بيروت – «القدس العربي»: كانت الأستاذة الجامعية زويا عوكي في صدد إعداد رسالة الماجستير حين اختارت الأغنية السياسية موضوعاً لها. لم يكن الإختيار بمنأى عن حياتها، فقد شاركت فيها في مراحل الصبا والشباب. هذا الإختيار تولّد عنه فيلم وثائقي أسمته «أغنيتي الجميلة» حمّلته تاريخاً نقدياً وسردياً للأغنية السياسية بلسان أربابها في لبنان.
ففي هذا الفيلم الممتد إلى 84 دقيقة سمعنا خالد الهبر يعود بنا إلى نشيد «سنزرع في الشيّاح مليون اقحوانة»، وغيرها من الأناشيد والأغنيات التي حملتنا إلى سبعينيات القرن الماضي.
ضيوف «أغنيتي الجميلة» الفنانون زياد الرحباني، ومرسيل خليفة، وأحمد قعبور، وخالد الهبر. إلى جانب حضور مميز ونقدي صريح للكاتب والصحافي عبيدو باشا.
وحضور لافت لنائب الأمين العام السابق للحزب الشيوعي كريم مروة متحدثاً عن دور الحزب في دعم الأغنية السياسية بدءاً من احتفالات العيد الستين لتأسيس الحزب. معترفاً بأن مصر والعراق كانتا سباقتين في اطلاق هذا النوع من الغناء، ومن روّادها الشيخ امام وتوأمه في الشعر الشاعر أحمد فؤاد نجم.
حمل هذا الوثائقي صدقاً في توصيف المرحلة التي سبقت اتفاق الطائف في لبنان. فأحمد قعبور الذي هتف معه أحرار العالم «أناديكم.. أشدّ على اياديكم»، وصف المرحلة الماضية ب»لحظة سياسية حاضرة.. كنا صغاراً وصادقين..».
وأصرّ عبيدو باشا على اعتبار الأغنية السياسية موجودة في لبنان وحده «لأنه هناك اشتباك سياسي… فيما الغناء في أماكن أخرى من الوطن العربي هو عبارة عن نقد سياسي».
توقف الوثائقي ملياً عند الإجتياح الصهيوني للبنان واحتلال بيروت سنة 1982 وأغنية «ولله وطلعناهم برّا..» التي تلت الخروج المذل من بيروت بعد أيام على احتلالها.
وإذا كانت الأغنية السياسية من اختصاص اليسار اللبناني، فإن الأغنيات السياسية لليمين لم تكن أكثر من «أهازيج» بحسب عبيدو باشا. وهو الذي قال «كتبنا الكلام لحركات تحرير كبرى».
وكان جميلاً أحمد قعبور حين قال بأن جمهور المهرجانات الحزبية «كان ينتظر الفنان أكثر من انتظاره للأمين العام».
بهدوء وروية تامة فسّر زياد الرحباني ما كتبه من أغنيات تحت خانة السياسي النقدي والطبقي متوقفاً عند العديد منها بخاصة «بحبك بلا ولا شي»… ليقول تعي نقعد بالفي مش لا حدا هالفي». وغيرها. ووجد حضوراً مهماً للأغنية السياسية في أميركا اللاتينية.
وفي روايته لكيفية إنتاج ملحمة «أحمد الزعتر» قال خالد الهبر ممازحاً «مش معقول تنتج روتانا لخالد الهبر.. اتفقنا مع فتح لشراء كمية من الكاسيت وما تبقى يكون ربحاً لنا».
الكاسيت الأول لمرسيل خليفة ولد في بلدته عمشيت قبل أن يتركها إلى «بيروت الغربية». في عمشيت كان لقاءه الأول مع شعر محمود درويش، ومع «أمي وريتا». بين أمي وريتا ومنتصب القامة امشي محطات ومحطات.. أما «أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها وعاد مستشهداً..» توقف عندها عبيدو باشا ليقول: كنا نقاتل من أجل الحياة وليس من أجل الموت».
«يا عهد الأممية تحية تحية» نشيد من الذكريات العتيقة أو المندثرة، لم يعد له حضور ولا أمل بالحضور أقله في المدى المنظور، لكن أهل الأغنية السياسية في لبنان حسب عبيدو باشا وبعد اتفاق الطائف تركوها «خافوا يبقوا ملعونين». لهذا ربما اختفت الأغنية السياسية أو تراجعت كثيراً، وهو الهدف الذي كانت تبحث عنه زويا عوكي في اعدادها لرسالتها. وهي تمكّنت من تقديم فيلم طويل إنما غير ممل نظراً لجدارتها في تقطيع الشهادات بحيوية.