يعقد رؤساء أركان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس) اجتماعا اليوم السبت لبحث إمكانيات التدخل العسكري في النيجر بعد أن وافق رؤساء دول المنظمة على استخدام القوة لإعادة رئيس النيجر محمد بازوم إلى منصبه بعد أن أطاح به انقلاب عسكري.
عقدت قمة الرؤساء في أبوجا، عاصمة نيجيريا، التي تمتلك حدودا واسعة مع النيجر (قرابة 1500 كم) والتي يلعب رئيسها بولا أحمد تينوبو (الذي يرأس المنظمة حاليا) دورا كبيرا في التأثير على قرار المنظمة بالتدخّل العسكري، ولا يخلو الأمر من دلالة أيضا أن اجتماع رؤساء الأركان سيكون في أكرا، عاصمة غانا، التي شاركت، مع نيجيريا في عمليات تدخّل عسكرية سابقة لاستعادة النظام الدستوري، في غينيا الاستوائية، بعد انقلاب شباط/فبراير 2022، حيث نشرت المجموعة 600 جندي من نيجيريا وغانا والسنغال وساحل العاج، مما أدى لعودة الاستقرار في البلاد.
شارك البلدان أيضا في التدخل العسكري في غامبيا (إضافة إلى قوات من السنغال وتوغو ومالي) بعد رفض الرئيس السابق يحيى جامع التنحي رغم خسارته في الانتخابات، فقامت المنظمة بحشد سبعة آلاف جندي من قواتها، وهو ما فرض على جامع التسليم بالأمر الواقع والخروج من البلاد، غير أن آثار قرار «إكواس» ما زالت موجودة في البلاد من خلال بقاء 2500 جندي من تلك البلدان للمشاركة في عملية حفظ السلام في غامبيا حاليا.
تشكّل هذه التدخلات العسكرية حالة عالمية خاصة، وذلك لأن اسم المجموعة يشير إلى كونها منظمة اقتصادية إقليمية (وليست منظمة عسكرية كحلف شمال الأطلسي) والأغلب أن منطق بلدان المجموعة يقوم على تبين العلاقة الوثيقة بين السياسة والاقتصاد، ولعل فترة الحكم القصيرة لرئيس النيجر المعتقل حاليا، محمد بازوم، الذي كان أول رئيس يصل إلى السلطة سلميا في بلده (عام 2021) نموذج على هذه العلاقة، فقد شهدت النيجر تحسنا في مجالات التعليم والصحة العامة، كما شهد الوضع الأمني تحسنا كبيرا، وهو عكس ما حصل في مالي وبوركينا فاسو، البلدين اللذين شهدا انقلابين عسكريين في عامي 2020 و2022، وشهدتا ما يقارب 90٪ من مجمل أحداث العنف المرتبطة بالمواجهات مع التنظيمات السلفية المسلحة (مثل «القاعدة» وتنظيم «الدولة الإسلامية») في منطقة الساحل.
رغم التاريخ الطويل لمعاناة شعوب الدول الأفريقية من الانقلابات العسكرية، التي يقوم بها عادة ضابط، أو مجموعة مسلحة صغيرة طامحة للسلطة، فإن هذه التحركات العسكرية تقابل، أحيانا، بترحيب شعبيّ، ينمّ عن استقالة العقل، وعبادة القوة، والرغبة في حصول معجزات سريعة من أشخاص جلّ همّهم التحكّم بموارد البلاد الاقتصادية والمالية، وصولا إلى احتكار البلاد وتوريثها.
توضح تفاصيل الانقلابات في بلدان الساحل الأفريقي ارتباطها بطموحات ضباط، لا يلبثون أن يتغطّوا بأنواع الشعارات الفاقعة، فانقلاب الحرس الرئاسي، بعد اتجاه الرئيس بازوم لإقالة تشياني من منصبه، وقد فوجئت مؤسسة بقية مؤسسات الجيش بالانقلاب لكنها وافقت عليه بعد تردد، وجاء انقلاب مالي، عام 2021، بعد تعديل وزاري استبدل اثنين من الجنرالات، اللذين شاركا في انقلاب قاده عاصمي غوتو، قائد القوات الخاصة في الجيش، أما انقلاب بوركينا فاسو فنفذه 100 من أفراد القوات المسلحة، وتم تنظيم التحرك عبر تطبيقات واتساب وتيليغرام وسيغنال.
في مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية عليها، تلجأ المجموعات الانقلابية إلى استدعاء أشكال التبعية للخارج والتدخّل العسكري لحمايتهم، وهو عين ما فعله جنرالات مالي وبوركينا وفاسو الذين وظّفوا خدمة شركة «فاغنر» الروسية في البلدين، وهو ما قام به ضباط النيجر أيضا، بصراحة، وهو ما رحب به صاحب الشركة، بريغوجين.
يكسر قادة الانقلابات معنى السياسة باستبدال إرادة الشعوب والاحتمالات العديدة التي تحملها الانتخابات والديمقراطية بأشخاص تمكنوا من السيطرة السياسية بقوة المدافع والطائرات، ويساهمون، في سبيل تلك الطموحات الشخصية، بتأزيم أوضاع أوطانهم وشعوبهم واقتصاداتهم وأمن واستقرار البلاد، ويؤسسون لمنطق القوة والغلبة لغيرهم، في حلقة دائرية مستمرة من الأزمات.