النيل قضية شعب… وأساس ملك… والترامادول الإعلامي لن يصرف الجماهير عن حماية كنزها الوحيد

حسام عبد البصير
حجم الخط
1

القاهرة ـ «القدس العربي» :كان الإحساس الذي ينتاب قطاعا عريضا من المصريين في صحف الخميس 3 يونيو/حزيران، مفاده أن “البلد يضيع” فالنيل أوشك أن يغيب، والحكومة تصر على “تسويق الترامادول الإعلامي”، متجسداً في عمرو أديب وباقي أعضاء الجوقة، على الأغلبية التي كانت تحسن الظن بالسلطة لكنها باتت تسترد وعيها رويداً رويداً، وهو أشد ما يزعج القائمين على مقاليد البلاد والعباد.
ما يؤلم الجماهير أنها بدأت تشعر بأن الخوف من الداخل، لا يقل قسوة عن المتربصين بأمننا المائي في الخارج.. كما أن ما يصدر عن الحكومة من ردود أفعال، لا يتسق مع المخاطر المتوقعة، التي يتفق عليها أشد الموالين للسلطة مع أشرس خصومها على السواء، أولئك الذين باتوا يرددون في العلن، وفي الصحف وعبر صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، أن ضياع حصتنا من النيل وبقاء سد النهضة جاثماً على صدورنا يمثل نكسة كبرى تفوق احتلال سيناء، وبجانب كارثة سد النهضة، هناك المصالحة الفلسطينية التي توليها السلطة أهمية قصوى.
من التقارير التي اهتمت بها صحف الخميس، والتي تعكس تحسن الوضع الاقتصادي: كشفت هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، عن تراجع معدل التضخم في شهر إبريل/نيسان 2021 ليصل إلى 4.4% على أساس سنوي و1.2% على أساس شهري، مع استمرار صافي الاحتياطات الأجنبية في الارتفاع للشهر العاشر على التوالي لتصل إلى 40.3 مليار دولار، في شهر إبريل/نيسان 2021، ليغطي واردات الدولة لمدة 8 أشهر. ومن أخبار الحوادث: شهدت قرية أبوحزام في مركز نجع حمادي في محافظة قنا، مجزرة دموية أسفرت عن مقتل 10 أشخاص من بينهم أطفال ونساء وإصابة 7 آخرين، بسبب تجديد الاشتباكات بين عائلتين في القرية استخدمت فيها الأسلحة النارية، وجرى نقل المصابين إلى المستشفى لتلقي العلاج، وتم تحرير محضر وتولت النيابة العامة التحقيق.
كما أعلن المستشار تركي آل الشيخ، عن عودة الفنانة شريهان للمسرح بعد غياب سنوات. ونشر آل الشيخ برومو عبر حسابه الرسمي في موقع إنستغرام، وعلق عليه: «ترقبوا.. عودة النجمة الكبيرة شريهان للأضواء بعد غياب سنين، في عمل مميز على منصة شاهد برعاية هيئة الترفية السعودية».
اشربوا من البحر

مثَل مصري ذا مغزى “اشربوا من البحر” يعبِّر كما أوضح الدكتور محمود خليل في “الوطن” عن الطريقة التي يتعامل بها الإنسان الذي استبد به العطش، حين يصبح على استعداد لأن يفعل أي شيء من أجل الوصول إلى الماء. فالماء بالنسبة للمصريين جوهر من جواهر حياتهم، شأنهم شأن البشر السارحين في دنيا الله، بل قل إن الماء الذي يجري في النيل الخالد هو أصل تاريخ وأساس حاضر من يعيشون فوق تراب هذا البلد. النيل أساس الملك.. تلك حقيقة تشهد عليها التجربة المصرية منذ عصر فرعون موسى، الذي كان يرى أن الأنهار التي تجري من تحته نيلاً عذباً تجعل من مصر جنة الله في أرضه، وحتى زمن الوالي محمد علي الذي طمح إلى بناء دولة كبرى، تستطيع أن تنافس كبريات دول العالم في عصره. كان النيل «أساس ملك» محمد علي الذي ارتكز على الاقتصاد الزراعي.. فالنيل خصوبة وزراعة وحاصلات صدّرها محمد علي وخلفاؤه في الحكم، لتشكل المصدر الأهم لإنعاش الاقتصاد المصري. وليس يخفى عليك أن محمد علي ومن حكم مصر من أولاده وأحفاده كانوا حريصين كل الحرص على جعل النيل بحيرة مصرية خالصة، وخاض الوالي الكبير حروباً طاحنة في افريقيا، جعلته يضع قدماً مصرية في السودان، وبعض المناطق التي تليها، ومن بعده حاول الخديوي إسماعيل السيطرة على إثيوبيا، لكن مشروعه لم يحالفه التوفيق. وبالتالي فالنيل الخالد هو أهم ملف في حياة المصري وحياة من يحكمه.

لن نتنازل

انتهى الدكتور محمود خليل، إلى أن تاريخ الفلاح المصري يشهد على صراعه المرير من أجل الوصول إلى الماء، حتى لو اقتضى الأمر أن يكسر الحوض، وأن يسيل دمه في سبيل ذلك، ولعل رواية عبدالرحمن الشرقاوي – رحمه الله – المعنونة «الأرض»، أكثر الروايات تعبيراً عن علاقة الفلاح المصري بالماء، وهي علاقة تكاد تكون ثابتة عبر تاريخه. لا أحد في مصر يتسامح في قضية «النيل». فالقضية ببساطة ليست قضية سلطة تحكم، بل قضية 110 ملايين إنسان يعلمون كلهم أن النيل أصل التاريخ، وجوهر الجغرافيا في حياة هذا البلد. لا أحد في بر مصر يتسامح في نقطة ماء واحدة تريد إثيوبيا منعها عنا، ومن يخطط لذلك لا يعلم أن أبسط مواطن يعيش فوق هذه الأرض، إذا عطش كسر الحوض حتى يصل إلى الماء. لقد أقام المصري الدنيا وأقعدها عندما فقد سيناء عقب نكسة 1967، ولم يصبر على حقه حتى قاتل وحارب في 1973، ليس من أجل استرداد الأرض فقط، ولكن من أجل استرداد كرامته أيضاً. النيل بالنسبة للمصريين ليس قضية ماء يجري شاء الله أن يجعله سر حياتهم، لكنها مسألة كرامة أيضاً. من يتابع تفاعل الكثيرين مع تصريحات المسؤولين المصريين حول السد يستخلص بسهولة أن المسألة باتت بالنسبة للمصري مسألة كرامة أيضاً. النيل قضية شعب.. وأساس ملك.. ويخطئ من يتفاعل مع هذا الملف بعيداً عن هذين الأمرين.. يخطئ كثيراً.

البحث عن تعاطف

رأى مرسي عطا الله في “الأهرام”، أن أزمة السد الإثيوبي ألقت ضوءا كاشفا على المحنة الإنسانية التي يعيشها سكان إقليم تيغراي وأظهرت عمق الأزمة السياسية التي تواجهها أديس أبابا، لأن محاولات إثيوبيا لصرف أنظار المجتمع الدولي عن فظاعة الانتهاكات في إقليم تيغراي ارتكزت على المبالغة في التشدد والتعنت حول أزمة السد، بغية كسب تعاطف دولي وداخلي ومزدوج، ولكن اللعبة انكشفت تماما. إن منهج المناورة بورقة السد للتغطية على ما يجري في إقليم تيغراي، لم تجذب تعاطفا دوليا، ولم تنجح في حشد الإثيوبيين خلف قضية السد، وإنما أثارت الشفقة والرثاء، وعززت من الشعور بالألم والأسى أكثر من أي شيء آخر. وليس من شك في أن موقف مصر الذي ارتفع فوق كل محاولات الاستفزاز وأكد ـ حتى الآن ـ استمرار تمسك القاهرة بالنهج التفاوضي حرصا على أمن واستقرار القارة الافريقية، أظهر بوضوح قاطع من هم أصدقاء الحياة والنماء واحترام حقوق الإنسان في القارة السوداء، ومن يعادون ذلك على الجانب الآخر ــ بوعي أو عن غير وعي. لقد فقد حديث إثيوبيا عن أهمية السد وضرورته لنشر التنمية والحياة في ربوع الحبشة، أي معنى في ظل المحنة القاسية التي يعاني منها شعب إقليم تيغراي بسبب التمييز العنصري، وهي محنة لا أظن أن هناك شعبا آخر يتعرض لها في القرن الحادي والعشرين، حيث يجد الناس هناك أنفسهم مثل غالبية الفلسطينيين مرغمين على الحياة في ظروف أقرب إلى العصور الوسطى في التاريخ. مصر أكدت أنها ما زالت عند حسن ظن الأفارقة، وعند حسن ظن المجتمع الدولي بقدرتها الهائلة على مد حبال الصبر في التعامل مع أزمة السد، تصريحات أبي أحمد التي يزعم فيها أن إثيوبيا تنوي بناء 100 سد كشفت بدون أن يدري عمق الارتباك وفجاجة سوء النية.

لا مفر من هذا

30 يوما بالتمام والكمال، كما قال سامي صبري في “الوفد” تفصل بيننا وبين الملء الثاني المقرر له في 2 يوليو/تموز المقبل، ولا بارقة أمل تشير إلى أن هذا الرجل، سيتراجع ويجنب المنطقة نتائج لا تحمد عقباها، إذا ما أصر على عناده وتصليب دماغه، بل على العكس، كل شيء يسير باتجاه سياسة فرض الأمر الواقع، وإهدار الوقت في مفاوضات وجولات لا يرى لها أي «ستين لزمة»، وهو ما يجعلني أتوقع فشل الأمريكيين في إقناعه ونزع فتيل التوتر والعودة إلى مائدة المفاوضات، إلا إذا حدثت معجزة تعيد هذا الأرعن إلى صوابه والجلوس مجددا إلى طاولة المفاوضات من غير شروط مسبقة، وبضمانة قانونية تلزمه بعدم التنصل، والتهرب مما تم الاتفاق عليه في المفاوضات السابقة، التي جرت في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب. العالم كله يعلم ما يتعرض له الشعب الإثيوبي من انهيار اقتصادي وسياسي في عهد الحكومة الحالية، ويعلم كل الزعماء والقادة الأفارقة أن كل ما يفعله أبي أحمد هو محاولة يائسة يستخدمها كآخر ورقة تمكنه من تجميع الشعب حوله، وتوحيده، وإعداده للانتخابات التي ستجري الشهر المقبل، ومن ثم الفوز والاستمرار في رئاسة الوزراء. أبي أحمد يحاول دائما «ابتزاز» قضية سد النهضة محليا، وإيهام الإثيوبيين بأنه لا خطر يواجه بلادهم الآن سوى مصر والسودان، ودفاعهما عن حقوقهما التاريخية في شريان حياة شعبين كبيرين يدعي رئيس وزراء إثيوبيا أنه ملك الإمبراطورية الحبشية وحدها!

واقع جديد

أكد عبد الله السناوي في “الشروق”، أن الأمن القومي ليس اختراعا، فهو من مسؤوليات الدولة، وهو لا يناقش بالقطعة، كأن تلخصه في الحدود، ثم تلخص الحدود في معبر «رفح» قبل أن تتقبل اقتراحا إسرائيليا بمضاعفة قواتك عند هذا المعبر بالذات، ولا يتجاوزه إلى سواه، ضمانا لأمنها، وتعتبر ذلك كله إنجازا وسيادة وأمنا قوميا. نظام الحكم في السنوات الأخيرة لمبارك لم يكن مؤهلا لتوظيف الحوادث التي جرت لاقتناص أي فرص لاحت، أهمها: رفع يد إسرائيل عن المعبر المصري ـ الفلسطيني، والبروتوكول الذي يحكمه لم تكن مصر طرفا فيه. كان ذلك داعيا لتهديد جدي في الأمن القومى، فكيف يتسنى لدولة محورية مثل مصر، ألا تكون طرفا مباشرا في أي ترتيبات على حدودها. باليقين هناك أخطاء متراكمة فادحة على الجانبين. تورط نظام مبارك في توفير غطاء عربي للعدوان على غزة وإحكام الحصار عليها، كان ذلك انتقاصا من الدور المصري واحترامه في إقليمه. بالمقابل تورطت «حماس» بالانحياز الأيديولوجي والسياسى لجماعة «الإخوان المسلمين» في أتون يناير/كانون الثاني (2011) وأثناء 30 يونيو/حزيران (2013)، وكان ذلك داعيا لانتقاص فادح من شعبيتها كحركة مقاومة، في بلد دأب مواطنوه على دعم القضية الفلسطينية كقضية إجماع مصري. في ما بعد تحللت «حماس» من أي وثائق تنسبها إلى الجماعة، بدون أن تغادر المشهد آثار جروح استقرت في الذاكرة العامة، ذلك يستدعى مقاربات أخرى تستبين معها ضرورات دعم العلاقات لتخفيف وطأة الحصار على غزة، ونصرة القضية الفلسطينية، كما تكثيف التعاون الأمني ضد جماعات العنف والإرهاب التي تنشط في سيناء، وهو ما يحصل فعلا. في آخر اجتماع لقادة الفصائل الفلسطينية في القاهرة، بدا لافتا تغير البيئة العامة، وقدر الاستجابات المصرية لما يقترحونه من أفكار وتصورات، وطلبات كفتح معبر رفح. بصورة فورية استجيب لطلب فتح المعبر، بدون إرجاء لوقت لاحق، كما كان يجري سابقا، على ما استمعت في المساء نفسه إلى أمين عام «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بالنيابة أبو أحمد فؤاد. أسست تلك الاستجابة لروح جديدة في العلاقات بين السلطات المصرية والفصائل الفلسطينية، تجلت في نجاح وساطة التهدئة وضخ دماء جديدة في مشروع المصالحة الفلسطينية، غير أن الطريق ما يزال في أوله.

ديك رومي

فعلاً والكلام لمجدى علام في “الوطن” كان عمرو موسى يقرأ المستقبل حين بدأ النظام العربي في الانهيار بغزو العراق، وكان حسني مبارك محقاً في نداءاته المتكررة التي تجاوزت 40 بياناً لصدام حسين للخروج من الكويت، بعد أن احتضنت مصر نصف أهل الكويت على أرضها، وحينما رفض صدام كل المحاولات، حتى عندما سكن الملك فهد مصر 3 أسابيع كاملة، كل من يعرف ولا يعرف تأكد أنه إعداد للحرب العسكرية على العراق، إلا صدام حسين، الوحيد الذي ظل على حسن ظنه بالأمريكيين، رغم أنهم عدوه اللدود، ولم يحسب حتى قرارات الأمم المتحدة التي كانت تتوالى حتى وصلت للفصل السابع الذي يتيح استخدام القوة العسكرية ضد الدولة المارقة، أي التي تخرج عن النظام الدولي وتهدد السلم والأمن الدوليين، وهكذا صورت لصدام أوهامه أنه سيخرج منتصراً ودفعت الأمة العربية كلها ثمن غروره وجهله! وفُتح الباب للنظرية الاستعمارية القديمة التي جسدتها سايكس بيكو، وتفتيت الدولة العربية التي صنعها الشريف حسين، وضمت السعودية والأردن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وكانت مصر تحت الاحتلال البريطاني، والمغرب العربي «احتلال فرنسي»، وليبيا «احتلال إيطالي» .وبعد ثورة يوليو/تموز عبدالناصر وموجة التحرير والاشتراكية والوحدة، بدأ الحديث عن النظام العربي في ظل تزعّم عبدالناصر للمنهج العروبي القومي، وتوحيد الدول العربية، ونظرت له بعض الدول العربية على أنه يريد أن يعطي لنفسه لقب ملك ملوك العرب، فكان ما كان من نظرية الديك الرومي، التي ذُبح فيها عبدالناصر ومات نفسياً في سنوات النكسة، حتى مات إكلينيكياً. وبعد حرب العراق وتمزيقه، عادت الدول الإقليمية المحيطة بالعالم العربي للطمع، فمنعت مياه الفرات ودجلة تمهيداً لاحتلال العراق؟
للدفن أقرب

تابع مجدي علام، عادت إيران تحتل فعلياً العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وإن كانت نظرياً تسميه التعاون الإسلامي، أو بالأحرى حماية المذهب الشيعي من تغوّل المذهب السني، الذي يمثله الحريري في إقليم طرابلس الذي يحكمه، مقابل عون الذي يحكم إقليم بيروت المسيحي ويشاركه حزب اللَّه في حكم باقي لبنان حتى حدود فلسطين، وهنا قالت إثيوبيا كلهم خانوا العروبة والعرب، فلماذا لا أفعل أنا، ففعلت ولم تقل إنها ستدمر السودان، ومصر بوابة الجناح الغربي للإقليم العربي، خصوصاً أن الحليف الإسرائيلي جاهز بالدعم، وحين يجد الجد يكون العدوان الإثيوبي جنوباً والإسرائيلي شرقاً وغرباً في ليبيا. لكن السيسي تمكّن من إفساد ربع التكتل متمثلاً في حماية ليبيا من الوقوع في براثن الاحتلال الذي أنزل قواته بالفعل هناك، واتحاده مع جنوب السودان عسكرياً وسياسياً على بعد خطوات من سد أبي أحمد وقواعد الجيش السوداني الشمالي تعتزم إعادة الفشقة التي تحتلها إثيوبيا إلى وطنها الأم السودان؟

من يدعمه؟

سؤال اهتم بالبحث عن إجابة له الدكتور عصام عبد الفتاح في “المصري اليوم”: ما هي القوى التي يعتمد رئيس الوزراء الإثيوبي على مساندتها له في حالة إذا لم يعد أمام مصر والسودان مفر من اللجوء إلى الحل العسكري؟ لقد راود هذا السؤال كثيرا من الباحثين. والتقت إجاباتهم كلها تقريبا في تحديد هذه القوى بالدول التي تساهم بصورة أو بأخرى في بناء السد، أو ستستفيد منه استفادة جمة في استثماراتها ومصالحها، مثل الصين وتركيا وبعض الدول العربية. ولا يماري أحد في أن أهم المستفيدين من بنائه هو إسرائيل. لماذا؟ لأنها أولًا تعاني من نقص شديد في موارد المياه لديها، خاصة في بحيرة طبريا، التي تغذي مستوطناتها بالمياه في الأراضي المحتلة، إذ تقول بعض المصادر أن إسرائيل تحتاج إلى أكثر من 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا لضمان إعاشة مستوطناتها المتزايدة، وأنها ستعاني من أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة، لن تتمكن من مواجهتها، إن لم تدبر حلا عاجلا يضمن لها مصدرا مستديما للمياه. وهي بطبيعة الأمور لن تجد حلا أفضل من إشعال نزاع بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة وخلق وجود لها في إثيوبيا تتمكن بواسطته من تحقيق الحلم الكبير الذي لم يفتأ يداعب مخيلتها منذ الأزل، ألا وهو فتح الطريق أمام جزء من مياه النيل إلى الأراضي المحتلة. وثانيا لأن تثبيت وجودها في إثيوبيا سيمكنها من تقوية علاقاتها بالدول الثلاث: إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي، فتستطيع بذلك تفجير النزاعات الإقليمية في البحر الأحمر، والظفر بنفوذ وثقل لا يُستهان بهما في منطقة استراتيجية مهمة. حينما دُعى بنيامين نتنياهو لزيارة إثيوبيا في شهر يوليو/تموز عام 2016 إبان افتتاح المرحلة الأولى من بناء سد النهضة ألقى خطبة أعلن فيها تأييده الكامل لمشروع سد النهضة من أجل الاستفادة من موارده المائية، كما زودت إسرائيل إثيوبيا بنظام من الصواريخ لحماية السد لعلمها أن سد النهضة سيكون لدول الجوار سدا للنكبة.

أصبح بحيرة

ما قاله أبي أحمد بشأن بناء مئة سد جديد يعتبره عماد الدين حسين في “الشروق” في منتهى الخطورة، ويعني عمليا أن إثيوبيا، بدأت تتعامل فعليا مع النيل الأزرق باعتباره بحيرة إثيوبية داخلية، وليس نهرا دوليا خاضعا للاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بالأنهار المشتركة. كنا نعتقد في الماضى أن الكراهية والحقد والغل على مصر، مجرد حالة لدى شخص أو اثنين أو مجموعة قليلة مثل وزير الري بيكلي، الذي قال بعد الملء الأول في يوليو/تموز الماضي: إن «النيل كان نهرا وصار الآن بحيرة داخلية». ثم اكتشفنا أن هذه الحالة تشمل جميع القادة الإثيوبيين الحاليين والسابقين، وأنها تقريبا الشيء الوحيد الذي يُجمع عليه الإثيوبيون، باعتبارهم منقسمين على كل القضايا تقريبا. والمؤكد أن تصريحات أبي أحمد الأخيرة تعني شيئا جوهريا، وهو أن إثيوبيا أساءت فهم النوايا المصرية السلمية، طوال السنوات العشر الماضية، باعتبارها ضعفا، وأنه يحق لهم أن يفعلوا مع النيل ما يشاؤون. ليس مهما هل سيبني أبي أحمد 100 سد، أم أنه مجرد «طق حنك» للاستهلاك الإعلامي، لأن القضية هنا لا تتعلق بالعدد فقط، بل بالنوايا والأهداف بعيدة المدى. حينما أقامت إثيوبيا سد النهضة على الحدود مع السودان، فهي كانت تبعث بإشارة واحدة، للأسف لم يفهمها معظمنا في حينها، وهي أنها تريد تحويل السد إلى حاجز ومحبس للتحكم في مرور المياه لمصر والسودان، وليس فقط لتوليد الكهرباء.

إعلان حرب

اليوم كما أشار عماد الدين حسين وبعد أن كانت إثيوبيا تقول إن السد أو السدود هدفها توليد الكهرباء، فإنها بدأت تتحدث عن أن هدفها هو زيادة الإنتاج الزراعي إلى ثلاثة أضعاف. هذا تطور في منتهي الخطورة، لأن توليد الكهرباء لا يستهلك مياها، في حين أن الزراعة والتوسع فيها سواء لإثيوبيا أو للبلدان التي تستصلح وتزرع في إثيوبيا، سيكون ذلك على حساب حصة مصر بصورة أساسية. أي دولة خارجية تزرع في إثيوبيا، فكأنها تستورد المياه من إثيوبيا، التي سوف تستفيد باستثمارات وأموال، ونحن من سيدفع الثمن فقط، وبالتالي فالخطورة الحقيقية، إذا نفذت إثيوبيا أي مشروعات سدود من دون التوافق مع مصر والسودان، ومن دون الوصول إلى اتفاقيات ملزمة وقانونية ودائمة تضمن حقوق الجميع، فإن إثيوبيا تكون عمليا كمن أعلنت الحرب الفعلية لتعطيش وتجويع مصر. ولن تكون المشكلة وقتها مجرد سد النهضة فقط، بكل خطورته وآثاره المدمرة، ولكن خطورة السدود الأخرى أنها سوف تحتجز الكمية الكبرى من المياه من أجل الزراعة التي تستهلك الجزء الأكبر من حصة أي دولة، مقارنة مثلا بالاستخدامات الأخرى مثل مياه الشرب. ما يفعله أبي أحمد في الأيام الأخيرة أقرب ما يكون إلى المقامرة والاندفاع بأقصى درجة للمجهول، بصورة أقرب للانتحار. هو يراهن إما على تحقيق كل ما حلم به الإثيوبيون من تعطيش مصر، أو الدخول في مواجهة مفتوحة معها من أجل توحيد عرقياته وطوائفه ومناطقه وأقاليمه المنقسمة والمتحاربة والهشة.

لا يزال لغزاً

الحقيقة الماثلة أمامنا وحولنا تؤكد كما أشار محمد بركات في “الأخبار” للأسف، وبدون لبس إلى أن الفيروس المنفلت كورونا المستجد أو «المتحور» كوفيد 19، لا يزال لغزا غامضا بالنسبة للعلماء والباحثين في علوم الفيروسات، ومقاومة الآوبئة حتى الآن. ومازال الفيروس حتى الآن مستعصيا على الخضوع للمحاولات المكثفة لهؤلاء العلماء، للسيطرة عليه أو الحد من أخطاره، كما لا يزال يمثل تحديا لهم، نظرا لسرعته الفائقة في الانتشار والتحور والتجدد بشكل متكرر ومستمر. ولغز هذا الفيروس المنفلت ما زال قائما منذ لحظة ميلاده وظهوره على السطح في نهاية العام قبل الماضي 2019 وحتى الآن، ورغم مرور عام ونصف العام على ذلك لم يستطع العلماء الوصول إلى حقيقة منشئه. وما زالت المعلومات الخاصة بهذه النشأة غائبة ومجهولة، في ظل تخمينات وتقولات متعددة، حول ما اذا كان فيروسا بدائيا طبيعيا؟ أم انه «مخلق»؟ بمعنى انه تم تخليقه في أحد معامل الأبحاث في ووهان الصينية أو غيرها. المثير للانتباه أن الأمر الآن لم يعد مقصورا على اهتمام العلماء والباحثين فقط، بل انتقل إلى أجهزة المخابرات العالمية، وكذلك رجال السياسة، حيث أصبحت قيادات وزعامات العالم والدول الكبرى بالذات، تبحث في هذا الأمر وتفتش عن إجابة صحيحة للأسئلة الكثيرة المحيطة بالفيروس المنفلت. آخر هذه الحلقات ما أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية عن الرئيس الأمريكي بايدن أنه أصدر توجيها للمخابرات المركزية للبحث عن الحقائق المتصلة بهذا الشأن، وتقديم إجابات واضحة عن حقيقة نشأة الفيروس الخطير.

في الحضيض

جائزة نوبل أصبحت سمعتها في الحضيض، ويقدم محمد أمين في “المصري اليوم” ثلاثة نماذج لكونها ضلت الطريق حتى الآن. الأول أبي أحمد، ولست في حاجة إلى التأكيد أنه مارس جرائم حرب ضد شعب التيغراي. الثانية أون سانسو شي رئيسة وزراء ميانمار، التى أطاح بها انقلاب عسكري من السلطة في فبراير/شباط 2021، وهي الآن تحت الإقامة الجبرية.. بعد أن بررت موقف ميانمار من مسلمي الروهينجا، وهناك مطالبات من بلادها بسحب جائزة نوبل منها.. حتى وصل العدد الذي وقّع على عريضة سحب الجائزة منها أكثر من 350 ألف مواطن من شعبها وحده.. كما أن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الإسيسكو» عام 2017 دعت لجنة جائزة نوبل لسحب الجائزة منها، لتأييد رئيسة الوزراء مذابح الروهينجا. أما النموذج الثالث الذي يسوقه الكاتب كدليل على جنوح “نوبل” عن مسارها، فيتمثل في توكل كرمان، وتساءل الكاتب: لا ندري ما هي مبررات نوبل لمنحها الجائزة، بينما بلدها يعاني ويلات الحرب الأهلية، وتعيش حضرتها في تركيا، وحصلت على الجنسية التركية وتركت الوطن الذي منحوها نوبل بسببه.. وليس لها تاريخ في تحقيق السلام في اليمن. ولكل هذا نسأل كيف حصلوا على نوبل؟ الواضح أن نوبل تذهب إلى من يكدر السلام ويسعى إلى عدم الاستقرار في بلاده، وهي مأساة تعكس انحراف الجائزة عن مسارها الصحيح.. وكانت هذه النماذج جديرة بحجب الجائزة عنها إن لم يكن هناك من يستحقها فعلاً من زعماء العالم، فالمؤكد أن الجائزة «عيّلت»، وأن المجتمع الدولي يتصاغر وينحرف عن مقاصده إلى مقاصد غير مبررة، ولكن النموذج الصارخ الآن في المنطقة هو نموذج رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد.. فهو يمارس سياسات تدعو لعدم استقرار المنطقة، فضلاً عن جرائم الحرب التي مارسها ضد شعب التيغراي.. وهو ما يجعل الجائزة لعبة في يد منظمات دولية لا تستجيب لتطلعات الشعوب.

بيلف ويدور

الحقيقة التي بات المستشار مصطفى الطويل مقتنعاً بها في “الوفد”، أن المفاوض الإسرائيلي من أصعب المفاوضين في العالم، فحين يتفاوضون في أمر من الأمور، ثم يتفقون على شيء معين، يعودون مرة أخرى يجادلون في ما اتفقوا عليه، وكأن شيئاً لما يكن، المفاوض الإسرائيلي يدور ويلف دون كلل أو ملل، ولا يصل إلى اتفاق أو رأي. أتذكر أن الرئيس السادات رحمة الله عليه، حينما سافر إلى منتجع كامب ديفيد للتفاوض على السلام مع رئيس وزراء إسرائيل بيغن، والرئيس الأمريكي كارتر، ظل الثلاثة مجتمعين لمدة شهر تقريبا، وحدثت عدة خلافات وأصر الرئيس السادات على الانسحاب، لولا تدخل الرئيس الأمريكي الذي كان لوجوده أثر كبير في إنجاح مفاوضات السلام. إسرائيل ليست بالمفاوض السهل وستظل تلف وتدور حتى ترهق المفاوض الآخر، رحم الله الرئيس أنور السادات، وكان الله في عون أي مفاوض آخر، فإسرائيل خصم عنيد ومراوغ، وهذا أمر معروف على مر العصور. وإذا أضفنا لذلك أن الفلسطينيين أيضا لم يتمكنوا حتى الآن من توحيد صفوفهم وتكوين جبهة واحدة يتم التفاوض من خلالها مع إسرائيل من أجل إيجاد حل للقضية الفلسطينية، فهذا الموقف حسبما تشترط إسرائيل من شأنه عرقلة أي مفاوضات سواء حاليا أو مستقبلا.وعلى أي حال أرجو من الله أن يكلل جهود الرئيس السيسي بكل خير، وأن تنتهي المفاوضات التي يجريها الجانب المصري إلى حل للقضية الفلسطينية يرضى جميع أطراف النزاع.

جانب مظلم

هناك جنس من بني البشر، دأبوا كما قال محمود عبد الراضي في “اليوم السابع”على الخروج عن المألوف، واستخدام الأشياء في غير محلها، وتضليل الناس، ربما لتحقيق أهداف شخصية أو لمرض في النفوس والقلوب. مؤخرا، استغل البعض العالم الافتراضي الواسع “الإنترنت” في الاستخدام السيئ من خلال نشر الشائعات، وتصدير المفاهيم المغلوطة، وضخ كميات كبيرة من الفيديوهات التي تحمل كذبا وبهتانا، في ظل حرص البعض على مشاهدة الفيديوهات، ورغبة القائمين على نشرها لتحقيق أعلى نسب مشاهدة للاستفادة المادية، بغض النظر عن المادة التي يتم بثها ونشرها وتوصيلها للناس، إذا كانت صحيحة أو خاطئة، فالأهم لديهم هو تحقيق المادة. وهناك بعض الأشخاص الذين يبادرون بنشر “بوستات” نقلًا من صفحات أخرى، في ظل سياسة الـ”كوبي ـ بست” بدون تدقيق للمعلومات التي تحتويها هذه “البوستات” فينشرون الكذب بين الناس، ويروجون الشائعات، التي ربما تتسبب في تسلل القلق والخوف لقلوب الناس، أو الإضرار بمؤسسات البلاد. إذا كنت من متابعي منصات مواقع التواصل الاجتماعي، ستجدها تموج بالأخبار الكاذبة والشائعات المتناثرة، حيث تتنوع الشائعات، مثل “اختفاء الفتيات، وتعرض سيدات للخطف، وعدم تنفيذ الأحكام ..” وغيرها من الأخبار الكاذبة، اذا فتشت عن مصدرها تجدها نبتا شيطانيا لا أصل لها، وأنك تساهم في نقلها بدون دراية. الأمثلة كثيرة وعديدة لو كلفنا القلم بسردها لتعب وملّ وما استطاع من كثرتها، للأسف بعضها يتناول أمورا خطيرة، لا يلقي القائمين على نشرها بالًا لخطورتها، ولا تتوقف عند حد صفحاتهم وإنما تنتشر على الصفحات والجروبات مثل انتشار النيران في الهشيم.. وزارة الداخلية تبذل جهودا ضخمة في هذا الصدد، من خلال مركزها الإعلامي، حيث تبادر لتصحيح المفاهيم الخاطئة، وفحص الفيديوهات المتداولة المغلوطة وسرعة الرد عليها، بما يساهم في دحض الشائعات ووقف تناثرها، وقطع ألسنة الكذب، من خلال مجهود متواصل على مدار الـ 24 ساعة يستحق التقدير والاحترام.

الحياد مفقود

اكد سليمان جودة في “المصري اليوم” أننا لسنا أقل من أن ننشئ فضائية إخبارية في مستوى قناة «روسيا اليوم»، أو «فرنسا 24»، أو «الجزيرة»، أو غيرها من القنوات الإخبارية الكبيرة التي تقدم خدمة إعلامية جيدة لمشاهديها.. وقد أذهب لخطوة أبعد فأقول إننا قادرون على أن نمتلك فضائية أقوى من هذه القنوات الثلاث.. ولمن لا يعرف، ففي داخل ماسبيرو استديو أخبار لم يكن موجودا في الجزيرة نفسها، وقت تأسيسه قبل سنوات.. ولا شيء مطلوب في أداء إخباريتنا الفضائية المرتقبة سوى أن يكون أداءً حياديا في تناول المادة الخبرية، بما يمنحها مصداقية ترتبط بها وتستند إليها. وربما نذكر الآن، ونحن نتداول أنباء القناه الجديدة، أن جمهورنا كان يفتقد إخبارية تتعامل مع الجمهور باحترافية ومهنية، ثم باحترام عقل المشاهد، الذي يتجول بين القنوات من خلال ريموت كنترول في يده. ولا بد أن الذين طالعوا نبأ التوجه إلى تأسيس فضائية إخبارية تظهر في الربع الأول من العام المقبل، أحسوا بنوع من التفاؤل، لأن قرب المسافة الزمنية من هنا إلى هناك يجعلنا نكاد نراها.. ففي مقدور العقل المصري الذي قاد العالم العربي عبر موجات صوت العرب أن يعود، وأن يقود، وأن ينافس في سوق القنوات. ولا يزال العالم العربي يتطلع إلى القاهرة وينتظر منها ما لا ينتظره من أي عاصمة عربية، ولا يزال رصيد القاهرة في وجدان كل عربى يعطيها مساحة من القدرة على التأثير لا تتوافر لغيرها من العواصم حولها.. فعندها ما تقوله إذا شاءت، ولديها ما تقدمه إذا أرادت، وفي ماضيها ما تتحرك على أساسه وهي مطمئنة إذا قررت. وقد جاء الإعلان عن القناة الجديدة متزامنا مع تشكيل جديد في مجلس إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهو تشكيل يضع رجلا من أهل الاقتصاد على رأس الشركة هو حسن عبدالله..

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول علي:

    قائد الانقلاب العسكري الدموي قدم السد إلى الحبشة على طبق من ذهب بناء على نصيحةصديقه الحميم النتن. وصف الحميم وفقا للسفيرة الصهيونيةأميرةأورون في القاهرة! لذا لن تكون هناك حرب، ولن يكون هناك نيل. العسكري حريص على الكرسي ولتذهب مصر إلى ال…..

إشترك في قائمتنا البريدية