الهدنة اليمنية والدور الإيراني

صادق الطائي
حجم الخط
0

دخلت الهدنة اليمنية حيز التنفيذ يوم السبت الثاني من شهر نيسان/ابريل 2022 بعد جهود مضنية وعدة جولات من المفاوضات بين أطراف النزاع، وموافقة المملكة العربية السعودية التي تقود تحالفا يقاتل حركة أنصار الله الحوثية المسيطرة على شمال اليمن والمتمركزة في العاصمة صنعاء.
في هذه الأثناء ترعى السعودية جولة مفاوضات يمنية جديدة في الرياض، إذ أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يوم الخميس 7 نيسان/ابريل الجاري تسليم سلطاته لمجلس رئاسي تشكل في أعقاب اختتام مشاورات الرياض، التي شاركت فيها قوى يمنية محسوبة على المحور الخليجي. ويأتي تخلي عبد ربه منصور هادي عن مسؤولية الرئاسة في أعقاب إعلان اختتام مشاورات الرياض، في غياب الحوثيين الذين يرفضون الانخراط في أي حوار إلى جانب السعودية.
ويتكون المجلس الرئاسي من ثمانية أعضاء، يرأسه الوزير السابق ومستشار الرئيس اليمني رشاد العليمي، وبالإضافة لصلاحيات الرئيس، سيتولى المجلس أيضا صلاحيات نائب الرئيس علي محسن الأحمر، الذي أعفاه الرئيس هادي من منصبه. وهناك توقعات بامكانية عقد جولة مفاوضات في محاولة لجعل الهدنة الحالية مشروع وقف دائم لإطلاق النار في اليمن عبر حل مشكلة الصراع حلا سياسيا، لكن حتى الآن يرفض الحوثيون الذهاب إلى الرياض لحضور المفاوضات، وربما تطرح دول بديلة مثل الأردن أو سلطنة عمان كمكان لجولة المفاوضات المقبلة.
عدة خيوط التفت حول مغزل صناعة القرار في الأزمة اليمنية، وعدد من اللاعبين أمسكوا بأوراق اللعبة، لكن يبقى اللاعبان الأبرز إقليميا هما السعوديون والإيرانيون، حتى بات المجتمع الدولي يتعاطى مع الأزمة اليمنية على أنها حرب بالإنابة يخوضها السعوديون وبدرجة أقل الإماراتيون ضد الإيرانيين الداعمين لحركة أنصار الله الحوثية عبر إمدادها بالأسلحة والصواريخ البالستية والطائرات المسيرة التي مثلت عنصر التهديد الأبرز لصناعة النفط في السعودية، وللملاحة البحرية في الخليج العربي وخليج عمان.
إيران دعمت حركة أنصار الله الحوثية بشكل علني حتى عندما وضعت إدارة ترامب الحركة على قوائم الإرهاب العالمية، وبدا أن الأمور بدأت تسير في مسار انفراج عندما رفعت إدارة بايدن الحركة من قوائم الإرهاب، بالرغم من الضغوط التي تعرضت لها من السعودية والإمارات وإسرائيل. ومع الضربة الأخيرة التي وجهها الحوثيون يوم 25 آذار/مارس 2022 لمنشآت شركة أرامكو في جدة ومنشآت حيوية في العاصمة السعودية الرياض برشقة من الصواريخ والطائرات المسيرة، دعمت إيران موقف الحوثيين بأن أضاءت برج آزادي في العاصمة الإيرانية طهران، مساء نفس اليوم، بالعلم اليمني في ذكرى مرور 7 أعوام على بدء الحرب، كما جرى وضع مجموعة من صور قادة حركة أنصار الله الحوثية على البرج بينها صورتا عبد الملك الحوثي، وحسين بدر الدين الحوثي.
وبالرغم من أن الإعلام السعودي الرسمي أعلن عن تصدي منظومات الحماية السعودية للضربة الحوثية وإفشالها، إلا أنه ربط الأمر بالأزمة العالمية التي تشهدها أسواق البترول. إذ قالت وزارة الطاقة السعودية عقب الحادث، إنها لن تتحمل مسؤولية أي خلل يحدث لإمدادات الأسواق العالمية من النفط بسبب هجمات الحوثي التي اشتدت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، كما أشارت مصادر مطلعة إلى طلب الرئيس بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، من دول مجلس التعاون الخليجي زيادة إنتاج البترول لمواجهة أزمة شحة البترول الروسي في السوق العالمي في خطوة لخفض أسعار النفط العالمية. لكن الرياض أجابت بوضوح أن ارتفاع أسعار النفط لا تعود إلى نقص في السوق بل إلى الاعتداءات الحوثية على أرامكو، والاختلال في إمداد النفط في السوق، بعبارة أخرى، يجب حل أزمة الحرب اليمنية أولا.
إيران من جانبها رحبت رسميا بوقف العمليات العسكرية في اليمن، ويبدو أنها مارست دورا ضاغطا على الحوثيين للالتزام بالهدنة، إذ رحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بمبادرة مبعوث الأمم المتحدة السويدي هانز غروندنبيرغ بتعليق العمليات العسكرية لشهرين والسماح بدخول السفن الحاملة للغذاء والوقود وإعادة فتح جزئي لمطار صنعاء. وأعرب سعيد خطيب زاده عن أمله في أن تكون هذه الخطوة مقدمة لرفع كامل للحصار عن اليمن، ولوقف دائم لإطلاق النار، من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية. وأكد قائلا: «على أعتاب شهر رمضان المبارك، نتمنى أن نشهد تحسنا في الأوضاع الإنسانية، وتبادلا كاملا للأسرى والمعتقلين بين أطراف الصراع في هذا البلد، وذلك عبر إعطاء الأولوية للقضايا الإنسانية واستمرار وقف إطلاق النار، لتشكل هذه الخطوة أرضية لبدء مبادرة سياسية في سبيل حل الأزمة».
من جهة أخرى تحاول إدارة بايدن أن تنجز ملف الاتفاق النووي الإيراني الذي شهد تقدما ملموسا في الأسابيع الأخيرة من جولات التفاوض في فيينا، إلا أن المفاوضات ما تزال تعاني من بعض المطبات. وفي مكالمة هاتفية جرت يوم 4 نيسان/ابريل الجاري بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره العماني بدر بن حمد البوسعيدي الذي تقدم بالشكر لطهران على دورها في وقف إطلاق النار في اليمن، ناقش الوزيران تطور الوضع في مفاوضات فيينا، وانتقد عبد اللهيان فرض إجراءات حظر أمريكي جديدة على بعض الأفراد والشركات الإيرانية، وقال إن إيران «على استعداد للوصول إلى اتفاق جيد ومستديم، إلا أن الجانب الأمريكي مسؤول بشكل مباشر عن إطالة المفاوضات لغاية الآن بطرحه بعض المطالب الإضافية».
«المطالب الإضافية» التي أشار لها عبد اللهيان في مكالمته الهاتفية، هي إصرار واشنطن وحلفائها على تحجيم التدخلات الإيرانية الإقليمية، عبر وضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب، ومحاولة إدخال الترسانة الصاروخية الإيرانية ضمن الاتفاق الجديد لتكون تحت الرقابة الدولية، بينما تصر حكومة رئيسي على تمسكها ببنود الاتفاق النووي القديم الخالي من هذه الشروط، بالإضافة لرفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب. لكن يبدو أن هناك ملفات وسطية يمكن حلها تباعا، وأهمها ملف الأزمة اليمنية القائم في جزء رئيسي على تهديدات دعم الحرس الثوري الإيراني للحركة الحوثية التي تشكل بدورها تهديدا لسوق الطاقة العالمية نتيجة ضرباتها المتكررة للمنشآت النفطية السعودية.
وقد أشارت وسائل إعلام إلى تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران روب مالي، والمسؤول المختص في البيت الأبيض بريت ماكغورك حول مفاوضات الاتفاق النووي والتلكؤ الأخير الذي أصابها، إذ أعطت التصريحات الرسمية الأمريكية إشارة واضحة مفادها أن العقدة الأصعب تتمثل في مطالبة طهران رفع الحرس الثوري من لائحة الإرهاب، واعتبرت ذلك بمثابة خط أحمر. وهذا طلب يلاقي تعنتا من الكونغرس الأمريكي الذي كان قد شطبه نهائيا كبند يمكن التفاوض عليه.
يمكننا قراءة الوضع الحالي على أنه نوع من الربط بين حل أزمة الحرب في اليمن بضمانات إيرانية ضاغطة على حكومة الحوثيين في صنعاء، مقابل مسعى إدارة بايدن قبل أشهر من الانتخابات النصفية للضغط على الكونغرس الأمريكي لرفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب وتعليق العقوبات المفروضة على شركات وشخصيات مرتبطة به، وهذا الأمر سوف يسهل إخراج مفاوضات فيينا من مأزقها، وبالتالي السماح بدخول إيران بقوة إلى سوق الطاقة العالمي الذي حرمتها منه عقوبات إدارة ترامب منذ أربع سنوات، وبالتالي سيمثل هذا الدخول موازنة لشحة البترول والغاز الروسي في أسواق الغرب.
الهدنة اليمنية بشكلها المطروح حاليا لا تختلف كثيرا عن مبادرات سابقة فشلت نتيجة خرق أطراف النزاع لها، لكن هذه المرة يعول اللاعبون الأساسيون على دور (إيراني- سعودي) في إنهاء هذه الحرب المنهكة بعد سبع سنوات من الخسائر البشرية والمادية الهائلة. والسؤال الذي يطرح بقوة هذه الأيام هو: هل ستصمد الهدنة الأخيرة وتمثل بداية لمساومة معقدة ومهددة بالانتكاس، خصوصا مع إنطلاق الاتهامات بين أطراف النزاع بخرق الهدنة بعد أربعة أيام فقط من بدايتها؟ والإجابة هذه المرة تأتي من الرئيس بايدن الذي رحب بالهدنة اليمنية ودعا إلى تفعيلها كخطوة على طريق طي الحرب، وربما مثلت خطوة أولى في حل عقدة الاتفاق النووي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية