إحدى قاطنات الدار البيضاء من الثريات، ويظهر من أسلوبها أنها متعلمة، أثارت غيظ الشبكات الاجتماعية لما طرحت دون حياء ولا ذرة من آدمية أو عقل أن تُغلق الأحياء الفقيرة على أهلها حتى شهر سبتمبر- أيلول القادم. ألحت أن تُغلق الأحياء تماما حتى لا يتحرك أحد هؤلاء الفقراء لينشر الفيروس القاتل بين علية القوم. أردفت السيدة بكل صفاقة وهي واعية بلاوعيها، إذا استطعنا القول، « فليبقوا داخل أحيائهم ولنبق نحن على تواصل عادي بيننا» في الأحياء الغنية. لم تخجل أن تذكر حيا وهو الحي الأكثر ثراء بالمغرب. هذه العنصرية الاجتماعية الخالصة هي التي تؤدي ببعض الناس إلى لا عقلانية لا علاقة لها لا بالعلم ولا بالواقع. وفعلا إن الواقع بعيد من هذا الهراء الحاقد. فكورونا تظهر وكأنها الوباء الأكثر ديمقراطية الذي عرفته البشرية إذ هي لا تنطلق، ولم تنطلق أبدا، من الأحياء الفقيرة لمهاجمة الأحياء الثرية وكأنها كتيبة من الجيش الأحمر كما تعتقد البورجوازية المُستشهَد بها. فعدة رؤساء حكومات وأعضاء من النخب الدولية وكبار أغنياء أُصيبوا بكورونا وهم في الغالب لا يلتقون الكثير من الفقراء المعدمين. والعجيب بل والمخيف أن هذه السيدة واثقة جدا من نفسها ويبدو أن لها علاقة ببعض أصحاب القرار، فها هي تختتم اقتراحها بأنها ستقدمه لمن يهمه الأمر.
طبعا الأفكاراللاعقلانية والناتجة عن الهلع المرضي لا تقتصر على فئة دون أخرى. فبعض ردود الفعل الصادرة عن الفئات الشعبية، وإن كانت لا تمثل إلا أقلية، خرافية تماما. لكن هناك أيضا تفسيرات لا عقلانية دفع بها بعض المثقفين المعروفين. هاهو أحدهم، وهو صديق فليعذرني، يكتب مقالا يحاول فيه أن يفسر انتشار وباء كورونا في العالم بمؤامرة من دولة عظمى تريد السيطرة على الكوكب بأكمله. كما منهم من فسر الجائحة بصراع جماعات المافيا الإيطالية فيما بينها. أما بعض الفقهاء الربانيين فقد قال إنها تجسد انتقام الله من المسلمين الذين لا يتبعون دينهم…ناسين أن أغلب الضحايا لحد الآن من غير المسلمين.
الأفكار اللاعقلانية والناتجة عن الهلع المرضي لا تقتصر على فئة دون أخرى. فبعض ردود الفعل الصادرة عن الفئات الشعبية، وإن كانت لا تمثل إلا أقلية، خرافية تماما. لكن هناك أيضا تفسيرات لا عقلانية دفع بها بعض المثقفين المعروفين
الغريب أن تاريخ المغرب زاخر بالمقاربات العقلانية للجوائح والمجاعات التي عرفت البلاد العشرات منها خلال الألفية الأخيرة والتي شملت أحيانا أغلب التراب الوطني الحالي. فهاهو علي ابن هيدور من القرن الرابع عشر الميلادي (وهو عصر تنوير ملحوظ رغم أنه يمثل بداية الركود الحضاري والسياسي للمنطقة المغاربية، ولنتذكر أن ابن خلدون عاش بهذا القرن)، أقول يكتب رسالة وسمها بعنوان يبدو وكأنه من عصرنا : «ماهية الأمراض الوبائية».
يقول ابن هيدور، ونحن هنا نستشهد به بين هلالين، إن الأطباء يعتقدون أن الوباء يجد أصله في فساد الهواء الذي ينتج بدوره عن»الأبخرة المتعفنة الصاعدة من الأرض.. (إذ) ترتفع أبخرة فاسدة متعفنة من السباخ والبطائح المتغيرة.. والتربة الراكدة بالهواء وأقذار الناس وفضلاتهم والقتلى في الملاحم.» وكل هذا «يحدث عنه الوباء».
يعطي ابن هيدور أسبابا أخرى مرتبطة بالجفاف وقلة الغذاء التي تدفع الناس إلى عدم الاحتياط مما يسبب الوباء: «فساد الأغذية المستعملة في زمن المجاعات وغلاء الأسعار يضطر الإنسان إلى تناول غذاء غير مألوف قد فسد وتعفن لطول زمانه فينفسد المزاج من هذه الأغذية وتحدث الأمراض القاتلة». أكثر من ذلك يحاول ابن هيدور أن يعطينا قاعدة علمية للوباء، ستة قرون قبل المؤرخ الفرنسي المعاصر فيرنان بروديل كما يشير إلى ذلك الأستاذ محمد البزاز. يشرح ابن هيدور أن الجفاف أو الحرب تسبب الغلاء والغلاء يسبب المجاعة وهذه تسبب الوباء. ويختم برهنته بالتالي: «وهذا علم صحيح وقانون مطرد لا يُحتاج فيه إلى تعليل ولا إلى نظر في النجوم». ويشير ساخرا بالنظر في النجوم إلى ربط بعض أطباء عصره الأوبئة بالأوضاع الفلكية.
أما في ما يخص الوقاية فإن ابن هيدور يباغتنا بنصائح قريبة من نصائح الأطباء الأوروبيين في بداية القرن العشرين ومنها ما يصلح للوقت الحاضر وبالضبط للوقاية من الفيروسات الوبائية. يقول عالمنا إن على الإنسان للوقاية من الوباء أن « يدبر الهواء الذي يتنفس به إذ لا يمكنه تبديله ولا مندوحة عنه لسواه (لاحظوا الديداتيك الطبي) إذ هو مادة حياته…فيجب عليه إذ ذاك إصلاح جواهر الهواء…من اتخاذ االبيوت العالية ورشها بالرياحين…وبماء الورد الممزوج بالخل (الخل يحتوي على الكحول كما نعلم) والتطيب به ومسح الوجه والأطراف والمواظبة» على ذلك.
كاتب مغربي
قرأت مقالا انتقد تدوينة فايسبوكية للسيدة المشار إليها في بداية المقال. هذه السيادة ليست متعلمة بل جاهلة و ناقصة تربية و أخلاق ، نجد من يشبهها في السلوك في جميع المجتمعات. جيد أن نذكر بالعالم ابن هيدور و بحوثه في الطب و مواجهة الأوبئة؛ لكن كم من الدجالين الذين كانوا يقرنون تفشي الأوبئة بالغضب الإلهي و …. يقول الكاتب أن ابن هيدور عاش في عصر ابن خلدون و هو نفس عصر صديقه لسان الدين الخطيب الذي رماه “علماء” فاس بالزندقة وحكموا بموته حرقا. القصد من تعليقي هو أنه إذا كانت بعض الأفكار الخرافية رائجة إلى اليوم حول الأوبئة فإنها كانت أكثر رواجا في الماضي.
اقول لهده السيدة ان لم يعجبك ذلك الحي وهاذه الارض ما عليك الا بتركها وهجرها الى الخارج.ونعلم علم اليقين انه لو كانت الظروف مواتية غير اللتي هي عليه الان اي الجائحة لتبجحت باموالك وسلطانك ومعارفك ولقلت ما لم يقله بنوا اسرائيل اذهب انت وربك فقاتلا انا ذاهبون ومغادرون لن نمكث مع هؤلاء البؤساء المرضى.ولكن ما عند الله خير.لا زال هاذا الوباء يكشف لنا المعادن التي يزخر بها المغرب.
التعالي على الناس وخاصة الطبقات الشعبية قد نجده حتى عند أبناء هذه الشريحة ممن حصل تحول في أوضاعهم المالية والاقتصادية والإجتماعية والوظيفية. ..ولكنه يظل نشازا من القاعدة. ..لأن كثيرا من الناجحين الذين يشكلون مرتكز الحياة الفكرية والاقتصادية على مستوى البلاد عموما يفتخرون باصولهم الإجتماعية. ..الشعبية ..التي أنجبت على مر التاريخ الأنبياء والعباقرة والسياسيين والقادة الأفذاذ. ..؛ وأما سلوك المرأة المذكورة فهو شيء مألوف ومعتاد من شريحة بنت ثرواتها على سرقة المال العام ..أو الاتجار في الممنوعات…أو الولاء المتوارث للاستعمار …جنسية وثقافة وسلوكا وعاطفة. ..ولاقيمة لها في ميزان القيم الإنسانية والدينية التي نؤمن بها كمغاربة.
ما قالته السيدة، أن كانت قد قالت فعلا، هو تصرف مشين ومدان . لكن الإدانة تنصرف كذلك إلى من يلبس ثوب البسطاء والمحتاجين من الناس كي يتحدث عن الفقر والفاقة، وهو صاحب مال ومدير شركة تجارية.
تنصرف الإدانة كذلك، إلى من يختار المناسبة والظرف، كي يتحدث عن ضرورة التضامن والتازر بين الناس، وهو يكسب ويكسب، ويتمنع عن أداء الضرائب المترتبة عما كسب.
ولله في خلقه شؤون.
التعالي والإزدراء الذي عبرت عنه السيدة المذكورة في المقال هو ليس حالة معزولة بل قناعة راسخة لدى شريحة واسعة من الأوليغارشيا من رجال المال والأعمال الذين يستفيدون من الوضع القائم في البلاد, فهم لا يملكون الجرأة والشجاعة للإفصاح عن استعلائهم على الطبقات المهمشة والمحرومة مخافة حملة في وسائل الإعلام أو على شبكات التواصل لتنزع عنهم أوراق التوت, لذلك نسمع بين الحينة والأخرى فلتات لسان صادرة عن هذه الأوليغارشيا إما في حالة غضب وتوثر أو في مجالسهم الخاصة. لكن الإنصاف يحتم علينا التذكير ببعض الأثرياء _رغم قلتهم_ الذين لا يترددون عند عدة محطات عديدة على تقديم الإعانات للمحتاجين والمعوزين في مناسبات عيد الأضحى والدخول المدرسي وآداء واجبات العلاج وعند النكبات.
جهل هذه المتعجرفة مركب وكبير ومن المؤكد أنها حديثة العهد بالثراء و أنها متعودة على المكوث في النوادي والمقاهي من أجل استعراض الحلي و الثياب و المفاتن…
لا أفهم عنوان المقال خاصة أن تدبير الدولة المغربية لمواجهة الوباء تدبير عقلاني بشهادة الجميع في الداخل والخارج والدولة كانت رحيمة بالمواطنين.فهل يريد البعض أن تفشل الدولة في مواجهة الوباء حتى تتاح له فرصة النقد والانتقاد.؟
لعل كاتب المقال يريد أن يطرح مقارنة بين نموذج من سمو تفكير رجال عاشوا في زمن لم تتوفر فيه الوسائل المتاحة لنا اليوم من سهولة الوصول إلى المعلومة ووفرة الإمكانيات التكنولوجية في مقابل بعض النماذج من مجتمعاتنا الحالية ممن يصنفون في خانة الفئة “المحظوظة” وطريقة تفكيرهم البدائية. في الوقت الذي يحاول الجميع البحث عن أجوبة ملحة من قبيل: كم ستستمر هذه المحنة؟ وماهي تداعياتها في المدى القريب والمتوسط على اقتصاد البلد؟ وهل ستكون فرصة لمراجعة اختيارتنا الإستراتيجية فيما بعد…؟ يخرج عليما بعضهم بعدما كان بالأمس يتوجه إلى مستشفيات أوروبية للعلاج وقد أغلقت الأبواب في وجوههم اليوم وضاقت بهم السبل ليعبروا عن مكنوناتهم: “أغلقوا الأحياء الفقيرة على أهلها فلا نريدهم ينقلوا لنا عدوى”. منذ سنتين كشفت المديرية، عن أرقام صادمة، إذ أن 280 ألف مقاولة بالمغرب لا تصرح بفواتيرها، مما يكبد الدولة خسارة فادحة من تحصيل الضرائب وصلت إلى نحو 50 مليار درهم (ما يزيد عن 5 مليار دولار) إذا أضفنا إلى ذلك هروب ما يناهز 3 مليار دولار سنويا من رؤوس الأموال للخارج بطرق غير مشروعة فإن معدن هؤلاء معروف لدى عامة الشعب المغربي منذ عقود.