الوجه الآخر لأمريكا

حجم الخط
7

ما يعرفه العالم أجمع عن الولايات المتحدة الأمريكية أنها من الدول العظمى الرائدة في مجال الحريات والراعية والحاضنة لأهم المؤسسات الحقوقية والمنظمات الأممية في العالم. ويتعايش سكانها فيما بينهم كموزاييك ساحر يحوي كل أصناف البشر من كل الأعراق والديانات، ينعمون بأعلى سقف حريات في المعمورة، يضمن لهم العيش الكريم وفق عقائدهم وتوجهاتهم الأيديولوجية دون أي خوف من الآخر، حرية سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية يغبطهم عليها حتى الأوروبيون.
هكذا يبدو المشهد من الخارج تكريس لأبهى صور الحرية والعدالة والمساواة وحرية الإعلام والاستقلالية وكل ما يحب الإنسان أن يحيا في ظله. وهذه المثالية «الظاهرة» في الصورة عبرت مراحل عديدة من التغيرات حتى وصلت إلى ماهي عليه الآن كما يبدو من بينها: الحرب الأهلية الأمريكية وإعلان لينكولن «قانون تحرير العبيد»1862 الذي لم يكن أكثر من سراب في حينه حيث انتظر الأفارقة حتى سنة 1964 تاريخ إعلان قانون الحقوق المدنية الذي حظر التمييز في الأماكن العامة والعمل، ثم في السنة التي تلتها 1965 صدر قانون حق التصويت ومعه بدأ السود في الاندماج شيئا فشيئا بشكل فاعل في المجتمع الأمريكي.
لكن هل يكفي ما سبق ذكره كي تستحق أمريكا لقب رائدة الحريات في العالم؟ وهل لنا أن نغفل أو نغض الطرف عن جرائمها البشعة في العالم لمجرد أن شعبها يعيش أغلبه في ديمقراطية ورفاهية وحرية؟
أحدث تقرير الكونغرس الأمريكي عن السي.آي.ايه ضجة في العالم لبشاعة ما احتواه من وصف لتعذيب معتقلين بـ «تقنيات الاستجواب المتطورة» كما سموها بعلم ودراية السياسيين آن ذاك بدءا بالرئيس بوش. لقد استعملت وسائل غاية في الوحشية لاستجواب المعتقلين كالإيهام بالغرق والإطعام القسري وعدم السماح لهم بالنوم لعدة أيام متتالية وإدخال المعتقل في صندوق طوله 80سم وعرضه 50 سم وإغلاقه بإحكام، واستعانتهم بـ»أخصائيين نفسييين» يسيرون عملية التعذيب ومراقبتها وعدة أفعال تخدش الإنسانية.
وكأن أمريكا تقوم بهذا لأول مرة وأن شعوبا كالشعوب العربية مثلا تشهد لها بالخير على السلم والأمان الذي عم المنطقة مذ وطأت قدمها العراق عام 2003 فسجن أبو غريب أكبر شاهد في العصر الحديث على توحش وهمجية الإدارة الأمريكية وصور المعتقلين عراة مكبلين والكلاب تقترب منهم كأنها ستنهشهم حاضرة في ذهن كل عراقي وعربي.
صمتها المطبق على جرائم الاحتلال الإسرائيلي ودعمه بأحدث الأسلحة لقتل الفلسطينيين وتدخلها الانتقائي في المنطقة في أثناء ثورات الربيع العربي وبعدها وانعكاسه المباشر على الثورة السورية كمثال مؤلم نشاهده كل يوم. الا يعد هذا جريمة كاملة الأركان؟
لقد ظلت الإدارة الأمريكية تتعهد وتتوعد النظام السوري وتتحدث عن الخطوط الحمر التي لم تثن النظام السوري عن المضي قدما في قتل وتهجير وتهديم سوريا حتى ان مجزرة الكيماوي في الغوطة التي راح ضحيتها المئات من السوريين لم تستدع اوباما المغلوب على أمره ولا إنسانيتهم للتدخل، وكأن الإدارة الأمريكية تتفق ضمنيا مع كل استبداد ودكتاتورية، وإنْ سحقت أمة ما دامت تخدم مصالحها بشكل أو بآخر.
فالإدارة الأمريكية لا تؤمن بحقوق الإنسان والحريات إلا في نطاقها الجغرافي وبخطوط حمر دقيقة ينتبه إليها كل متابع للسياسة الأمريكية سواء سياستها الداخلية أو الخارجية.
فقد شهدت المدن الأمريكية في الآونة الأخيرة مسيرات جابت الشوارع منددة بمقتل الشاب الأمريكي من أصول افريقية مايكل براون وطفت على السطح تصريحات وتنديدات ظننا أنها انقرضت وذهبت بلا رجعة خاصة في ظل حكم اوباما لكن تبين لنا أن «السود» في أمريكا لا يزالون يعانون كل أنواع التمييز العنصري.
فقد ذكرت الناشطة كاثي شنايدر في إحدى الفضائيات منذ أيام أن ممارسة العنف ما تزال موجودة في الولايات المتحدة الأمريكية ولا يزال السود يعانون في أبسط مطالبهم وحقوقهم كالسكن والعمل.
و انعدام المساواة بين الأمريكيين وقتل الأشخاص بعنصرية وإخفاق العدالة في إدانة القاتل ينبئ بذهنية عنصرية متعالية مقيتة يحاول البعض إخفاءها لكنها تظهر رغما عنهم.
وليس خفيا دور الإعلام وتوجيهه للشعب الأمريكي حيث يتم صرف الأمريكيين عن شؤون العالم وعن سياسة بلادهم باحترافية عالية في برامجهم التلفزيونية اليومية التي يقف وراءها أصحاب الأموال والمؤسسات الاقتصادية صاحبت المصالح والنفوذ هنا وهناك.
لو تسأل أي أمريكي من قتل جون كندي لن تجد جوابا يجمع عليه كل الأمريكيين فتصور بلدا بحجم أمريكا يتغنى العالم بشفافية إعلامه واحترافيته واستقلال القضاء فيه لا يعرف شعبه إلى الآن من قتل رئيسهم عام 1963 لكن إنْ سألتهم عن الإرهاب فالجميع يعرف أسامة بن لادن.
إن تقرير الكونغرس الذي ذكرناه سابقا سبب إعلانه ليس أكثر من صراع أجنحة في الإدارة الأمريكية للضغط لحساب استحقاقات سياسية، لا أكثر ولا أقل، وليس كما يعتقد البعض انه ينم عن حس عال بالمسؤولية أو شفافية مبهرة قد تدين حتى مؤسسات حساسة كوكالة الاستخبارات الأمريكية. وزد على ذلك نسبة معتبرة من الأمريكيين تعتبر»تقنيات الاستجواب المتطورة» أمرا مقبولا كونه يحارب الإرهاب.

منى مقراني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول غادة الشاويش:

    اولا تحية لك استاذة منى على هذه المقالة التي تؤكد ان البراغماتية اللاخلاقية هي التي تحكم عالم اليوم وان الحرية ففتي ففتي وان العدالة ففتي ففتي وان بداية السقوط لاي نظام في الدنيا مهما كان متفوقا هو الظلم
    يقول شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله ان الله ليقيم الدولة العادلة لول كانت كافرة ويضع الدولةالظالمة ولو كانت مسلمة ويقول تلميذه الفذ ابن القيام حيث كان العدل كان دين الله وزماننا هو زمان التغيير والانتقال زمان الافول لقوى شريرة وزمان ولادة قوى عاملة وزمان فناء من حق عليهم القول

  2. يقول سامي، عراقي، الولايات المتحدة الأمريكية:

    تقولين ان لا احد من الامريكيين يعرف اسم الشخص اللذي اغتال الرئيس كندي، لماذا لم تذكري انت اسم القاتل، فهو ليس اوزولد ولا جاك رووبي، فماذا تقولين انت؟

  3. يقول غادة الشاويش:

    السؤال الذي تطرحه الكاتبة واضح من هي الجهة الاستخبارية التي تقف وراء مقتل كينيدي اخ سامي وليس من هو قاتل كينيدي هل ثمة جهة واضحة تمت ادانتها في القضية ارجو ان تجيباني انت او الاخت الكاتبة ؟

  4. يقول Sam USA:

    أخت غادة لم أود بأن اعلق على ماجاء في مقال الكاتبة بشكل مفصل اما بالنسبة من المسؤول عن إغتيال الرئيس كندي، وبعد نصف قرن لم يتم تحديد من كان وراء اغتيال كندي، اٌتهم اوزوولد وهذا الشخص عاش في الإتحاد السوفييتي اكثر من ثلاث سنوات وتزوج هناك وكان هارباً من الجيش الامريكي، عاد اوزوولد الى امريكا، وبعد ازمة الصواريخ الكوبية الرئيس كندي كان قد اتخذ قرار سحب الجيش الأمريكي من فيتنام وغيرها من الدول، هذا القرار اغضب شركات تصنيع الاسلحة التي كانت تمر في ازمات مالية وعلى وشك الإفلاس فكان قرار التخلص من كندي، وهذا رأي الباحثون والمحللون عن سبب الإغتيال، فكان اوزوولد الشخص وافضل واجهة للتغطية والتمويه عن المسؤولين المباشرين. اما بخصوص التدخل الأمريكي في الشأن العربي فأقول عند حدوت اية ازمة في دولة عربية فيتم الإتصال بالبيت الأبيض، لا أحد يتصل بموسكو، بكين، اندوايسيا او تركيا الجميع يلجؤون الى امريكا، اذن العلة في سياسات الحكومات العربية الخاطئة أذ ليس منطقياً ان الاقتتال وتدمير دول عربية من ليبيا، مصر، لبنان، يمن سوريا، عراق تقف وراءه امريكا، لو افترضتا بان امركا وراء كل هذه الفوض، طيب كل هذه الملايين من العرب هل من المعقول انها لاتستوعب الدروس، الكل يقتل الكل انه مجرد لوم االآخرين بدلا من الاعتراف بالأطاء التي تتراكم ومعالجتها لما هي في مصلحة الشعوب العربية التي تدفع ثمن هذه الدكتاتوريات والأ ننظمة الملكية اللامسؤولة,

  5. يقول منی مقراني:

    شكرا علی التعليقات الإخوة :غادة الشاويش؛ سامي العراق؛سام امريكا.
    اخ سامي طبعا لم اكن اقصدا من اطلق الرصاص علی كندي !؟ بل من يقف وراء الإغتيال بالأساس؛ وقد فسرت الأخت غادة الشاويش مقصدي ؛ وتفضل الاخ سام بالإجابة التي اعنيها.
    اخ سام ؛ لم اكتب ان سبب مآسينا في العالم العربي هوالو، م، أ.
    تناولت الشق السيئ من تاريخ السياسة الخارجية الأمريكيةالذي نعرفه جيدا ؛ وذكرت علی وجه الخصوص احتلال العراق وسجن ابو غريب ؛وموقفها السلبي والداعم للكيان الإسرائيلي ؛ بشكل دقيق. وما آل اليه الوضع بعد ذلك..

    ودمتم بخير.

  6. يقول مريم براهيمي - الجزائر - الجلفة:

    الآلة الأمريكية العظمى لم تنجح في سياستها الداخلية و تصبو ان تحقق العادالة و المساواة طيلة تاريخها الذي بدأ في السنوات القيلية الفارطة في غير قوقعتها ، لكنها نجحت في ان تعدل بينها و بين دول اخرى في مستوى الجرائم و القتل لتظهر لنا تلك المحاربة للعنف و التطرف رغم انها لم تخرج بعد من بوتقة اللاعدل واللامساواة .
    شكرا لقلمك اتاذة منى

  7. يقول TAYEB ALGERIE:

    ظلت الإدارة الأمريكية تتعهد وتتوعد النظام السوري وتتحدث عن الخطوط الحمر التي لم تثن النظام السوري عن المضي قدما في قتل وتهجير وتهديم سوريا حتى ان مجزرة الكيماوي في الغوطة التي راح ضحيتها المئات من السوريين لم تستدع اوباما المغلوب على أمره ولا إنسانيتهم للتدخل، وكأن الإدارة الأمريكية تتفق ضمنيا مع كل استبداد ودكتاتورية، وإنْ سحقت أمة ما دامت تخدم مصالحها بشكل أو بآخر.
    جملة في غاية الخطورة يا منى ،حتى النخب كانها بلعت الطعم ،كانت ومازالت ترجو الحل في وم ا٠

إشترك في قائمتنا البريدية