الهروب من الموت إلى الموت

حجم الخط
0

مع دخول الحرب شهرها الثاني، واصل الفلسطينيون الغزيون النزوح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، وعودة عكسية محفوفة بالمخاطر جاءت بعد الهدنة الإنسانية المستمرة حتى كتابة هذه المقالة، وقد تعرض سكان غزة إلى القتل المتعمد وتهديم بيوتهم بعد القصف الجوي الذي استمر ما يقارب 50 يوما.

أحزمة نارية

وقد عمل الاحتلال أحزمة نارية في شمال ووسط القطاع، وأدى ذلك لتقسيم القطاع إلى مربعات أمنية بعد تطويق شماله وغربه.
إضافة لذلك سار الآلاف من سكان غزة جنوبا عبر شارع صلاح الدين “طريق الموت” والذي يقسم القطاع إلى نصفين سيرا أو على عربات تجرها الدواب.
وظهر بعضهم في مقاطع فيديو منتشرة، رافعين أيديهم أو ملوحين بأعلام بيضاء في رحلة نزوح شاقة، هربا من الأوضاع الإنسانية الصعبة شمال القطاع الذي شهد اقتتالا متصاعداً هدد أمنهم وسلامتهم.
يحاول الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء عدوانه على قطاع غزة أن يفرض تهجيرا قسريا واسعا لسكان المنطقة الشمالية إلى جنوبي وادي غزة.
نادرا ما يحظى موضوع التهجير القسري للفلسطينيين، على الرغم من أهميته، بالاستجابة الملائمة من أسرة ما يسمى بالمجتمع الدولي.
في الوقت الذي يناقش فيه العديد من الأفراد والمؤسسات العوامل التي تقف وراء إنفاذ سياسات التهجير القسري للسكان.
المجتمع الدولي يفتقر إلى تحليل شامل ومتكامل يتناول منظومة التهجير القسري التي ما زالت إسرائيل تبحث في طرق تنفيذه وتضع خططها وسيناريوهات متعددة.

تغيير التركيبة الديمغرافية

يبقى الترحيل للفلسطينيين في جوهره عملا منهجيا وقسريا ومتعمدا يهدف إلى نقلهم إلى مناطق معينة، والهدف هو تغيير التركيبة الديمغرافية، تؤكد فيها تلك الأيديولوجيا والسياسة على هيمنة جماعة معينة على جماعة أخرى.
ويمكن تعريف التهجير القسري أنه إبعاد الأشخاص عن أراضيهم بشكل دائم أو مؤقت على غير إرادتهم دون توفير الحماية القانونية أو غيرها من الوسائل الأخرى لهم، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب والإبادة الجماعية، وفق ما ورد في نظام روما الإنساني للمحكمة الجنائية الدولية.
من جانب آخر نشهد قوة الصبر والتحمل للمواطن الفلسطيني إيمانا منه بحقه في أرضه، وهو يتنقل من الشمال إلى الجنوب حاملاً روحه على كفتيه في ظل وجود خطر محدق به، وهو مصر على الثبات على أرضه، فهذه رسائل يبعثها الغزيون لنتنياهو وحكومته المتطرفة، الهروب من الموت إلى الموت لا يقلل من عزيمتهم، لسان حالهم نحن باقون، ولن تتكرر تجربة النكبة، ولن تكون هنالك نكبة أخرى.
لقد عبر أهالي قطاع غزة عن رفضهم للنزوح والرحيل من محافظة الشمال، ورفعوا شعارات كتبوا عليها “لن يرحل شعبنا عن قطاع غزة، ولن ينزح شعبنا مرة أخرى، وباقون في غزة ولن نرحل وسنعود إلى أراضينا المحتلة عام 1948م ، ولا يثنيهم قصف المدافع والطائرات.

استراتيجية تعتيم متكاملة

ينبغي الإشارة إلى الممارسات والإجراءات الصهيونية، وهي عبارة عن صورة كاملة لاستراتيجية إسرائيلية خبيثة بدت مفاعليها واضحة على الأرض، وهي استراتيجية تعتيم متكاملة الأركان، تحت بند التهجير الذي أصبح اليوم معلنا أكثر من أي وقت مضى، وهو مستمد هذه القوة في تنفيذ مخططاته من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب برمته.
فثمة مفارقة بين زعيم وآخر في الكيان مما يذكرنا بما قاله أرئيل شارون بعد انسحابه من غزة عام 2005 والمتعارف عليها خطة فك الارتباط الأحادية الإسرائيلية، الانتصار هو الانسحاب من غزة.
لقد كان شارون محارباً لامعاً اضطلع بدور قيادي في “حرب الأيام الستة” ويعتبر مسؤولاً أكثر من أي شخص آخر عن تغيير مجرى حرب 1973. بعد ذلك، ساهم شارون في تشكيل “حزب الليكود” حين اختار خوض غمار السياسة فمن خلال حزبه فرض كثيرا من الأجندة التي تتعارض مع حل الدولتين، وأبرزها كما ذكرت آنفا الانسحاب الأحادي من المستوطنات القريبة من القطاع.
إذن لا مقارنة بين نتنياهو وسلفه، حول غزة، الأخير يصر على السيطرة على شمال القطاع كعمق أمني للخاصرة الرخوة حول غلاف غزة، وفي الوقت نفسه يدرك رئيس حكومة الاحتلال جحيم غزة ومرارة المكوث فيها وقتا طويلا من الزمن.
وقد جرب ذلك في توغل جيشه البري، ومع هذا يصر على المناورات البرية، التي يقنع بها نفسه “حتما سوف تحرر المخطوفين وتفكك قواعد حماس العسكرية”.

المناورات البرية

أبلغ رسالة في هذا المستوى تلك التي لا يحتاج المرء إلى أي عناء لإثبات أن إسرائيل هي دولة احتلال بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فصور ومقاطع تهجير الفلسطينيين من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، أعادت للأذهان صور النكبة وتهجير الفلسطينيين من أرضهم 1948، ما زالت في العقلية الإسرائيلية سياسة التهجير.
تصريحات لوزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريش، أيّد فيها «خطة هجرة طوعية للاجئي غزة»، زاعماً أن ذلك “هو الحل الإنساني الصحيح لسكان غزة والمنطقة بأكملها بعد 75 عاماً من اللجوء والفقر والمخاطر” لكن رغم ذلك الهروب من الموت إلى الموت أفضل من الرحيل.
يبقى السؤال المطروح متى يكتشف الغرب أنه ظل يدعم كيانا ظلامياً أمعن القتل والدمار بحق الشعب الفلسطيني، ومجازره في غزة شاهدة على ذلك؟

كاتب من فلسطين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية