد أردوغان أن بلاده ستشرع على وجه السرعة في الاستعداد لبناء محطة نووية ثانية وثالثة، بعد تشغيل محطة “آق قويو” الأولى في تركيا، وقال: “لا يمكن أن يعترض أحد على الطاقة النووية التركية وفي قلبه ذرة رغبة باستقلال اقتصاد البلاد ورفاهية شعبها”، مضيفاً: “علينا أن نتساءل، لماذا لم تُقدم تركيا على امتلاك طاقة نووية قبل 20 أو 30 عاما، إن استخدام العالم لهذه الطاقة منذ أكثر من 60 عاما وتأخرنا بالوصول إليها أمر مخجل لبلادنا”.
وبينما اعتبر أردوغان أن دخول محطة “آق قويو” النووية الخدمة، سيسد فجوة امتلاك البلاد للطاقة النووية، اعتبر أنه “في وقت تنشط فيه 443 محطة طاقة نووية في 32 بلدا بالعالم، فإن من يقول لا ينبغي لتركيا امتلاك الطاقة النووية، جاهل إن لم يكن خائنا”، مشدداً على عزم بلاده امتلاك الطاقة النووية “رغما عن المنتقدين لها تحت ذرائع الحفاظ على البيئة”.
وبحسب أردوغان، زاد احتياج تركيا للطاقة هذا العام بنسبة 8 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وقال: “نهدف حتى عام 2027 لتوليد 10 آلاف ميغاوات من الرياح ومثلها من الشمس، وإضافة الطاقة النووية لسلة طاقتنا من أجل تنويعها”، موضحاً أن “أعمال بناء محطة أق قويو النووية متواصلة، وتتكون من 4 مفاعلات طاقة كل واحد منها 1200 ميغاوات وإجمالي طاقتها 4800 ميغاوات”. كما أكد أن تركيا ستواصل زيادة عدد سفن البحث والتنقيب التي تمتلكها، وكذلك العمل للكشف عن مصادر الطاقة في مياهها في البحرين الأسود والمتوسط.
وإلى جانب الطاقة النووية، ركزت تركيا في السنوات الأخيرة على مساعي البحث والتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي براً وبحراً، ودخلت في صراع إقليمي خطير مع اليونان والغرب في شرق المتوسط من أجل إثبات حقوقها في موارد المنطقة الغنية بالغاز. وبفضل هذه الاستراتيجية، انتقلت تركيا من مرحلة استئجار سفن التنقيب والاعتماد على الشركات الأجنبية التي خضعت للضغوط الدولية، إلى برنامج هائل لبناء أسطول ضخم من سفن البحث والتنقيب عن موارد الطاقة بتكلفة ضخمة، وقبل أيام أكدت مصادر تركية أن أنقرة اشترت سفينة تنقيب جديدة من الجيل السابع من كوريا الجنوبية لتنضم إلى أسطول سفن التنقيب التركية.
وبالفعل نجحت سفن التنقيب في اكتشاف أكبر مخزون للغاز الطبيعي في تاريخ تركيا، وذلك في مياه البحر الأسود بلغ 540 مليار متر مكعب، حيث بدأ العمل على إنشاء البنية التحتية لاستخراج الغاز واستخدامه بحلول عام 2023 كما يؤكد أردوغان. وعلى الرغم من محدودية الاكتشاف والكمية مقارنة باحتياجات تركيا، إلا أنها اعتُبرت نقلة تاريخية لدخول تركيا عهد اكتشاف واستخراج الغاز بجهود محلية.
كما عملت الحكومة بقوة في السنوات الأخيرة على بناء مشروعات مختلفة لصناعة الألواح الشمسية وتعزيز مشاريع توليد الكهرباء من أشعة الشمس، إلى جانب مشاريع توليد الطاقة من الرياح التي باتت تنتشر في كثير من المحافظات، إضافة إلى المشروع الضخم لبناء عشرات السدود لتوليد الطاقة الكهربائية من قوة دفع المياه والتي كان آخرها سد إليسو الذي افتتحه أردوغان قبل أيام ويعتبر من أضخم وأهم سدود تركيا.
وإلى جانب مساعي إنتاج الطاقة محلياً وتقليل الاعتماد على الخارج، عملت تركيا على محاولة تقليل فاتورة الطاقة الحالية من خلال تنويع مصادر الطاقة الخارجية وذلك عبر تقليل الاعتماد على الغاز القادم من إيران وروسيا، وزيادة الاعتماد على الغاز القادم من أذربيجان والجزائر بأسعار أفضل.
الطاقة هي الدماء التي تسري في عروق الإقتصاد ، و بدون طاقة لا يمكن الحديث عن إقتصاد مستقل ، و إنتاج الكهرباء يعد من أهم العوامل التي تدفع عجلة الإقتصاد و تقوم بتسريعه ، و هناك بعض الدول تُنتج الكهرباء بواسطة مواردها الطبيعة مثل الغاز ،إذن هي طاقة مجانية ، و دول أخرى تُنتج الكهرباء عن طريق إستيراد الغاز ، و البنزين … و غيرها . هذا ما يثقل كاهل الميزانية خاصة بالنسبة للدول النامية مثل تركيا التي تنتج 300 ألف جيغاواط سنوياً (15 عالمياً) ، الحل البديل يكمن فعلاً في إستخدام المحطات النووية لإنتاج الكهرباء ، لكن مع مراعاة الحصول على المادة الخام من اليورانيوم المتواجدة بكثرة في أفريقيا ، و تصفيتها بنسبة 20% . فشراء اليورانيوم المخصب الجاهز للإستعمال أكثر ضرراً من شراء الغاز الطبيعي لتدوير توربينات إنتاج الكهرباء بحيث تتعرض للإبتزاز و رفع الأسعار من طرف الدول المصّنعة لـ “الكعكة الصفراء” المادة الخام . فالواجب من أي دولة تريد إنتاج الكهرباء بالمفاعلات النووية التفكير قبل كل شيء في التحكم في تقنية تخصيب اليورانيوم أولاً . و المؤكد أنها ستجد صعوبات دولية كثيرة و منع من طرف الدول الغربية التي تريد أن يبقى الحصول على هذا النوع من التكنولوجيا حصري بها لأسباب أستراتيجية .
أردوغان جعل تركيا تنافس الدول المتقدمة وتبحث في امتلاك الطاقة النووية لتجنب التهديدات اللتي يهدد بها العالم الغربي لقد بدأ من الديون وانتقل للاكتفاء الداتي واهتم بالتصديرثم أصبح يلعب دورا في الحلول السياسية الدولية رغم المناورات اللتي تلعبها أمريكا لتقليص دور تركيا